
خاص- التطبيع السعودي الإسرائيلي إن حصل!
لم يعد الكلام على التطبيع بين السعودية واسرائيل مجرد همس. لقد خرج إلى العلن، وهو ينتظر اكتمال الشروط. فهل يحصل أو تحول دونه العراقيل؟ وما الذي سيتغير في الشرق الأوسط، إن حصل هذا التطبيع، الذي سيكون مغايراً لكل عمليات التطبيع التي حصلت حتى الآن بين اسرائيل ودول عربية أخرى؟
أعلن ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان بكل وضوح أن المملكة “تحقق تقدماً” في اتجاه التطبيع مع اسرائيل، فيما توقع وزير الخارجية الاسرائيلي إيلي كوهين التوصل إلى اتفاق إطار مع بداية العام المقبل. وما يجري من تفاوض الآن بوساطة اميركية يركّز على شروط رئيسية ثلاثة تريدها الرياض للقبول بالتطبيع، وهي: إقامة برنامج نووي مدني، ابرام اتفاقية دفاعية مع الولايات المتحدة، واعطاء تنازل لصالح القضية الفلسطينية.
بالفعل، بدت السعودية مؤخراً أكثر استعداداً للقبول بضمانات الوكالة الدولية للطاقة الذرية، التي ستتمكن من الوصول الى اي موقع مستقبلي فيه مواد نووية، اضافة الى مواقع سابقة، مثل المفاعل النووي للأبحاث قرب العاصمة والمتوقع ان يبدأ عملياته قريباً. وهذا يعبّد الطريق أمام الولايات المتحدة لدعم البرنامج النووي السلمي الذي تطالب به السعودية.
ولكن الأمر ليس بهذه البساطة. فقد أكّد ولي العهد السعودي أن بلاده ستسعى للحصول على سلاح نووي في حال حصول طهران عليه. وفي الوقت الذي يشكل هذا الموقف ضغطا على الولايات المتحدة لمنع ايران من الحصول على القنبلة النووية، فإنه يثير القلق لدى واشنطن من فتح الباب أمام سباق تسلح نووي خطير، كما أن اسرائيل تتخوف من احتمال التخصيب على الاراضي السعودية.
أما في بند التعاون العسكري، فتريد الرياض ضمانات أمنية أميركية أو معاهدة دفاعية تجعل تعامل واشنطن معها شبيهاً بتعاملها مع دول حلف الناتو. ومن ضمن ذلك تبغي السعودية الحصول على معدات اكثر تطورا وتسهيل عمليات الشراء التي غالبا ما تتأخر بسبب البيروقراطية أو بسبب عراقيل في الكونغرس. فخلال ولاية الرئيس دونالد ترامب، أُعلن عن عقود اسلحة بمليارات الدولارات، ووافقت واشنطن على شراء السعودية منظومة الدفاع الصاروخية “ثاد” وصواريخ باتريوت، ولكن لم يتم تسليم الكثير منها. اما في عهد الرئيس جو بايدن فكانت الموافقة فقط على بيع اسلحة دفاعية. وتريد السعودية اليوم المزيد من المنصات الهجومية كالمقاتلة الهجومية “اف 35” والتي تُعتبر اسرائيل الدولة الوحيدة في المنطقة التي تستعملها، إضافة إلى طائرات من دون طيار من طراز “ام كيو 9 ريبر”.
ولكن، سيكون من الصعوبة على الولايات المتحدة التعامل مع هذه الشروط في ظل الموقف الأميركي المعروف بالحفاظ على تفوق اسرائيل الأمني في الشرق الأوسط. وربما يكون الثمن المطلوب أميركياً تخلي السعودية عن التعاون العسكري مع الصين، فيما كانت الرياض قد اشترت أسلحة متطورة من بكين، ولديها أيضاً علاقات وثيقة مع الصين في قطاعات مثل الاتصالات، من دون أن ننسى أن الصين هي التي توسطت لإعادة العلاقات بين الرياض وطهران.
ويبقى الشرط الثالث، وهو تحقيق أمر لمصلحة القضية الفلسطينية. إذ لا يمكن لدولة مثل السعودية أن تطّبع مع اسرائيل من دون الحصول منها على تنازلات للفلسطينيين. ولكن يبدو أن مبادرة السلام العربية التي أُطلقت في بيروت والتي تقول بالأرض في مقابل السلام قد تجاوزها الزمن. ومن هنا فإن التنازلات الممكن تقديمها قد تكون محدودة، خصوصا أن من الصعوبة على حكومة متطرفة برئاسة بنيامين نتنياهو أن تقدم تنازلات كبيرة في الموضوع الفلسطيني.
التطبيع بين اسرائيل والسعودية، إن حصل، سيغير الموازين في الشرق الأوسط. فالسعودية التي تهدف إلى تصفير المشاكل، ستتمكن من تحقيق المشروع الضخم عبر رؤية 2030، وستسير في الطريق الذي تخطط له لتنويع موارد الاقتصاد وعدم الاكتفاء بالنفط، كما هو حاصل حتى اليوم.
أما واشنطن، فستكسب حليفين كبيرين في المنطقة، بما يمكنها من وقف تمدّد الصين ومن صدّ المشروع الايراني.
ولكن السؤال هو: هل ستقف بكين مكتوفة أمام هذا الأمر، وكيف ستتعامل طهران مع الأمر، وما الامكانات التي في حوزتها لعرقلة هذه العملية؟
