خاص- هل يفعلها فرنجية؟

خاص- هل يفعلها فرنجية؟

الكاتب: نبيل موسى
5 كانون الأول 2023

انهمكت الأوساط السياسية والإعلامية على مدى أيام، ولا تزال، بمتابعة نتائج مهمة الموفد الرئاسي الفرنسي جان إيف لودريان في بيروت، علّها تجد جديدًا ينعكس إيجابًا على الأزمة الأم في البلاد، الانتخابات الرئاسية “المعتقلة” والتي تنتظر فارسًا على حصان أبيض يخرجها من سجنها ويعيدها إلى مجلس النواب. أمل اللبنانيون مجددًا بأن يكون لودريان هذا الفارس، لكنهم سرعان ما اكتشفوا أن الأزمة ليست داخلية كما يحلو للبعض أن يعتقد ويقول، بل في مكان آخر خارج الحدود، بدليل تجاوب جميع الأطراف تقريبًا مع طرح “الخيار الثالث” رئاسيًا، إلا واحدًا. فقد أصرّ “الثنائي الشيعي” على التمسك برئيس “تيار المردة” سليمان فرنجية مرشحًا وحيدًا للانتخابات الرئاسية، مع الإصرار طبعًا على إبقاء باب مجلس النواب مغلقًا لحين ضمان وصول مرشحه الى بعبدا.

ولا بد من التذكير بان لودريان عرّج على المملكة العربية السعودية قبل وصوله الى بيروت، حيث التقى المستشار في رئاسة مجلس الوزراء السعودي المسؤول عن الملف اللبناني، نزار العلولا، ما يوحي برغبة فرنسية بتفعيل عمل اللجنة الخماسية حول لبنان، في ظل ما تراه باريس من أخطار محدقة به سواء لجهة الانغماس في حرب مدمّرة مع إسرائيل، أو لجهة الترتيبات الحدودية التي قد تُفرض على لبنان بعد انتهاء الحرب في غزة.

قطر أيضًا، المهتمة جدًا بالوضع اللبناني، قامت بدورها بمسعى إضافي قبيل وصول لودريان الى بيروت، حيث زار الموفد القطري الخاص جاسم بن فهد آل ثاني (ابو فهد) بشكل شبه سري لبنان وبقيت تفاصيلها بعيدة من الإعلام. إلا أن ما رشح من معلومات حول الزيارة يقول إن الموفد القطري خصّص زيارته ل”الثنائي” حيث اقتصرت لقاءاته على رئيس مجلس النواب نبيه بري والمعاون السياسي للأمين العام ل”حزب الله” السيد حسن نصرالله الحاج حسين خليل، ما يؤكد مجددًا أن العقدة الرئاسية في مكان واحد. وأضافت المعلومات أن “أبو فهد” لم يحمل اي جديد، بل أنه ركز على حث من التقاهم على ضرورة الإسراع في إجراء الانتخابات الرئاسية، وعدم انتظار نتائج حرب غزة وانعكاساتها على المنطقة ولبنان.

إلا أن هذا الاهتمام العربي والدولي بلبنان، على أهميته، لا يمكن أن يفضي الى انتخابات رئاسية قبل رفع “الفيتو” الإيراني عن الملف، وهو ما لم يحصل الى الآن بدليل استمرار تمسّك “الثنائي” بفرنجية، ولن يحصل بالتأكيد قبل انقشاع غبار الحرب في غزة لما لها من تأثير على المنطقة، بحيث بات لبنان ملزمًا بانتظار نتائج هذه الحرب ليُبنى على الشيء مقتضاه، وبالتالي فلا أمل بفتح الطريق الى بعبدا قبل ذلك الحين.

في مقابل هذه الصورة القاتمة، ثمة حل واحد مضمون النتائج للعقدة الرئاسية، وهو كفيل بإعادة لبننة الإستحقاق بنسبة كبيرة. إنه حل صعب التحقق ولكنه ليس بمستحيل إذا طغت في لحظة معيّنة فروسية وشهامة ووطنية سليمان فرنجية التي لا يختلف عليها اثنان، على المصالح السياسية والشخصية الضيّقة. ماذا لو قرّر فرنجية الانسحاب من السباق الرئاسي، شاكرًا ثقة الذين رشحوه ودعموه حتى حصوله على 51 صوتًا في الجلسة البرلمانية الأخيرة؟ قرار واحد من رجل واحد بامكانه خلط الأوراق الرئاسية مجددا، أو ربما قلب الطاولة على الجميع وحل الأزمة الرئاسية دفعة واحدة. ماذا لو أصدر فرنجية بيانًا من سطور قليلة يقول: أنا سليمان طوني فرنجية، حفيد الرئيس سليمان فرنجية، ابن زغرتا البار، الماروني الأصيل المؤتمن على إرث البطاركة الكبار وقديسي وادي قنوبين، ابن البيت الوطني العريق، العروبي العنيد، الحريص على مستقبل الجمهورية وأبنائها وغد أجيالها، وشعورًا مني بعمق الأزمة الوجودية التي تحدق بالبلاد انطلاقًا من الفراغ في الرئاسة الأولى وانعكاسه على باقي مؤسسات الدولة، وإفساحًا مني في المجال أمام أي حل سياسي ممكن، اعلن سحب ترشيحي من الانتخابات الرئاسية شاكرًا كل الدعم الذي حظيت به من “حركة أمل” و”حزب الله” وجميع النواب الكرام الذين منحوني ثقتهم.

هذه الأسطر القليلة ستصيب بالتأكيد جميع اللبنانيين بالصدمة الإيجابية، وستحوّل فرنجية من رئيس جمهورية محتمل الى زعيم وطني تاريخي يُقتضى به أمام كل أزمة مستقبلية قد تحدق بالبلاد. ربما لن تحل هذه الخطوة غير مستحيلة التحقيق الأزمة إذا أصر المعرقلون على العرقلة، لكنها بالتاكيد ستفضح نواياهم ومآربهم أمام الداخل والخارج، وتعطي الوطنيين اللبنانيين زخمًا لمطالبتهم في المحافل العربية والدولية برفع الوصاية الخارجية الجديدة عن لبنان. هل يفعلها “بيك زغرتا”، أو ربما هل هو قادر على فعلها؟ بالتأكيد كلا، لأنه أولًا ركن أساسي من أركان “الممانعة” ومشروعها في لبنان والمنطقة، وثانيًا لأن قرار سحب الترشيح يكون عادة بيد من قدّمه، وفي هذه الحالة الرئيس بري والسيد نصرالله.