
خاص- قُضِي الأمر.. أيها اللبنانيون إستعدّوا
بكل أسف، تشير التطوّرات العسكرية الكبيرة ولكن غير المتسارعة، إن في غزة أو في جنوب لبنان، أن رئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي لم يكن يومًا محقًا بقدر ما كان بعد الاجتماع الطارئ للحكومة الخميس الماضي، عندما اختصر الموقف بكلمات قليلة ولكن بالغة الدقّة والتعبير: “لبنان في عين العاصفة”. بكل بساطة، هو أحد القلائل في لبنان الذي مرّت عبره جميع الطلبات والرسائل والتحذيرات الخارجية ل”حزب الله”، وهو أيضًا من تلقى رد الحزب على كل ما سبق، ما يعني أن وصوله الى الخلاصة التي وصل إليها لا ينطلق من فراغ، بل من معطيات ثابتة تشي بما هو آتٍ.
ففي قراءة متأنية للمواقف السياسية، المترافقة مع التطورات العسكرية المتدحرجة ولكن بغير تسرّع، تتضح صورة مستقبل الأزمة، انطلاقًا من عوامل متسلسلة أصبحت من الثوابت:
-هناك إجماع من أصدقاء إسرائيل وأعدائها، على أن عملية السابع من تشرين التي نفذتها حركة “حماس”في غلاف غزة شكلت نكبة لم تشهدها إسرائيل منذ نشأتها على المستويات كافة، ما استدعى تعاطفا أميركيًا وأوروبيًا عاجلا معها.
– هناك إجماع على أن الولايات المتحدة الأميركية وبعض الدول الغربية أعطت إسرائيل الضوء الأخضر للردّ على العملية “كما تشاء” في قطاع غزة، من دون أن تسعى الى توسيع بقعة العمليات العسكرية الى مناطق أبعد، انطلاقا من أن اسرائيل لا يمكنها ان تستمرّ من دون أن تسترجع معنويّات جيشها وقدرتها على الردع، وهو ما تجلى بوضوح خلال زيارة وزير الخارجية الأميركي أنطوني بلينكن الى تل أبيب.
-هناك إجماع على ان لبنان الرسمي والشعبي، وكذلك “حزب الله”، لا يريدون فتح جبهة الجنوب، وخاصة اذا لم تعتدِ إسرائيل على الأراضي اللبنانية، وهو أمر من الواضح أن إسرائيل لا تريده
وهي تستعدّ لحرب برّية صعبة في غزة، وبالتالي ليس من مصلحتها بالتأكيد أن تفتح جبهتين في الوقت نفسه.
هذا كله جيّد، ولكنه بالتأكيد غير كافٍ لتجنيب لبنان كأس الحرب الآتية. هذا ما يتأكد من متابعة جولة وزير الخارجية الايراني أمير عبد اللهيان الأخيرة على العراق وسوريا ولبنان، عندما كرّر في أكثر من محطّة التأكيد على أن محور المقاومة لن يقف متفرّجا على إسرائيل وهي تسحق “حماس” في غزة، مهدّدًا بإشعال المنطقة كلها إذا نفذت إسرائيل تهديداتها. إنها عمليًا نظرية “وحدة الساحات” التي تتّخذ من بيروت مركزًا لغرفة عملياتها تفرض نفسها على تطوّرات الأزمة.
في المقابل، تواصل إسرائيل بلا هوادة حربها الجوية على غزة، بالتزامن مع تكثيف استعداداتها للانتقال الى مرحلة الهجوم البري على القطاع، مدعومة بجسر جوي عسكري أميركي، إضافةً الى أحدث حاملة طائرات في العالم ومجموعتها التي باتت تتمركز قبالة شواطئها في المتوسط تحسبا لأي تطوّر غير متوقّع في المعركة. كما دعمت الولايات المتحدة قواتها بحاملة طائرات ثانية تصل الى المنطقة في غضون أيام.
في ضوء ما تقدّم أصبحت المعادلة العلميّة كالتالي: إسرائيل ستبدأ هجومها على غزة خلال أيام، وإيران (عبر عبد اللهيان) أعطت “أوامرها” الى التنظيمات التابعة لها، وأولها بالتأكيد “حزب الله”، بالتدخّل في الحرب لتخفيف الضغط عن غزة، أو ربما لإفشال الهجوم اذا استطاعت الى ذلك سبيلا، ما يدفع إسرائيل (وربما معها الولايات المتحدة) الى الردّ بقوة على حلفاء “حماس”، ما يجعل لبنان، فعلًا وليس قولًا، في عين العاصفة.
لذلك لا بدّ من القول: لقد قُضِي الأمر.. أيها اللبنانيون استعدّوا للحرب الجديدة التي ستفرض عليكم كما حرب تموز 2006، مع فارق بسيط هو أن لا أحد سيكون قادرًا على القول “لو كنت أعلم”. هذه المرة ثمة من يقول ربما “لو كنت أقدر” أن أرفض تنفيذ الأوامر الإيرانية لجنّبت لبنان ويلات الحرب.