خاص- هل يشرب فرنجية الشامبانيا في الرابية؟

خاص- هل يشرب فرنجية الشامبانيا في الرابية؟

الكاتب: نبيل موسى | المصدر: beirut24خاص
30 تشرين الأول 2023

لم يكد غبار جولة رئيس “التيار الوطني الحر” النائب جبران باسيل ينقشع حتى بانت أهدافها بكل وضوح. وبغض النظر عن العناوين الفضفاضة التي طرحها باسيل لجولته مثل “حماية لبنان والوحدة الوطنية”، والأفكار الخمسة “الخيالية” التي قال أنه تشاور مع من التقاهم بشأنها، ثمة فكرة واحدة وحيدة دفعته الى كل هذه الضوضاء التي يعرف سلفًا أنها لا تسمن ولا تغني عن جوع. هذه الفكرة التي تقض مضجع باسيل هي ببساطة كيفية منع التمديد للعماد جوزيف عون على رأس المؤسسة العسكرية، أملًا في قطع الطريق أمام وصوله الى قصر بعبدا. وليس صدفة أن تكون جولة باسيل قد أتت قبل أقل من أسبوع على بداية العام الثاني من الفراغ الرئاسي، وفي ظل أجواء عربية ودولية ضاغطة باتجاه أن تكون مخاطر الحرب في غزة وجنوب لبنان عاملًا إيجابيًا مساعدًا لإنجاز الاستحقاق الرئاسي.
رئيس تيار “المردة” سليمان فرنجية كان الأوضح من بين الذين زارهم باسيل، فأعلن صراحة من بنشعي اتفاقه مع باسيل على رفض التمديد لقائد الجيش. فقد توافق الرجلان، بالرغم من الخصومة الشرسة بينهما، على إزاحة قائد الجيش من الحلبة الرئاسية، من خلال أوّلاً عرقلة مشروع التمديد له على رأس المؤسّسة العسكرية.
أمران أساسيان لا يبارحان تفكير جبران باسيل، ومنهما تنطلق تصاريحه وتصرفاته وحركته السياسية: قناعته الراسخة التي لا تقبل الجدل او التنازل (وإن قال غير ذلك) أنه الأحق بين الموارنة بكرسي رئاسة الجمهورية، وأنه بالتالي كان يفترض ان يكون الوريث الطبيعي لعمه الرئيس ميشال عون في بعبدا كما ورثه في رئاسة “التيار” والمقعد النيابي وغيرها من المواقع السياسية والاجتماعية والعائلية. والأمر الثاني هو تفكيره المستمرّ بالمحاصصة وتحقيق المكاسب الشخصية لأزلامه في مؤسسات الدولة عله يمسك أكثر بالوضع المسيحي عبر إمساكه بزمام الأمور في الإدارات الرسمية، والعكس صحيح. واذا كان الطموح الرئاسي في مكان ما مبررًا، إلا أن المحاصصة والمحسوبيات في الإدارة لم تعد كذلك، بعدما أوصلت هذه السياسات، وخصوصًا في السنوات الست الأخيرة، مؤسسات الدولة الى نهاياتها، وبعدما تعرّض باسيل شخصيا لعقوبات أميركية غير مسبوقة بتهم الفساد، التي لم يعترض عليها أمام المحاكم الأميركية، بسبب ممارساته في الوزارات التي تولاها هو وأتباعه.
قبل أن ينطلق باسيل في جولته اتصل بأمين عام “حزب الله” السيد حسن نصرالله و”أخذ بركته” وأغراه بأمرين: الأول تشكيل موقف وطني يجنّب لبنان الحرب فيما لو أراد الحزب عدم خوضها. والثاني تأكيد حق لبنان في الدفاع عن نفسه، ما يعطي الضوء الأخضر داخليًا للحزب للمضي في أي مغامرة عسكرية تحت عنوان وطني كبير هو الدفاع عن البلد، مع تأمين أوسع احتضان ممكن سياسيًا وإعلاميًا واجتماعيًا للحزب وبيئته في حال اندلاع الحرب. إنه إعلان واضح من “التيار” بالعودة الى مندرجات “اتفاق مار مخايل” بعد التنازل عن المطالب “الوهمية” السابقة حول اللامركزية والصندوق السيادي.
بعد نصرالله انطلق باسيل مباشرة الى صاحب الرأي الأول في مهمته. إنه الوزير وليد جنبلاط الذي رفع الصوت مطالبًا بملء الفراغات في قيادة الجيش عبر تعيين رئيس للأركان وأعضاء المجلس العسكري في هذه الظروف المصيرية التي تمرّ بها البلاد. صوّب باسيل مباشرة على الهدف وعرض على “البيك”، الحريص على الموقع الدرزي الأول في المؤسسة العسكرية، تعيين رئيس للأركان من قبل مجلس الوزراء، في مقابل معارضة جنبلاط التمديد للعماد عون، على أن يتولى رئيس الأركان المعيّن مهام قائد الجيش بالإنابة بعد 10 كانون الثاني، موعد إحالة قائد الجيش على التقاعد. لم تنجح الصفقة بعد إصرار جنبلاط على إجراء التعيينات كاملة في قيادة الجيش في سلة واحدة.
بعد جنبلاط توجّه باسيل الى رئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي، فحاول إغراءه بموافقته على تفعيل العمل الحكومي بعودة وزراء “التيار” للمشاركة في اجتماعات حكومة تصريف الأعمال، في مقابل وقف اندفاعة ميقاتي باتجاه التمديد للعماد عون. فشِل العرض بسبب الشروط القاسية التي وضعها باسيل لعودة وزرائه، ما يكبّل يدي ميقاتي ويجعله عاجزًا عن تمرير أي قرار او مشروع لا يوافق عليه الوزراء ال24.
في محطة عين التينة، عرض باسيل على الرئيس نبيه بري صفقة مشابهة، أي تفعيل العمل التشريعي بموافقته على مشاركة نواب “التيار” في جلسات تشريع الضرورة التي يحدّدها بري، في مقابل فرملة مساعيه مع ميقاتي للتمديد لعون. إلا أن الاقتراح لم يشكل إغراءً كافيًا ل “الاستاذ” المحنّك في هذا المجال، فخرج رئيس “التيار” خائبًا.
إزاء هذا التعثر غير المتوقع، لم يبق أمام باسيل إلا التوجّه الى حليفه القديم، خصمه الحالي الوزير فرنجية، على قاعدة “عدو عدوي صديقي”. وهكذا اتفق الرجلان على معارضة التمديد لعون وإبعاده تاليًا عن السباق الرئاسي، وإن كانت حسابات كل واحد منهما مختلفة عن الآخر. وفي هذه الحالة يكون الرجلان قد نجحا في منع التمديد لعون في مجلس الوزراء، اذا قاطع وزيري “المردة” ووزراء “التيار” الجلسة، وبالتالي لم يبق أمام مؤيدي التمديد لعون إلا سلوك معبر مجلس النواب غير المفروش بالورود في أية حال.
حسابات فرنجية في هذا المجال واضحة، وهي استبعاد المرشح الأقوى للرئاسة من المعركة. أما باسيل فحساباته مختلفة، اذ أنه ما زال يعتقد، من دون ان يجرؤ على الاعلان، أنه المرشح الطبيعي الأحق بالرئاسة. وهو لهذه الغاية سيحاول تقديم أوراق اعتماده مجدّدًا للسيد حسن نصرالله في حرب تشرين 2023 على غرار ما فعل عمّه العماد عون في حرب تموز 2006، فحصد ثمارها ولو بعد حين. لذلك سيحاول باسيل، في ضوء تطوّرات الحرب، إقناع “الحزب” بالتراجع عن ترشيح فرنجية لمصلحته، نظرا لما يمكنه أن يقدّم له من ضمانات وخدمات في السلم كما في الحرب. أما اذا لم ينجح باسيل في هذه المهمة شبه المستحيلة، فسيلجأ تلقائيا الى استخدام براغماتيته التي لا تعرف حدودًا للانتقال الى “الخطة ب” من تحرّكه. عندها على جميع الأطراف ان يكونوا مستعدين للمفاجأة الكبرى، عندما يتدخل “العراب” لتقسيم مناطق النفوذ في السلطة بين “الأخوين العدوّين” اللذين سيوقعان “اتفاق الرابية” (على غرار اتفاق معراب الرئاسي) برعاية وضمانة حارة حريك، حتى لا يكون مصيره كمصير اتفاقات مشابهة سبقته.
المشكلة الحقيقية ليست شخصية بين باسيل وقائد الجيش كما يحلو للبعض ان يروّج، خصوصًا وأن باسيل هو الشخص الأخير الذي يتصرّف بهذه الطريقة عندما يكون في طريقه للبحث عن مصالح ومكتسبات. المشكلة الحقيقية هي بين نهجَين متناقضَين لا يمكن أن يتفاهما: بين منظومة فاسدة تتحكم بالبلاد والعباد منذ عام 2005 على الأقل، وهي محميّة بالتأكيد بميليشيا مسلحة تتبادل معها الغنائم والامتيازات، وبين “شهابية جديدة” تحاول أن تخترق دفاعات الفساد المنتشر كالسرطان في جسم الدولة، وهي بالتأكيد مدعومة من “الأوادم” في هذا البلد الذين يطمحون الى إعادة بناء الدولة والمؤسسات على صورة الجيش ومثاله. إلا أن هذه المنظومة، على طريقة “المافيا”، لن تستسلم بسهولة. فهي تتقاتل في ما بينها أحيانًا على اقتسام المغانم، ولكنها سرعان ما تتحد تحت عباءة “العراب” عندما تشعر بخطر خارجي يهدّد مصالحها ومواقعها.
وانطلاقًا من ذلك، لن يكون مستبعدًا، بعد اجتماع مرتقَب لزعماء المافيا مع “العراب” يتم فيه الاتفاق على تقاسم الحصص، أن تستقبل الرابية فرنجية خلال الأسابيع المقبلة، حيث يشرب الشامبانيا مع عون وباسيل بصحّة الرئاسة، إذا استطاعوا الى ذلك سبيلًا.