خاص – لماذا تأخّر الهجوم على غزة؟

خاص – لماذا تأخّر الهجوم على غزة؟

الكاتب: نبيل موسى | المصدر: Beirut24
23 تشرين الأول 2023

بعد “نكبة إسرائيل” في السابع من تشرين الأول 2023، كان واضحًا أن الدولة العبرية لن تستطيع محو هذا التاريخ من سجلاتها وكتبها أو من خلفية تفكير شعبها الذي كان مقتنعًا بقوة دولته وجبروت جيشه الذي لا يُقهَر. إلا أن عملية “حماس” في مستوطنات غلاف غزة أثبتت خلاف ذلك، حيث بدت الحكومة الإسرائيلية تائهة فاقدة للتوازن لأيام عدّة، فيما حمل الجيش، للمرة الأولى في تاريخه، إسمه الحقيقي أي “جيش الدفاع الإسرائيلي”، لأن هذا الجيش التوسّعي الذي اعتاد على مهاجمة جيرانه، وجد نفسه في موقع الدفاع عن المستوطنات الإسرائيلية والشعب الإسرائيلي.

إزاء هذا الواقع “الكارثي” على الداخل الإسرائيلي، أجمع المراقبون على أن حصول رد فعل إسرائيلي غير مسبوق سيكون أمرًا حتميًا، على أمل أن تنجح الحكومة في استرجاع شيء من ثقة المواطنين بدولتهم وجيشهم، وحتى يكون ما سيحصل درسًا لأطراف أخرى كي لا تتجرأ يومًا ما على فعل ما فعلته “حماس”.

أولى هذه التوقعات وأقربها الى التحقيق كانت حصول عملية برّية واسعة في غزة تسبقها غارات جوية عنيفة تستهدف مواقع “حماس” والبنى التحتية، تسهيلًا للاجتياح البري، ولتخفيف الخسائر في صفوف القوات المهاجمة. وهذا ما حصل مع بدء القصف الجوي والبري على غزة فعلًا بعد ساعات من عملية “طوفان الأقصى”. ولكن، أين أصبح الهجوم البري الذي بدأ الاستعداد له منذ أسبوعين وأكدت جميع المستويات السياسية والعسكرية في إسرائيل حتميّة حصوله، فيما لم يبدأ الى الآن؟

هناك نظريتان كفيلتان بالإحاطة بالأمر، وربما تقدّم إحداها الجواب على السؤال الذي بات يحيّر الجميع:

النظرية الاولى تقول إن الأميركيين طلبوا من الإسرائيليين تأخير البدء بالهجوم، بعدما أيقنوا في خلال زيارتين لوزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن وزيارة للرئيس الأميركي جو بايدن إلى تل أبيب، أن الحكومة الإسرائيلية لا تملك تصوّرًا أو خطة واضحة لمرحلة ما بعد الهجوم على غزة، أي لجهة الاستعداد لبلورة حل سياسي معيّن يعيد إسرائيل إلى الخارطة العربية، سواء مع الدول التي تربطها بها معاهدات سلام، أو مع الدول التي كانت في طور تطبيع العلاقات معها، وأبرزها في هذه المرحلة المملكة العربية السعودية. ولعلّ أول من دق جرس الإنذار في هذا السياق كانت مصر والأردن اللتين رفضتا بشدة “مشروع الترانسفير” الذي أعدته إسرائيل للفلسطينيين الى سيناء. كما دعم هذا الموقف تأكيد عربي شامل على ضرورة حل القضية الفلسطينية وفق مبدأ الدولتين.

أما النظرية الثانية فتعتبر أن الإسرائيليين هم من أبلغوا الأميركيين بضرورة تأخير الهجوم على غزة، في انتظار وصول الدعم الأميركي والحليف بالكامل الى المنطقة انطلاقًا من أسباب عسكرية حدّدتها طبيعة المعركة. فقد أيقنت إسرائيل، بعد ساعات من جولة وزير الخارجية الإيراني حسين أمير عبد اللهيان إلى بغداد ودمشق وبيروت، أن مشروع “وحدة الساحاتط جدّي جدا، وأن تهديد عبد اللهيان بتفعيله كان جديًا وليس بهدف التهويل. وبعد صدور أمر العمليات من طهران، تعرّضت إسرائيل للمرة الأولى منذ عام 1973 لقصف محدود جدا من الجولان، ثم بدأ “حزب الله”، مدعومًا بفصائل فلسطينية، ولا يزال، عملياته ضد المواقع الإسرائيلية على الحدود، حتى وإن كان البعض يعتبر ان هذه العمليات ما زالت ضمن “قواعد الاشتباك” المعمول بها منذ حرب تموز 2006. والأخطر، أن هذه التحركات واكبتها عمليات نفذتها فصائل تابعة لإيران ضد قاعدة عين الأسد في العراق، والتنف في سوريا، بالإضافة الى إطلاق صواريخ من اليمن باتجاه بارجة أميركية في البحر الأحمر. كل ذلك يعني باللغة العسكرية أن إيران قالت “الأمر لي”، وانتقلت بالتالي من موقع الدفاع الى موقع الهجوم، مؤكدة بالفعل عدم نيّتها التخلي عن أذرعها في المنطقة بعدما كلفتها عشرات السنوات من العمل والمال، وتمكنت بفضلها من بسط سيطرتها على المنطقة و”احتلال” أربع عواصم عربية على الاقلّ.

كل هذه الأسباب دفعت الإسرائيليين، ومعهم الأميركيين والأوروبيين، الى التفكير بإعادة وضع استراتيجية كاملة لواقع الحرب في المنطقة برمّتها، بعدما تأكدوا بما لا يدع مجالًا للشك، بأن الهجوم البرّي على غزة سيبدأ في القطاع ولكنه لن ينتهي هناك، حتى وإن تمكّنت إسرائيل من تحقيق أهدافها. لذلك بات من الواضح أن الجميع، باستثناء إيران، أصبح في مأزق. فهل توافق واشنطن وحلفاؤها الأوروبيون على مسايرة إسرائيل لدرجة الدخول معها في حرب تبدأ في غزة وتنتهي في طهران، أم أن الحركة الدبلوماسية المحمومة الحاصلة قد تتمكن من الوصول مخرج معيّن يكفل لإسرائيل المحافظة على ما تبقى من ماء وجهها، وينجّي في الوقت نفسه المنطقة من حرب مدمّرة؟ إنه سؤال معقّد بالفعل، لكن التطوّرات في الأيام القليلة المقبلة ستحمل بالتأكيد الإجابة عنه.