
خاص – نصرالله للأميركيين: الحل في إيران
في اليوم الثامن على خطابه الأول بعد عملية “طوفان الأقصى”، أطلّ الأمين العام ل”حزب الله” مجدّدًا ليرسم جولة أفق إقليمية للوضع المتدهور في المنطقة، انطلاقًا من غزة وصولًا إلى لبنان. وفي هذا الإطار يمكن اختصار خطاب نصرالله في “يوم الشهيد” بنقطتين أساسيّتين: التأكيد على تفعيل “وحدة الساحات الإيرانية” في مواجهة الولايات المتحدة الأميركية وإسرائيل، وتذكير واشنطن وتل أبيب بدور إيران المركزي على رأس “محور الممانعة”، في محاولة منه ليحفظ لها مقعدها على طاولة المفاوضات العلنيّة أو السرية في ما يتعلّق ب”اليوم التالي” بعد انتهاء حرب غزة.
فبعد جولة أفق موسعة للوضع في المنطقة، بدءًا من دور الحوثيين في اليمن في الحرب من خلال قصف إسرائيل بالصواريخ والمسيّرات، مرورًا بدور الفصائل الإيرانية في العراق في ضرب القواعد الأميركية في العراق وسوريا، وصولًا الى دور “حزب الله” في المواجهة الحدودية مع إسرائيل، فضلًا عن الحرب التي تخوضها “حماس” ضد إسرائيل، خلص نصرالله الى التأكيد، على طريقته، بأن إيران هي “المايسترو” الحقيقي لهذه المواجهات بقوله: “إذا كان هناك من قوة للمقاومة في لبنان وفلسطين ولحركات المقاومة في المنطقة فهي ببركة قيادة إيران التي لم تترك دعماً إلا وقدّمته للمقاومة، لتصمد شعوب المنطقة وذلك على الرغم من كل التهديدات”. وفي محاولة منه لعدم تحميل الجمهورية الإسلامية مسؤولية إشعال الحرب في المنطقة، وبالتالي استدراجها اليها، سارع الى الاستدراك بأنّ “إيران لا تقرر نيابةً عن حركات المقاومة بل ستبقى الحامية والمساندة لها”.
في المحصّلة ماذا يعني كلام نصرالله عن إيران؟
باختصار وبساطة ووضوح، أراد أمين عام “حزب الله” أن يقول للأميركيين والإسرائيليين، ومعهم قادة الدول العربية والإسلامية الذين عقدوا قمة في الرياض بدعوة من المملكة العربية السعودية، أن إيران لا بد أن يكون لها دور أساس في الحل في غزة والمنطقة ككل، حتى تحصل إسرائيل والدول العربية على الاستقرار المنشود. فتأكيد نصرالله أن “إيران لم تترك دعمًا إلا وقدمته لحركات المقاومة في المنطقة”، يعني في ما يعنيه أن هذه المنطقة لن تنعم بالأمن والاستقرار حتى تقبض ايران ثمن ما “أنجزته”، من خلال مشاركتها أولًا بالمفاوضات حول الحلول الكبرى، ومن ثم تأمين حصولها على حصتها من “قالب الحلوى” الذي تعمل القوى الإقليمية، بالاتفاق مع عواصم القرار العالمية، على إعداده.
لكن المفارقة الكبرى تبقى في استمرار إصرار الولايات المتحدة وإسرائيل على عدم تحميل ايران مسؤولية مباشرة عن الانهيار الأمني في المنطقة بعد “طوفان الأقصى”، بما يوحي بأن واشنطن وتل أبيب، ومعهما حلفاؤهما الغربيون، لا يريدون التورّط في حرب مع الجمهورية الإسلامية، قد تتحوّل سريعا الى حرب إقليمية شاملة. وإذا كان الأمر كذلك ثمة سؤال يطرح نفسه: لماذا أتت الولايات المتحدة مع بعض حلفائها بكل هذه الأساطيل وحاملات الطائرات والغواصات الى المنطقة، إضافة الى قواعدها الموجودة أصلًا في عدد من البلدان، إذا كانت غير راغبة بمحاربة إيران؟ الجواب بسيط: إذا أردت السلام فعليك أن تستعدّ للحرب. وبما أن إيران مستعدة بكل طاقتها لأي حرب محتملَة، فعلى الطرف الآخر أن يفعل الشيء نفسه.
وفي تظهير واضح لقوة إيران وموقعها المفترض في المنطقة بعد انقشاع غبار الحرب، حرص نصرالله في خطابه على تبيان مواقع القوة لطهران عبر أذرعها الممتدة على كامل خريطة الشرق الأوسط، بدءًا بالحوثيين في اليمن وانتهاءً ب”حماس” في غزة، مرورًا بالفصائل الإيرانية في العراق وسوريا، وبالطبع ب”حزب الله” في لبنان. وأكد نصرالله مشاركة كل هذه الأذرع في الحرب ضد إسرائيل ردًا على مهاجمتها غزة، كدليل إضافي على “وحدة الساحات الايرانية”، وكنموذج “افتراضي” لما يمكن أن يحصل في حال اتساع رقعة الحرب وتدخّل أطراف جديدة فيها.
في أي حال، يأتي خطاب الأمين العام ل”حزب الله” فيما تتقدّم إسرائيل يوميًا أكثر فأكثر باتجاه تحقيق أهدافها العسكرية في غزة، وبالتزامن مع النقاشات غير المعلنة بين عواصم القرار، ومن بينها واشنطن ولندن وباريس والقاهرة وعمان، مع تل أبيب، حول اليوم التالي لانتهاء الحرب في غزة. وفي هذه النقطة تحديدًا تكمن كلمة السر في خطاب نصرالله الذي حاول أن يبعث برسالة “مشفّرة” للأميركيين تقول: لا يمكنكم أن تستبعدوا إيران أو أن تعزلوها عن الحل الشامل في المنطقة. فعندما يقول “إن إيران لم تترك دعمًا إلا وقدمته لحركات المقاومة”، فهذا يعني أن العقدة في يد طهران، وبالتالي من يملك العقدة يملك الحل، أو ربما بطريقة أخرى، من يصنع الداء يمكنه أن يصنع الدواء.. أللهمّ إلا اذا كان آخر الدواء الكَيّ.