خاص – نصرالله.. ونظرية “البيكيني”

خاص – نصرالله.. ونظرية “البيكيني”

الكاتب: نبيل موسى | المصدر: Beirut24
4 تشرين الثاني 2023

لم تأت إطلالة الأمين العام ل”حزب الله” السيّد حسن نصرالله على قدر توقّعات البعض، في ضوء “البروباغندا” غير المسبوقة محليًا وعربيًا وعالميًا لما كان يمكن أن تحمله من مواقف، مواكبة للتطورات العسكرية سواء في قطاع غزة أو في جنوب لبنان. إلا أن نصرالله أكد المؤكد في كلمته إن لجهة انخراطه الكبير، إذا لم يكن ترؤسه، لمشروع “وحدة الساحات” الإيراني، أو لجهة التزامه “قواعد الاشتباك” المعمول بها منذ حرب تموز 2006 مع اسرائيل.

فقد حملت كلمة الأمين العام، التي استمرت ساعة ونصف الساعة تقريبًا، في الربع الأخير منها، رسائل في اتجاهات عدة:

الرسالة الأولى لإسرائيل وحلفائها الغربيين تؤكد على تفعيل “وحدة الساحات” وإن بشكل مضبوط، اذا حافظت العمليات العسكرية الاسرائيلية على المستوى نفسه، أي بمعنى آخر، اذا لم تقرّر إسرائيل وحلفاؤها فتح جبهات إضافية الى جانب غزة. كما حرص نصرالله على التشديد على تبرئة إيران من دم اليهود في عملية “طوفان الأقصى”، بتأكيده ان حركة “حماس” وحدها هي المسؤولة بالكامل عن العملية تحضيرًا وتخطيطًا وتنفيذًا، مشدّدًا على أن لا أحد غيرها كان يعلم بتوقيت العملية وتفاصيلها.

الرسالة الثانية الى إسرائيل حصرًا، ليؤكد لها أن المعارك اليومية على الحدود الجنوبية لا تعدو كونها إلهاءً للجيش الإسرائيلي لتخيف الضغط “نظريًا” عن حركة “حماس” في غزة. وفي هذا المجال أكد نصرالله بشكل غير مباشر أنه ملتزم ب”قواعد الاشتباك” عندما حذّر إسرائيل من قتل مدنيين لبنانيين قائلًا “المدنيون يقابلهم مدنيون”.

الرسالة الثالثة الى حركة “حماس” نفسها، ليردّ على انتقادات عدد من قادتها ل”الحزب” بسبب عدم انخراطه الفعّال في الحرب، وليثبت في مكان ما أن الحزب يقوم بواجبه، بدليل الحشود الاسرائيلية على الجبهة الشمالية من جهة، والعدد الكبير من الشهداء الذين سقطوا ل “الحزب” في المعارك الحدودية.

الرسالة الرابعة الى مقاتليه وبيئته لشد عصبهم من جهة في ضوء الخسائر الكبيرة نسبيًا للحزب في الأيام الأولى من الحرب، ولطمأنتهم تاليًا إلى أن “الحزب” لن يلجأ الى توسيع نطاق المعارك، مع ما يحمله ذلك من خسائر بشرية ومادية هائلة، إلا في حالة الدفاع عن النفس، أي إذا قررت إسرائيل توسيع نطاق اعتداءاتها على لبنان.

رسائل نصرالله التي تطايرت عبر الشاشات في جميع الاتجاهات كانت “تراجعية” في مجملها، إلا في اتجاه واحد: الداخل اللبناني.

بهذا المعنى، كان ما لم يقله نصرالله أهم بكثير مما قاله، فطبّق فعليًا نظرية “البيكيني” الذي يُبرز المهمّ ليخفي الأهمّ. فقد تحدّث الأمين العام ل “الحزب” في مجمل خطابه عن المقاومة ورفيقاتها من “المقاومات” في دول “محور الممانعة”، كما عن العدو الإسرائيلي وإخفاقاته وجرائمه.. وصولًا الى مواقف الدول العربية والأجنبية. إلا أنه لم يتناول ولو بكلمة واحدة “المعادلة الذهبية: جيش وشعب ومقاومة” التي خاض حروبًا داخلية لإقرارها في البيانات الوزارية للحكومات المتعاقبة على مدى ثلاثة عقود تقريبًا. هذه “المعادلة الذهبية” يبدو أنها أصبحت من الماضي ولم تعد تلبي تطلعات المرحلة، واستُبدِلت بالتالي ب”المقاومة وأخواتها في المحور”، فما عادت تتّسع للشعب والجيش.

ففي حين لم يتطرق نصرالله نهائيًا الى دور الجيش في هذه الحرب أو حتى بعد انتهائها، كان لافتًا أيضًا أن الشعب بكل فئاته لم تتّسع له كلمة الأمين العام ل”الحزب”، وهو يأخذه الى حرب لم يسأله أحد رأيه فيها، اللهم إلا إذا كان يعتقد أن بيئته الحاضنة تشكل الشعب اللبناني كله. كما لم يتطرق الى مستقبل “اليونيفيل” فيما لو استمرت المعارك وارتفعت وتيرتها تدريجًا كما هو حاصل. والأهم الأهم، أنه لم يذكر في كلمته دورًا أو حتى وجودَا للحكومة اللبنانية، سواء لجهة اتخاذ قرار الحرب والسلم بالتنسيق مع الجيش والمقاومة، أو لجهة الحرب الديبلوماسية التي تخوضها دفاعًا عن قرار لم تتخذه وخطأ لم ترتكبه.

وانطلاقً مما تقدّم، وبغض النظر عما قاله أو لم يقله في كلمته، مما لا شك فيه أن الأمين العام ل”حزب الله” السيّد حسن نصرالله قد نجح في إطلالته الأخيرة في تكريس نفسه مرشدًا أعلى للجمهورية اللبنانية، قابضًا على جميع مفاصل الدولة، السياسية والعسكرية والمالية، جاعلًا من الشعب والجيش وحكومة تصريف الأعمال ومجلس النواب، مجرّد أدوات يحرّكها خدمةً للمشروع الإيراني الكبير. فهنيئًا للإمام الخميني في مثواه، لأن مشروع تصدير الثورة قد نجح نجاحًا باهرًا.. حتى الآن.