
خاص- أيّ سيناريو في لبنان بعد حرب غزّة؟
يسود غموض كبير حول ما سيكون عليه الوضع في لبنان بعد انتهاء حرب غزّة، وما إذا كانت المخارج التي ستتقرّر لمصير القطاع ستنسحب في شكل ما على المنطقة الحدودية اللبنانية. ويكثر تداول السيناريوات لليوم التالي، هذا في حال لم تتفجر حرب واسعة في لبنان تطيح كل التصورات.
ولكن، إذا افترضنا أن حرب غزّة ستنتهي بعد أسابيع أو أشهر أو الآن، فإنّ ترتيبات أمنية وسياسية جديدة ستُتخذ في القطاع، وربما في ملف القضية الفلسطينية ككلّ. فبعدما فشلت اسرائيل في ترحيل الفلسطينيين إلى مصر والأردن بسبب الرفض القاطع الذي أبداه هذان البلدان، فإن أيّ مخرج سيُتفق عليه سيتضّمن بالتأكيد تدابير أمنية حول القطاع وفيه. ويُطرح هنا نشر قوات عربية أو دولية، أو عودة السلطة الفلسطينية إلى لعب دور أمني في غزّة كما هو الوضع في الضفة. وستطلب اسرائيل أن يكون القطاع منطقة منزوعة السلاح، وربما تعمل على ترحيل قيادات حركة “حماس”، كما رحّلت قيادات منظمة التحرير الفلسطينية من لبنان بعد اجتياح 1982.
أمّا على صعيد الحل السياسي، فقد تجري مفاوضات على غرار أوسلو أو مدريد. ولكن لا يعوّل عليها كثيراً، طالما أن اسرائيل ترفض حلّ الدولتين. ولكن، في كل الأحوال، عندما تنتهي الحرب، لن يكون بنيامين نتنياهو في السلطة، كما تؤكد استطلاعات الرأي والتقارير الاعلامية الاسرائيلية والغربية.
بعد كل ذلك، ستكون العين على الجبهة اللبنانية. وستعمل اسرائيل ما في وسعها لضمان عدم تكرار ما يشبه عملية “طوفان الأقصى” من الجانب اللبناني. وهنا تُطرح احتمالات عدّة.
– تصدر مطالبات دولية وعربية بالعودة إلى تطبيق القرار 1701 الذي صدر إثر حرب تموز 2006، كضامن للتهدئة على الحدود، والتي استمرت ثابتة تقريباً منذ 17 عاماً حتى 8 تشرين الأول الماضي. وفي هذا الإطار سيطالب لبنان باحترام اسرائيل لهذا القرار وعدم خرقه. كما سيطالب بالانسحاب من مزارع شبعا وتلال كفرشوبا. أما اسرائيل فستدعو الأمم المتحدة إلى العمل على تعديل هذا القرار، بما يقدّم ضمانات فعلية بعدم خرقه من جانب “حزب الله”، لجهة انسحاب عناصر الحزب من منطقة جنوب الليطاني وجعلها خالية من السلاح. وربما تتم المطالبة بتعزيز صلاحيات القوات الدولية.
– تقدّم الولايات المتحدة ضمانات لتطبيق القرار الدولي من جانب كل من اسرائيل و”حزب الله”. وقد يساهم في القيام بهذا الدور الموفد الأميركي آموس هوكشتاين، الذي كان الوسيط في عملية الترسيم البحري الأخيرة، وكان يمهد للبحث في امكان إجراء ترسيم برّي قبل اندلاع الحرب في غزّة.
– إذا لم يتم التوافق على الضمانات عبر الطرق الدبلوماسية، فستكون لغة الحرب هي البديل. وقد تقدم اسرائيل على توجيه ضربات لمراكز تابعة للحزب أو لمخازن أسلحة مفترضة أو تواصل ما تفعله عبر شنّ غارات على شاحنات نقل الاسلحة عبر سوريا. وسيردّ الحزب بقصف مناطق حدودية أو اكثر عمقاً. ولكن هذا الوضع لن يقف عند هذا الحدّ، وسيكون معرّضاً في شكل كبير لأن يتفجر حرباً واسعة في أي لحظة.
وعندما تنتهي الحرب، سيعود “حزب الله” إلى الملف اللبناني الداخلي. وهنا أيضا تكثر التكهنات في ما يتعلق بما سيفعله الحزب. هل يُعتبر “منتصراً” ويريد أن يثمّر هذا “الانتصار” عبر مزيد من السيطرة على مكونات السلطة والمؤسسات، فيتشدّد مثلاً في الملف الرئاسي، ويصرّ على مرشحه سليمان فرنجية؟ أم على العكس من ذلك، ربما يليّن مواقفه منعاً لإغضاب شرائح لبنانية، وعلى رأسها الطرف المسيحي الحليف، خصوصاً أن هذا الحليف شعر هذه المرّة بأنّ سلاح الحزب يشرّع لبنان بكامله على مخاطر الحرب والتدمير.
وثمّة من يلوّح في المقلب المعارض للحزب بطرح ملف السلاح من جديد على الطاولة، بحيث يعود البحث في الاستراتيجية الدفاعية، بما يجعل قرار السلم والحرب في يد الدولة اللبنانية دون سواها. وهذا الملف يهدد بإثارة اشكالات داخلية، إذ لن يقبل الحزب ولا ايران بالمس بموضوع السلاح.
في العام 2006 سخّر الحزب “انتصاره” في وضع يده أكثر فأكثر على مفاصل السلطة، ونفّذ7 ايار في العام 2008 لمنع قرارين صدرا عن مجلس الوزراء بمصادرة شبكة الاتصالات التابعة له وإقالة قائد جهاز أمن المطار. أمّا اليوم، فمن الصعوبة إجراء مقارنة مع ما حصل آنذاك وتوقع تكراره من عدمه. فهناك متغيرات كثيرة ستحصل بعد من الآن وحتى انتهاء حرب غزة. وعندها فقط يمكن قياس موازين القوى.