
خاص- مَرتا “الخماسية”.. المطلوب واحد
بعدما أوصَد “الممانعون” جميع أبواب الحلّ بتمسّكهم بمرشح وحيد لا يرضون عنه بديلًا، وبعدما اقتنعت اللجنة الخماسية حول لبنان باعتماد “الخيار الثالث”، على أمل إقناع جميع الأطراف بهذا الحل على اعتبار انه الوحيد المتاح في هذه المرحلة، لا بدّ من توقع السيناريو المرتقَب في الآتي من الأسابيع أو ربما الأشهر.
في أحسن الاحتمالات، قد ينجح الوسطاء في إقناع جميع الأطراف باسم مرشح “وسطي” يمثل الحدّ الأدنى المقبول من الجميع. هذا جيّد، ولكن، ماذا بعد؟ ينتخب الرئيس، ويقسم اليمين، ويستقر في قصر بعبدا، ويبدأ على الفور استشاراته النيابية الملزمة لتكليف الشخصية التي سمّتها غالبية الكتل النيابية بتشكيل الحكومة الجديدة. هذا أيضا جيد، ولكن ماذا بعد؟ تشكل هذه الشخصية الحكومة بالتشاور مع رئيس الجمهورية، وتكلف لجنة من أعضائها لصياغة البيان الوزاري الذي يُفترَض أن تنال الحكومة ثقة مجلس النواب على أساسه. تعقد هذه اللجنة اجتماعات ماراتونية لأن وضع البلاد لا يحتمل المزيد من التأخير، ويتفق أعضاؤها على جميع القضايا الاجتماعية والاقتصادية والمعيشية وغيرها، بالرغم من صعوبة هذه المواضيع في بلد يشهد انهيارًا تامًا في جميع قطاعاته. يبقى التوافق والوئام مسيطرين على جميع الاجتماعات، وصولًا الى الفقرة الأمنية والعسكرية من البيان، وتلك الجملة السِحريّة التي ستفجّر بالتأكيد الوضع وتعيد الأمور الى نقطة الصفر: “جيش وشعب ومقاومة”.
المشكلة الحقيقية في هذه الجملة أن “حزب الله” لم يقتنع بعد بأن الجيش والشعب ما عادا يريدان المقاومة، وباتا غير قادرين على تحمّل سيطرتها على البلاد، وبأن الوطنيين الحقيقيين ما عادوا يقبلون بأقل من معادلة “الجيش والشعب والمؤسسات”، تمهيدًا لقيام دولة فعليّة حقيقية يتساوى فيها المواطنون في الحقوق والواجبات، بعيدًا عن سطوة السلاح غير الشرعي الذي لم يعد موجّهًا إلا الى الداخل، وخاصة بعد ترسيم الحدود البحرية مع إسرائيل وبدء المفاوضات غير المعلَنة لترسيم الحدود البرية في مهلة غير بعيدة على ما يبدو.
إقتنع الجميع بعدم جدوى هذا السلاح (فضلًا عن عدم شرعيّته) بعد اليوم باستثناء “حزب الله” الذي اذا فقده فقد مبرّر وجوده.. واللجنة الخماسية. لم تقتنع “الخماسية” بعد أن المشكلة اللبنانية ليست في اسم الرئيس أو انتمائه السياسي أو علاقته بالأطراف اللبنانية الأخرى وبالدول العربية والمجتمع الدولي، بقدر ما هي في جمهورية تلاشت بعدما أخضعها السلاح غير الشرعي، فجاءت تبحث عن رئيس لجمهورية لم تعد موجودة.
“مرتا مرتا تنشغلين بأمور كثيرة والمطلوب واحد”. إنه كلام مقدّس، ينطبق بالتفصيل على عمل “الخماسية”، التي تتلهّى بكل شيء إلا بالمشكلة الحقيقية في لبنان. فإذا أرادت التوصّل إلى حلّ بعيد المدى، ولمرّة واحدة كما تدّعي، ما عليها إلا العمل على تطبيق اتفاق الطائف والقرارات الدولية ذات الصلة، بالطرق التي تراها مناسبة، علمًا أن هذه القرارات جميعها تؤكد على تسليم جميع الميليشيات اللبنانية وغير اللبنانية سلاحها للدولة اللبنانية، بحيث يكون الجيش وحده، بالتعاون مع القوى الأمنية، مسؤولا عن حفظ الأمن في الداخل وعلى الحدود، ويكون قرار الحرب والسِلم بيد الحكومة وحدها.
وإذا كانت “الخماسية” غير مقتنعة بعدم شرعيّة هذا السلاح لا في النصوص ولا في النفوس، فما عليها إلا استفتاء الشعب اللبناني بسؤال وحيد: أيها اللبناني، هل تؤيد بقاء سلاح “حزب الله” معه؟ فإذا أجاب 51 بالمائة من المستَفتين بنعم يكون الحزب على حق، أما اذا أجاب 51 بالمائة بكلا يكون الوطنيون اللبنانيون على حق، ويكون بالتالي عل المجتمع الدولي إما أن يتدخّل جدّيًا لحلّ الأزمة اللبنانية، أو يتفرّج على مأساتنا من بعيد بصمت مطبق، وينكفئ عن إطلاق المبادرات والتصريحات التي لا طائل منها.
