
خاص- الحلول تنتظر ديمقراطية ملك الغاب
بعض اللبنانيين البسطاء الذين يشبهون الغريق الذي يتعلّق بقشة علها تنقذه من الموت، يعقدون الآمال على زيارة المبعوث الرئاسي الفرنسي جان إيف لو دريان المرتقبة هذا الأسبوع الى بيروت، علّها تحرّك الجمود القاتل في ملف انتخابات رئيس الجمهورية. إلا أن البعض الآخر، الأكثر حنكة، ينتظر نتائج الحرب في غزة، واستطرادًا في جنوب لبنان، حتى يتحرّك ملف الرئاسة تلقائيا بعدها كتحصيل حاصل لصرف مفاعيل هذه الحرب داخليًا. في الحالين يبدو أن الإنتظار سيبقى وحده سيّد الموقف، لأن لو دريان لا يملك طروحات جديدة يعرضها على الأطراف اللبنانية من جهة، ولأن الحرب الإسرائيلية على غزة غير محدّدة في الزمان، على ما أكده المسؤولون الإسرائيليون في بداياتها، وهو ما تؤكده ايضًا العمليات العسكرية على الأرض من جهة ثانية.
وبما أن الحال على هذا المنوال، وبما أن عقارب الساعة مستمرة في الدوران وصولًا الى يوم العاشر من كانون الثاني المقبل، موعد إحالة قائد الجيش العماد جوزيف عون الى التقاعد، إنتفض هذا الملف ليحلّ في مقدّمة اهتمامات الطبقة السياسية في لبنان، حكومة ومعارضة وما بينهما، لما يشكله من تأثير مباشر على الوضع الداخلي، فيما لو دقّت الساعة والحلول لم تأتِ بعد.
وبالرغم من الاهتمام الكبير بالملف على مختلف الأصعدة والمستويات داخليًا وخارجيًا، يبدو وكأن الجميع ما زالوا يفضّلون اللعب على الوقت، فيما تشكل هذه اللعبة الوضع الأنسب لرئيس “التيار الوطني الحر” النائب جبران باسيل الذي بات يعزف وحيدًا تقريبًا سيمفونية رفض التمديد لعون، فيما يبدو أن “الثنائي الشيعي” يوافق ضمنًا على التمديد لكنه يحتفظ لنفسه بتحديد توقيت الإعلان عن موقفه، أملًا بصفقة ما مع باسيل تحوّل الأخير إلى صفوف المؤيدين أو أقله غير المعترضين على التمديد.
في الانتظار، تبقى الكلمة الفصل للأميركيين الذين يمسكون بملف الجيش من البندقية في يد الجندي الى المائة دولار الإضافية التي يتقاضاها علاوة على مرتبه المتواضع كل شهر. وما ينطبق على “حزب الله” الذي يقول أمينه العام إن مأكله ومشربه وسلاحه وصواريخه وتمويله من الجمهورية الإسلامية في إيران، وهو بالتالي يخوض حروبه في لبنان وخارجه انطلاقًا من الاستراتيجية الإيرانية الكبرى، ينطبق بالتأكيد على الجيش الذي يعلم الجميع أن تغذيته وسلاحه ومعداته وقسمًا من رواتبه تأتي من الولايات المتحدة والدول الحليفة لها، وأنه لولا هذا الدعم لما كان الجيش قد تمكن من الصمود بعد انهيار المؤسسات الذي تسببت به الطبقة الحاكمة خلال السنوات الماضية.
إنطلاقًا من ذلك، يبدو أن واشنطن التي أوحت مرارًا برغبتها في بقاء العماد عون على رأس المؤسسة العسكرية، تنتظر اللحظة المناسبة لقول كلمتها الأخيرة بشكل علني وقاطع في الملف، إذا لم يبادر المعنيّون إلى التصرّف وفق إيحاءاتها قبل ذلك الوقت.
في هذا الإطار ثمة من يتساءل: هل على السياسيين اللبنانيين أن يلبّوا رغبات واشنطن أو يمتثلوا لأوامرها؟
للإجابة عن هذا السؤال لا بد من الاستعانة بقصة طريفة، ولكن معبّرة، من كتاب “كليلة ودمنة”، وهي بالتأكيد تنطبق على الواقع اللبناني الحالي، سواء في ملف قيادة الجيش أو الانتخابات الرئاسية: يُحكى عن أسد مخضرم كان بمثابة ملك الغاب لسنوات طويلة، يأمر وينهى فتكون جميع رغباته مجابة. في يوم من الأيام أراد هذا الأسد أن يكون “ديمقراطيًا” فيستمع الى آراء المجموعة وينفذ رغبات الأكثرية بينها. اصطاد هذا الأسد غزالًا سمينًا ودعا أتباعه الى اجتماع ليأخذ مشورتهم في تقاسم الطريدة. في البداية سأل الأسد الحمار: يا حمار كيف ترى أن أوزع الطريدة؟ سُرّ الحمار بديمقراطية الأسد المستجدّة وراح يوزّع بعدل بين الجميع: الرأس للرأس والصدر للذئب والفخذ للضبع… وقبل أن ينهي الحمار كلامه ما كان من الأسد إلا أن لكمه لكمة واحدة فعلّقه على غصن الشجرة. هنا جاء دور الثعلب. سأله الأسد: كيف نوزّع الطريدة يا ثعلب؟ أجابه: الرأس لملك الغاب، والصدر لسيّد الغاب، والفخذين لأسدنا الغضنفَر، والرجلين والذنب وما تبقى أيضًا لأسد الغاب. سُرّ الأسد بما قاله الثعلب وسأله: يا ثعلب، من علّمك هذا الذوق؟ فأجابه الثعلب، وهو يومئ للحمار على الشجرة: هذا المعلّق فوق.
في إسقاط لهذه القصة الملائمة للواقع الحالي في لبنان، هكذا ستكون ديمقراطية واشنطن متى أتت الساعة، وقبضة ملك الغاب هي بالتاكيد ملفات العقوبات التي تنتظر أوانها في أدراج وزارة الخزانة الأميركية. وإذا أراد أحد السياسيين أن يحذو حذو الحمار (في القصة طبعًا) فما عليه إلا أن يصدّق ديمقراطية ملك الغاب ويدلي برأيه ويتمسّك به، فيكون مصيره في النهاية على غصن الشجرة الى جانب الحمار.