خاص – لودريان العائد: إياكم والمغامرة!

خاص – لودريان العائد: إياكم والمغامرة!

الكاتب: ايلين زغيب عيسى | المصدر: Beirut24
24 تشرين الثاني 2023

يعرف الموفد الفرنسي جان إيف لودريان قبل سواه أن فتح ملف الاستحقاق الرئاسي اليوم في لبنان ليس وارداً. فهو لم يتوصّل إلى أيّ نتيجة في كل زياراته السابقة لبيروت، فكم بالحريّ اليوم، فيما الحرب مشتعلة في غزة وتهدّد لبنان بتفجير واسع؟

الهدف الأول من زيارة لودريان التي أعلن عنها لبيروت قريباً هو القيام بالدور المطلوب من فرنسا حالياً كعضو في حلف شمال الأطلسي من خلال ممارسة ضغوط على الجانب اللبناني لمنع أيّ توسيع لرقعة التصعيد الحاصل على الحدود في الجنوب. فالموفد الأميركي آموس هوكشتاين زار اسرائيل للمرة الثانية للتشديد على أهمية عدم الانزلاق إلى حرب واسعة في لبنان، فيما فرنسا تحاول بالتزامن القيام بدور مماثل مع الجانب اللبناني. وقد زاد ارتفاع وتيرة العمليات ونوعيتها ومداها في الأيام الماضية من مخاطر تفجر الحرب على جبهة لبنان.

صاحبُ مقولة “لبنان يغرق كالتايتانيك” ومطلق ُالتحذير من “زوال لبنان”، يقول اليوم إنه “ليس مطمئناً للوضع”. وأعرب لودريان، في حديث الى “فرانس إنفو”، عن قلقه من أن “الحرب تطرق الأبواب ولا يوجد رئيس للجمهورية”، داعياً إلى “التخلي عن عقلية المنافسة وانتخاب رئيس للبلاد”. فلفرنسا، كما للولايات المتحدة، مصلحة في عدم اتساع رقعة التصعيد وعدم اندلاع حرب إقليمية، خوفاً على مصالحهما في الدرجة الأولى، وللتفرغ للحرب في أوكرانيا في الدرجة الثانية، حيث من الممكن أن يستغل الروس انشغال واشنطن بالشرق الأوسط لتحقيق تقدم والسيطرة على مزيد من الأرضي. كما أن تفجر الحرب على نطاق واسع سيعني أن لبنان المنهار حتى العظم لن يبقى فيه حجر على حجر، ولن يعود إلى ما كان عليه، وربما تحدث فيه متغيرات وتُخلط الأوراق في اتجاهات غير معروفة.

صار لبنان بالنسبة إلى فرنسا المكان شبه الوحيد في المنطقة الذي يحافظ على علاقات طيبة مع الدولة المستعمِرة السابقة، خصوصاً بعد تراجع النفوذ الفرنسي في غرب أفريقيا وفي شمالها. وآخر التجليات كان بدء القوات الفرنسية الشهر الماضي انسحابها من النيجر إثر الانقلاب العسكري. وسبق ذلك العام الماضي انسحاب آخر القوات الفرنسية من جمهورية أفريقيا الوسطى بعد الانسحاب من مالي أيضاً. ومن هنا، فإن لبنان يشكل موطئ قدم للنفوذ الفرنسي في منطقة الشرق الأوسط، وهي تتمسك به في شدة. ولذا كان سعيها المتواصل في الأشهر الماضية من أجل التوصل إلى حل لمسألة الانتخابات الرئاسية، ولكن من دون طائل.

كما لفرنسا مصالح اقتصادية هائلة في لبنان، وأهمها على سبيل المثال وجود شركة “توتال انرجيز” من ضمن الكونسورتيوم للتنقيب عن الغاز في البحر، إضافة إلى أن شركة النقل العملاقة CMA CGM لصاحبها الحالي رودولف سعادة المقرب جدا من الرئيس ايمانويل ماكرون فازت بتلزيم إدارة وتشغيل محطة الحاويات في مرفأ بيروت، وهي بالتالي تسيطر في شكل كبير على حركة الاستيراد والتصدير.

وسياسياً، لدى فرنسا اتصالات مع “حزب الله”، سمحت لها بالتفاوض في ملف الانتخابات الرئاسية. حتى أنها أيّدت وصول رئيس تيار المردة سليمان فرنجية، حليف سوريا ومرشح الحزب، الى سدة الرئاسة، وعملت على ترويج اسمه، ما أثار حفيظة المسيحيين، قبل أن يعود لودريان إلى طرح الخيار الثالث بين فرنجية والمرشح جهاد أزعور. ومع اندلاع الحرب في غزة، اتخذ الرئيس الفرنسي موقفاً منحازاً الى إسرائيل، حتى أنه دعا خلال زيارة لتل أبيب إلى توسيع نطاق التحالف الدولي الذي يحارب “داعش” لينضم إلى الجيش الاسرائيلي في غزة، مؤكدا ضرورة قتال حركة “حماس” بلا رحمة. وهذا ما أغاظ الحزب بطبيعة الحال. وتهدف زيارة لودريان في أحد جوانبها إلى محاولة التخفيف من أثر هذا الموقف في العلاقات مع الأطراف اللبنانيين، خصوصاً أن الشارع في الغرب عاد للتعاطف مع الفلسطينيين بعد المجازر التي وقعت في حقهم. وحضّ ماكرون بالذات  اسرائيل على وقف القصف الذي يقتل المدنيين في القطاع. واعتبر أنه “لا يوجد أيّ مبرّر ولا أي شرعية لذلك”.

أمّا بالنسبة إلى المأزق الرئاسي في لبنان، فسيذكّر الموفد الفرنسي خلال زيارته المقبلة بوجوب انتخاب رئيس للبلاد، من أجل تجنيب لبنان المزيد من المخاطر في ظل احتمال اندلاع الحرب. ولكنه يعرف جيداً أن فتح هذا الملف ليس في وقته الآن. إنما، عندما تنتهي الحرب في غزّة، فإن توازنات كثيرة ستتبدّل. وربما ستسمح المعطيات المستجدة حينها بإتمام الاستحقاق الرئاسي. وتقوم باريس بحفظ موقعها ودورها في هذا الملف إلى أن يحين الوقت. فعلى رغم أن باريس شنّت الحملات الكبيرة على الفساد ودعت إلى الاصلاح من أجل تقديم المساعدات، وجدت نفسها في النهاية تغضّ الطرف عن الاصلاح المطلوب، وتحاور الطبقة الحاكمة والفاسدة في الملف الرئاسي، لأنها في النهاية تريد أن تحفظ لنفسها موطئ قدم في المنطقة بأي ثمن.