خاص – جملة تختصر جوهر الأزمة الرئاسية. ماهي؟

خاص – جملة تختصر جوهر الأزمة الرئاسية. ماهي؟

الكاتب: نبيل موسى | المصدر: Beirut24
26 أيلول 2023

بعد اجتياح ’حزب الله” بيروت في غزوة 7 أيار 2008 التي وصفها أمينه العام في ما بعد ب”اليوم المجيد”، بالرغم من المجازر التي اقترفها بحق المدنيين والتي راح ضحيتها 71 شخصًا وعشرات الجرحى، توصّل فريقا 8 آذار و14 آذار، بعد تدخّل الجامعة العربية وبرعاية قطرية، الى اتفاق الدوحة الذي فك الاشتباك الأمني والسياسي لفترة بين الطرفين، وكانت نتيجته الأبرز انتخاب قائد الجيش العماد ميشال سليمان رئيسًا للجمهورية.

خلال ولايته الرئاسية، سعى الرئيس سليمان لإقامة “التوازن المستحيل” بين الدولة والدويلة، وصولًا الى دعوة الأقطاب السياسين الى طاولة حوار وطني في مقر رئاسة الجمهورية نتج عنها “اعلان بعبدا” في 12 حزيران 2006. وكان البندان 12 و13 أبرز ما جاء في الإعلان حيث نصّا على “تحييد لبنان عن سياسة المحاور والصراعات الإقليميّة والدوليّة وتجنيبه الانعكاسات السلبيّة للتوتّرات والأزمات الإقليميّة.. والحرص تالياً على ضبط الأوضاع على طول الحدود اللبنانيّة السوريّة وعدم السماح بإقامة منطقة عازلة في لبنان وباستعمال لبنان مقرّاً أو ممراً أو منطلقاً لتهريب السلاح والمسلحين.

ما هي إلا أسابيع حتى أعلن السيد حسن نصرالله عن تدخل الحزب في الحرب السورية بإرساله آلاف المقاتلين لدعم نظام الرئيس بشار الأسد، في وقت علق النائب محمد رعد على عدم توافق هذا التصرّف مع إعلان بعبدا بالقول “يروحوا يبلّوه ويشربوا ميّتو”.

هذا الموقف كان بمثابة الخط الفاصل الذي أنهى “الهدنة القسرية” بين الرئاسة والحزب، حيث أطلق الرئيس سليمان في حينه جملته الشهيرة، واصفًا معادلة “الجيش والشعب والمقاومة” التي تغنى بها “حزب الله” على مدى سنوات ولا يزال، ب”المعادلة الخشبية”. قُطِعت الطريق بين بعبدا وحارة حريك نهائيًا، وأيقن “حزب الله” انه خسر الدعم والغطاء الشرعيين من موقع رئاسة الجمهورية بعدما استغله بصورة مطلقة لسنوات خلت.

هذا الدرس الذي تعلّمه الحزب جعله يعرقل مع حلفائه انتخاب خليفة للرئيس سليمان على مدى 29 شهرًا جرت خلالها 45 محاولة فاشلة لتأمين النصاب في مجلس النواب، وصولًا الى انتخاب حليفه العماد ميشال عون رئيسًا للجمهورية في 31 تشرين الأول 2016. تنفّس الحزب الصعداء، وأمضى ست سنوات من الرخاء ممسكًا بزمام البلاد والعباد، باسطًا سلطته على جميع معابر ومرافئ الدولة ومرافقها دون حسيب أو رقيب.

هذه التجربة التي جعلت “حزب الله” يتذوّق طعم الحكم “من وراء الستارة” من دون ان يتحمّل مباشرة مسؤولية الاخفاقات والانهيارات التي ضربت البلاد، جعلته يتصلب أكثر في مواقفه الحاليّة لجهة التمسّك بسليمان فرنجية ك”مرشح ممانع” وحيد لانتخابات الرئاسة، لأنه لا يريد بالتأكيد في بعبدا رئيسًا قد يعيده بالذاكرة الى “المعادلة الخشبية” مع الرئيس سليمان، بل الى “سنوات العسل” الست مع الرئيس عون.

انطلاقا من ذلك، قد لا يكون الخلاف بين “الممانعة” والسياديين بكل أطيافهم حول اسم الرئيس المقبل أو برنامج عمله وخطته للنهوض الاقتصادي واخراج البلاد من الأزمة.. إنما يتركز جوهر الخلاف الحقيقي حول جملة واحدة في البيان الوزاري المرتقَب بعد انتخاب الرئيس وتشكيل الحكومة الجديدة: “جيش وشعب ومقاومة”. جملة واحدة تختصر الأزمة السياسية العاصفة بالبلاد وتقضّ مضجع الحزب، وتؤكد أن لا انتخابات ولا حلول في المدى المنظور، لأن أيًا من الطرفين لم يعد يملك ترف التنازل في هذا الموضوع المصيري بالنسبة للبنان.