خاص-باسيل في تقاطعين..الأول سقط والثاني ينازع

خاص-باسيل في تقاطعين..الأول سقط والثاني ينازع

الكاتب: نبيل موسى | المصدر: beirut24خاص
6 تشرين الأول 2023

عندما تقاطعت قوى المعارضة مع “التيار الوطني الحر” وبعض المستقلين على الوزير السابق جهاد أزعور مرشحًا للانتخابات الرئاسية لمواجهة مرشح “الممانعة” رئيس تيار “المردة” الوزير السابق سليمان فرنجية، سئل رئيس حزب “القوات اللبنانية” سمير جعجع عن سبب عدم إمكان تطوير التقاطع مع “التيار” الى تحالف أوسع، أو ربما إعادة إحياء “اتفاق معراب” فأجاب ببساطة واختصار شديدين “لا نثق بجبران باسيل”. أسابيع قليلة تلت هذا التصريح أثبتت صحة هذا الرأي.
في التقاطع حول أزعور أراد باسيل ضرب عصفورين بحجر واحد: تطويق فرنجية وتحجيمه تمهيدًا لإزاحته من السباق لاحقًا، وتوجيه رسالة مباشرة الى “حزب الله” يبلغه فيها امتعاضه مما وصل اليه “تفاهم مار مخايل”، ملوّحًا في الوقت نفسه باستعداده (غير الحقيقي) لتغيير تحالفاته إذا اقتضت الضرورة ذلك. لم يكن عمر هذا التقاطع طويلًا، وكأنه ولد لتمرير جلسة رئاسية وحيدة تم فيها توجيه الرسائل المتوخاة منه، فأدى قسطه للعلى وتلاشى.
في هذه الأثناء لم يضيّع باسيل الوقت، وانتقل سريعا الى الضفة الأخرى، وفتح حوارًا رئاسيًا عقيمًا قد يستمرّ أشهرًا مع “حزب الله”، مطالبًا ظاهريًا باللامركزية الموسّعة والصندوق الائتماني، في مقابل موافقته على دعم ترشيح فرنجية. بدأت المفاوضات والطرفان يعلمان، ومن ورائهما رئيس حركة “أمل” نبيه بري، أنها لن تصل الى مكان. شكّل الثلاثي تقاطعًا غير معلن بهدف وحيد وإن بطرق وخلفيات متفاوتة: إبعاد قائد الجيش العماد جوزيف عون عن السباق الرئاسي. اتفقت الأطراف الثلاثة على الهدف، وإن كان لكل منها حساباته وخلفياته وأجندته. بعد التقاطع على الهدف، بقي التفاهم على الوسيلة: إضاعة الوقت وصولًا إلى موعد إحالة العماد عون على التقاعد في منتصف كانون الثاني المقبل، فتتراجع (برأيهم) حظوظه الرئاسية تلقائيا.
“حزب الله”، الذي لا يبدي معارضة علنيّة لوصول العماد عون الى قصر بعبدا، إنما يرغب في “عماد عون” كالذي كان في قصر بعبدا، وليس في عماد آخر، أقله ما كان عليه العماد ميشال سليمان في السنتين الأخيرتين من ولايته. فهو لا يريد رئيسًا “متعاونًا” بقدر ما يريده “مطواعًا” لدرجة أن يكون ممثلا له ولمشروعه جالسًا على كرسي الرئاسة، وهو ما لا ينطبق بالتأكيد على قائد الجيش.
أما الرئيس بري فحساباته مختلفة، فهي تبدأ من بسط سيطرته على مجلس النواب، ولا تنتهي بالتعيينات الشيعيّة في المراكز الرسمية كافة، بدءًا بتسمية الوزارات والوزراء الشيعة وليس انتهاءً بتعيين أصغر موظف في آخر دائرة رسمية. وهذا الأمر لن يكون مضمونًا له مع رئيس من خامة العماد عون أظهر مناقبيّة عالية وشفافية مطلقة وإرادة صلبة في قيادته المؤسسة العسكرية في أحلك الظروف.
في الضلع الثالث من التقاطع يتربّع الوزير باسيل الذي تبدو قصته مختلفة عن سابقَيه. في البداية هناك ما يشبه “العداوة الشخصية” بينه وبين العماد عون، لأنه يعتبر أنه لم يكن وفيًا له ولعمّه الرئيس ميشال عون الذي اختاره قائدًا للجيش، ولم يكن بالتالي مطواعًا بين يديه منفذا لأوامره من دون تردّد. هذه “الأزمة” الشخصية بين الرجلين بدأت مع “ثورة 17 تشرين” 2017 عندما طالب الوزير باسيل قائد الجيش بقمعها بالقوة، إلا أن الأخير رفض التجاوب، متخذًا موقف “الحياد الإيجابي” من خلال المحافظة على الأرواح والممتلكات في آن، مع احترام حرية التعبير بالحدود المقبولة. بعد ذلك كرّت سبحة الخلافات بين الرجلين حتى بلغت حد القطيعة.
وإذا كان موقف “الثنائي” من عرقلة وصول العماد عون واضحًا، يبقى السؤال عن السبب الحقيقي الكامن واء “محاربته” من باسيل.
في هذا السياق يرى قريبون من “التيار” أن باسيل ما زال يعتبر أن له الأحقية في “وراثة” عمّه في بعبدا، خصوصًا بعدما كرّس وراثته أخيرًا في ميرنا الشالوحي، وإن كان لا يستطيع الإفصاح عن ذلك في ضوء العقوبات الأميركية التي تعرّض لها على خلفيّة اتهامات بالفساد من جهة، وبسبب “عداواته” المزمنة مع جميع المكوّنات اللبنانية (باستثناء الحزب) من جهة ثانية. أما السبب الحقيقي وراء رفضه المطلق دعم قاد الجيش فيكمن في وضعه السياسي، والترهّل والوهن اللذين أصاباه في السنوات الأخيرة، بدءًا من ثورة 17 تشرين، مرورًا بالنكبات التي أصابت البلاد في عهد الرئيس عون، وصولًا الى الانتخابات النيابية الأخيرة التي كادت تتحوّل الى نكبة حقيقية ل”التيار” لولا تدخل “حزب الله” المباشر والدعم المطلق الذي قدّمه له، حتى لا تحقق “القوات” مكاسب إضافية على حساب حليفه.
انطلاقًا من كل ذلك، لا يستطيع باسيل أن يتحمّل وصول “رجل قوي” على خصومة معلنة معه الى قصر بعبدا، لأنه يدرك الثمن السياسي الذي سيدفعه على مدى السنوات الست المقبلة، وهو ثمن لن يكون قادرًا على تحمّله، في ظل الأزمات الداخلية التي يعاني منها “التيار”، وفي ضوء التراجع المستمر لشعبيته في الأوساط المسيحية. إلا أن حساباته قد لا تكون دقيقة في ضوء التطوّرات السياسية الخارجية بعد تبنّي اللجنة الخماسية الخاصة بلبنان “الخيار الثالث”، ما أدخل “التقاطع الثلاثي” في مرحلة “النزاع الأخير”.