خاص – مصير الودائع: حُسم الأمر!

خاص – مصير الودائع: حُسم الأمر!

الكاتب: ايلين زغيب عيسى | المصدر: Beirut24
19 تشرين الثاني 2023

فيما غطّت المخاوف من اندلاع الحرب على التفكير في الأزمة المالية ومصير الودائع المصرفية، كان المعنيّون يدرسون بهدوء الإخراج المناسب لإقفال ملفّ أكبر سرقة في حق اللبنانيين. ولقد صارت الصورة لدى هؤلاء واضحة، وهي تنتظر الوقت الملائم لإخراجها إلى العلن تباعاً، بعدما تمّ خلال السنوات الأربع الماضية تحضير الرأي العام لتقبّلها.

وأصبح عدد من النقاط شبه متفق عليه في الخطة التي ستوضع لـ “استرداد الودائع” أو بالأحرى لشطبها واقعياً، ولكن بطريقة ملطّفة. وأبرز هذه النقاط هي:

1ـ يمكن للمودع استرداد مبلغ من وديعته حتى سقف 100 ألف دولار. وسيكون التعميم 158 هو النموذج، بحيث سيُسمح شهرياً بسحب مبلغ بالدولار يتم تحديده، حسب قدرة المصارف على الدفع. وهذا الأمر بالطبع سيستغرق سنوات قبل استرداد هذا الجزء من الوديعة. ولكن لم يُعرف كيف سيُحسب مبلغ الـ 100 ألف بالنسبة الى الحسابات المشتركة أو الحسابات التي تخص الشخص عينه في اكثر من مصرف. بكلام أوضح: هل يُسمح بسحب مبلغ الـ 100 ألف من كل حساب على حدة، او تُجمع كل الحسابات التي تخص مودعاً ما وتُعتبر كأنها حساب واحد؟

هنا تجدر الإشارة ايضاً إلى أن الوديعة ستُحتسب على الأرجح كما كانت حتى تاريخ 31/10/2019. ومعلوم أن غالبية المودعين سحبوا أجزاء من ودائعهم على سعر دولار منخفض قياسا بسعر السوق، أي أنهم سحبوا مبالغ بالدولار بخسائر كبيرة طوال السنوات الأربع الماضية. فهل ستُعتبر المبالغ المسحوبة من ضمن الـ 100 ألف دولار؟

2 ـ مصير ما تبقى من ودائع سيكون رهن “صندوق استرداد الودائع” الذي سيتم انشاؤه. أمّا تمويل هذا الصندوق فسيكون من مصادرغير مضمونة وأشبه بالمراهنة على السراب، مثل اقتطاع أرباح من ايرادات الدولة، اعادة رسملة مصرف لبنان، أرباح المصارف بعد اعادة هيكلتها وضريبة أرباح المقترضين.

وفور إنشاء الصندوق، ستتحول الودائع إلى أسهم، وستوضع في التداول في البورصة. ولتحصيل أموالك، سيكون عليك بيع أسهمك. وهنا، لا يمكن التكهن بمدى سهولة البيع وحجم الطلب على هذه الاسهم، وخصوصاً على أي سعر ستتم عملية البيع. اذ إن سعر السهم سيكون مرتبطاً بحجم تغذية الصندوق بالموارد وطريقة ادارته، والأهم بشفافية العمل في البورصة. وهنا حدّث ولا حرج. كما سيكون بالطبع مرتبطاً بالمضاربات التي ستحصل، حيث سيجني “المحظوظون” أرباحاً على حساب أموال المودع التي جناها وجمعها طوال عمره. وعملياً، سيكون المودع أمام خيارين: إمّا البيع بخسارة أو انتظار “سمك في البحر”.

3 ـ في ضوء هذا الحلّ لمسألة الودائع، يكون كل من الدولة والمصارف ومصرف لبنان قد خرج من العملية من دون أي مساءلة او محاسبة، وحتى من دون عناء إجراء عملية تقاسم للمسؤوليات عن تبديد أكثر من 73 مليار دولار، وهو ما يعرف بالفجوة المالية، أي الخسائر عملياً. ويكون المودع استعاد جزءاً بسيطاً فقط من وديعته وتحمّل وحده كل التبعات والمسؤوليات.

وإذا أجرينا جردة لما حصل في السنوات الأربع من عمر الأزمة، نلاحظ أن بنوداً عديدة مطلوبة للتعافي قد تحقّقت. فسياسة رفع الدعم تمّت، وتعرفة الكهرباء “تدولرت”، ورُفعت كل الرسوم المتوجبة للدولة، من ماء واتصالات ورسوم عقارية ورسوم السير وما إلى ذلك. ولم يتبقّ تقريباً سوى مسألة الودائع. وإذا ما نُفذت خطة صندوق استرداد الودائع، يمكن عندها البدء من جديد، وكأن شيئاً لم يكن.

ويقول خبراء مصرفيون واقتصاديون إنّ صندوق النقد الدولي قد يقبل بهذه الصيغة، على أساس أنها تكون قد شطبت الديون المترتبة على المصارف، وتالياً على مصرف لبنان والدولة، وهي لا تحمّل الدولة اللبنانية أي أعباء مستقبلية تُذكر.

وستكون النتيجة:

– إعادة إحياء القطاع المصرفي على أطلال أموال المودعين. فالمصارف تخلّصت حتى الآن، بفضل سياسة الهيركات المقنّعة، من جزء كبير من الودائع. كما حققت أرباحاً معينة بفضل سياسة الأسعار المتعددة للدولار، ولن تضطر إلى المسّ بأصولها.

– القطاع العام سيبقى على حاله من الترهل من دون أي اصلاح حقيقي. وسيجري تدريجا رفع معاشات الموظفين لتتناسب مع الوضع الجديد.

عندما تنتهي حرب غزّة، ويعود التركيز على الوضع الداخلي، ستتظهر الحلول المالية التي يُعمل عليها الآن بصمت…. وسيقبل الجميع بسياسة: عفا الله عمّا مضى.