خاص – هل تكون غزة وبيروت فداءً لطهران؟
منذ أطلقت حركة “حماس” عملية “طوفان الأقصى” التي ردّت عليها إسرائيل ب”السيوف الحديدية”، سال دم كثير وحبر كثير، في محاولة لفهم ما يجري واستشراف الآتي من التطوّرات. بعض المحللين شبّه هجمات “حماس” على غلاف غزة بهجمات 11 أيلول على الولايات المتحدة، فيما ذهب آخرون الى تشبيهها بالهجوم الياباني على القواعد الأميركية في بيرل هاربر، لجهة عنصر المفاجأة وعدد القتلى المرتفع في العمليّتين. لذلك وجب التذكير وليس المقارنة:
-الهجوم الياباني على بيرل هاربر:
التاريخ:7-12-1941
عدد القتلى: 2402
عدد الجرحى: 1282
-هجمات 11 أيلول على الولايات المتحدة الأميركية:
التاريخ: 11-9-2001
عدد القتلى: 2977
عدد الجرحى: بالآلاف
-عملية “طوفان الأقصى” على غلاف غزة:
التاريخ:7-10-2023
عدد القتلى الإسرائيليين: 1200 من بينهم 169 عسكريًا
عدد الجرحى: بالآلاف واكثر من 100 أسير لدى “حماس”
هذه الأرقام ليست للمقارنة بل للتذكير بالنتائج العكسية التي حققتها كل عمليّة، وصولًا إلى التأكيد بأن إراقة الدماء لا تحقق في معظم الأحيان الأهداف المرسومة:
فقد أيقظ هجوم بيرل هاربر على القواعد الأميركية “المارد النائم”، فدخلت الولايات المتحدة الحرب الى جانب الحلفاء، حتى انتقمت من اليابان بعد أربع سنوات بإلقاء قنبلتين نوويتين على مدينتي هيروشيما وناكازاكي كانتا كفيلتين باستسلام اليابان وانتهاء الحرب العالمية الثانية.
أمّا هجمات 11 ايلول ففتحت المجال واسعًا أمام الولايات المتحدة للانتقام من دول وأنظمة وتنظيمات بدءًا بأفغانستان والعراق وليس انتهاءً بتنظيم القاعدة الذي طاردت قادته لسنوات حتى اغتالتهم ومن أبرزهم أسامة بن لادن وأيمن الظواهري.
في الحالتين الأولَيين تظهّر الردّ الأميركي ولو بعد سنوات. ولكن، في حالة “طوفان” غزة، هل يمكن لأحد أن يرسم نهايات معيّنة، حتى ولو كانت تقريبية، في منطقة على فوهة بركان وجاهزة لشتى احتمالات تغيير الخرائط السياسية والمذهبية والعرقية؟
ثمّة من يعتبر أن “السيوف الحديدية”، بمجرّد الانتهاء من تدمير قطاع غزة، ستكون قد نفّذت مهمّتها، أو في أسوأ الأحوال بعد اجتياح بري إسرائيلي صعب ومكلف للقطاع.
إلا أن هذه النظرية لا تبدو واقعيّة أو مقنعة انطلاقًا من معطيات عدة:
-حجم الخسائر البشرية والمعنويّة التي منيَت بها إسرائيل للمرة الأولى منذ تأسيسها، بحيث لم تعد قادرة على استعادة هيبتها وتأثيرها في المنطقة إلا بعمل عسكري غير مألوف وغير مسبوق يحفظ لها بعض ماء وجهها الذي سال في غزة.
-الاصطفاف السياسي السريع داخل اسرائيل خلف السلطة والجيش وتشكيل “حكومة حرب “هدفها الوحيد تكريس كل الطاقات الداخلية والخارجية لتحقيق انتصار كبير في الحرب التي أعلنتها على “حماس” و”الساحات” التي ستساندها.
-الدعم الأميركي السريع جدا (كالعادة) لإسرائيل بإرسال مجموعة حاملة الطائرات “جيرالد فورد” التي تعتبر الأكثر تطوّرا في العالم لتنضم الى قطع الأسطول السادس المتمركز في المتوسط. تزامنًا، فتحت واشنطن جسرًا جويًا مع تل أبيب حيث حطّت بعد ساعات من العمليّة أول طائرة شحن عسكرية اميركيّة ضخمة في إسرائيل، وهي تحمل أطناناً من الذخائر والقنابل النوعيّة والمتطوّرة، لتكون ترجمة عمليّة لوعود أميركية بتزويد إسرائيل بجميع احتياجاتها العسكرية التي تمكنها من تنفيذ مهمتها.
-الدعم الأوروبي المطلق لإسرائيل بعد الاتصالات التي أجراها رئيس حكومتها بنيامين نتنياهو بقادة فرنسا وبريطانيا وألمانيا وإيطاليا وغيرها، وهو ما اعتبر تحضيرًا للأرضية السياسيّة وربما العسكرية لعملية قد تفوق التوقعات.
-عدم تعرّض إسرائيل لضغوط عربية كبيرة لثنيها عن مخططها، نظرًا لتطوّرات التطبيع المتسارعة بين تل ابيب وعواصم عربية فاعلة، فضلا عن انغماس “حماس” في “محور الممانعة” لدرجة تنفيذ “طوفان الاقصى” برعاية إيرانية كاملة.
كل هذه المعطيات تجعل أهداف إسرائيل واستعداداتها مع حلفائها أبعد من القضاء على “حماس”، خاصة وأن “حزب الله” هدّد بتطبيق مبدأ “وحدة الساحات” والدخول في الحرب اذا قامت إسرائيل باجتياح قطاع غزة، وهو أمر حاصل بالتأكيد خلال وقت ليس ببعيد. في هذه الحالة ستجد إسرائيل نفسها مضطرّة للتعامل مع جبهتين شمالية وجنوبية في الوقت نفسه، وهو ما تستعدّ له حاليا، ولن تتمكن بالتالي من وقف هذه الحرب إلا بتسجيل انتصار كبير على الجبهتين معًا.
ماذا عن إيران في هذه الحالة؟ هل ستكون قادرة على التدخل أو أنها ستضحّي بأذرعها حفاظًا على رأسها؟ وهل تكون غزة وبيروت فداءً لطهران، أم أن المنطقة ستدخل في حرب ستغيّر وجه الشرق الأوسط لعقود لاحقة؟
الاحتمالات كلها تبقى مفتوحة انتظارًا للآتي من الأيام. إلا أن الثابت الوحيد أن تطوّرات الأحداث المقبلة لن تكتب إلا بالدم، لأن الحبر لن يكون كافيًا لرسم صورة مستقبل المنطقة وخريطتها الجديدة. فعندما يقول وزير الخارجية الأميركي أنطوني بلينكن من تل أبيب “لم آت إلى إسرائيل بصفتي وزيرًا للخارجية فحسب بل بصفتي يهوديًا أيضاً فرّ أجداده من القتل”، فهذا يعني أن الولايات المتحدة قرّرت دخول الحرب الى جانب (وليس وراء) إسرائيل، التي تعتبرها واشنطن النجمة الحادية والخمسين على العلم الأميركي.