
خاص – هل من خطة “ب” لدى اسرائيل في غزة؟
عشرون يوماً مرّ على حرب غزة. لا “حماس” اندحرت ولا اسرائيل انتصرت. فقط عدد القتلى المدنيين ارتفع في شكل هائل، وحجم الدمار يكبر، وصور المآسي تمزّق القلوب.
بعد عشرين يوماً على عملية “طوفان الأقصى” وما تلاها من قصف اسرائيلي مروّع للقطاع، لم تبدأ الحرب البرية بعد، مع أن التهديد والوعيد بحصولها لم يتوقفا. وبدا الردّ الاسرائيلي حرباً انتقامية يدفع ثمنها المدنيون الفلسطينيون، من دون أي انعكاسات عسكرية على بنية “حماس”، ومن دون أي تغيير في موازين القوى السياسية، حتى الآن على الأقل.
ماذا بعد؟
من الناحية العسكرية، تبدو تل أبيب أمام مأزق فعليّ. يمكنها أن تستمر في القصف والقتل والتدمير أياماً وأسابيع. ولكن ذلك سيؤدي إلى سقوط المزيد من الضحايا الأبرياء، ومن بينهم الأطفال، ما سيضعف التأييد المطلق الذي منحته الولايات المتحدة والغرب إجمالاً لاسرائيل بعد هجوم “حماس”. ولن يكون في إمكان الغرب تحمّل تبعات قتل الأطفال والآباء والأمهات طويلاً.
أما الدخول البري إلى غزّة فسيكون، إن حصل، باهظ الثمن على كل الأطراف، وأولهم اسرائيل. وسيكبّد هذا التدخل الجيش الاسرائيلي خسائر كبيرة في صفوف الجنود، ما قد يخلق أزمة سياسية داخل الحكومة الاسرائيلية ويثير نقمة الرأي العام ضدها.
ولا يمكن لقوى عسكرية تدخل منطقة سكنية يتغلغل فيها مقاتلو “حماس” توقّعُ المفاجآت التي قد تتعرض لها، من مثل الألغام المزروعة والتفجيرات الانتحارية، وصولا إلى متاهة الأنفاق التي تشكل عملياً مدينة أخرى تحت الأرض. ويقدَّر أن هذه الشبكة الكبيرة والمتشعّبة تتألف من أكثر من 1300 نفق بطول يقارب 500 كيلومتر وأعماق قد تصل إلى 60 متراً. وقد وصف الإعلام الاسرائيلي شبكة الأنفاق هذه بـ “جهنم تحت الأرض”.
يضاف إلى ذلك أن حركة “حماس” تحتفظ بالرهائن داخل هذه الأنفاق. وأي تفجير لها بواسطة القنابل التي تملكها اسرائيل والقادرة على إحداث تفجيرات تحت الأرض، سيعرض حياة الرهائن للخطر.
وكبديل عن الغزو البري الواسع، نفذت اسرائيل عمليات برّية محدودة في الأيام الماضية. ولكن يؤكد الخبراء العسكريون أنه لا يمكن تحقيق “الانتصار” الذي تتحدث عنه الحكومة الاسرائيلية من دون العملية البرية.
وإضافة إلى المحاذير الكثيرة للتدخل البرّي، فإن الادارة الأميركية تمارس ضغوطاً كبيرة على حكومة بنيامين نتنياهو لثنيها عن تنفيذ عملية على الأرض. ولدى اسرائيل نفسها أمثلة كثيرة على فشل التدخل البري. فهي سبق أن دخلت غزة في العام 2014 ثم خرجت منها. كما كان للولايات المتحدة تجارب فاشلة كثيرة، من فييتام الى افغانستان، حيث انسحب الأميركيون مؤخراً، تاركين السلطة من جديد لحركة “طالبان”.
فماذا ستفعل اسرائيل إذا تراجعت عن الحرب البرية؟ وهل لديها خطة “ب” لاستعادة الثقة بقدراتها الأمنية الرادعة التي تخلخلت؟ وهل ستقدر على تنفيذ تهديداتها بسحق حركة “حماس”؟
جرّبت اسرائيل ممارسة ضغوط عبر حلفائها على مصر من أجل استقبال الفلسطينيين الذين سيتم ترحيلهم تحت ستار الغارات المدمرة والحصار المعيشي وقطع الكهرباء وانهيار المستشفيات. لكن مصر سارعت إلى قطع الطريق على هذه الخطة، رافضة حصول ترانسفير جديد. وأيّدتها في مواقفها هذه الدول العربية والخليجية، وعلى رأسها السعودية. والآن، تجري مفاوضات عبر قطر من أجل الافراج عن عدد من الرهائن في مقابل إدخال المساعدات إلى القطاع.
كما أن واشنطن التي سارعت إلى إرسال حاملات الطائرات لا ترغب في الانخراط في حرب اقليمية واسعة، ولا تريد توسيع الجبهات، خصوصاً أن دخول جبهات جديدة على المعركة، من لبنان تحديدا، ليس في مصلحة اسرائيل التي لا تريد أن تستنزف قوتها بالحرب على محاور عدة في آنٍ واحد.
اذا، ما الخيارات الأخرى أمام اسرائيل؟
يمكنها أن تستمر في الأعمال العسكرية، كما يجري الآن. ولكن سياسة الصمود لدى “حماس” قد تنتصر، كما حصل في حرب لبنان في العام 2006. عندها ستعود الأمور إلى ما كانت عليه، مع خطط أمنية أكبر واستنفار وعمليات عسكرية. ولكن، ربما يجرّ هذا الوضع الأطراف المعنية إلى مفاوضات بهدف التوصل إلى تسوية. وعندها ستكون ايران الحاضر الأكبر على الطاولة.