
في قمة المناخ، جولة جديدة خاسرة للتنمية أمام النمو تتسبب بها القوى العظمى! فهل يمكن الاستغناء عن الطاقات الأحفورية؟
ما يزال بلوغ السقوف العالية للحد من ظاهرة المناخ بعيد المنال! وذلك، للأسباب نفسها! أي بالسؤال: من يخفض انبعاثاته أولاً؟ ومن يتحمل ويدفع “الخسائر والأضرار”؟ ومن يقوم بتمويل صندوق دعم الدول النامية المقرر في اتفاق باريس ب 100 مليار دولار في السنة؟ وهو ما لم يتحقق بعد، على الرغم من مساهمات كبيرة لبعض الدول. وهل تصل الاستثمارات المنتظرة في الطاقات المتجددة الى 3.500 مليار دولار سنوياً حتى العام 2050؟ أو حتى الى 2.400 مليار دولار سنوياً حتى العام 2030 على الأقل؟! والجواب المالي: على الأرجح لا! فلا بعد كيوتو 1997، ولا بعد التزامات كوبنهاغن 2009 ولا بعد اتفاق باريس 2015 تمّ احترام الالتزامات بالتمويل! وما تزال المعارك هي نفسها في الكوب 28 في دبي!
التخلي المستحيل حالياً عن الطاقات الأحفورية!
في الواقع، لا يستطيع العالم التخلي بشكل “مباغت” وكلي عن الطاقة الأحفورية، كما يعتقد البعض! فالأمر غير واقعي!فالعالم يحتاج حالياً للطاقة الأحفورية. ولكنه يستطيع العمل على تخفيض متدرج بالاعتماد عليها، في مقابل مضاعفة تدريجية لقدرات الطاقات المتجددة مرات عدة وبسرعة، أو ثلاث مرات، كما تقترح رئاسة الكوب 28 في الامارات! وإلا فإن العالم سيتوقف والاقتصادات ستُضرب والغلاء سيستفحل! وبالتالي، التخلي عن الطاقات الأحفورية يجب أن يكون تدريجياً، وبهدوء وبعكس تصاعد الطاقات المتجددة حتى يقترب من أدنى مستوياته في العام 2050 و تتربع عندها الطاقات المتجددة وحيدة على عرش الاستهلاك الطاقوي!
وحتى بين الطاقات الأحفورية، فقد كانت المشكلة العالمية، والأوروبية تحديداً، في محاولة عدم الاعتماد على الغاز الروسي بعد الحرب الروسية الأوكرانية هي أكبر المشاكل التي واجهت وتواجه الاقتصادات الغربية. فالغاز هو الأقل تلويثاً بين الطاقات الأحفورية. في حين أن دولاً “بيئية” مثل ألمانيا، وجدت نفسها في حضن الفحم الحجري من جديد. وهو الأكثر تلويثاً بين الطاقات الأحفورية.
ولكن المشكلة الكبرى تبقى في المواقف والالتزامات للدول الكبرى! الصين والهند، على سبيل المثال، دولتان عملاقتان تتواجدان في صدارة التلويث العالمي (الصين هي الأولى أمام الولايات المتحدة. وقد تجاوزتها في العام 2006). والهند أصبحت في المركز الثالث عالمياً. وتكمن المشكلة معهما وهما تتقدمان لصدارة الاقتصاد العالمي أنهما تعتبران أنفسهما من بين “الدول النامية”! وبالتالي يجب أن يُدفع لهما من صندوق “الخسائر والأضرار” بدلاً من أن يساهما بتمويله! وبالإضافة الى ذلك، فهما قد رفضتا الالتزام حالياً بمضاعفة انتاج الطاقات المتجددة ثلاث مرات ، كما اقترحت عليهما رئاسة كوب 28 الاماراتية!
في السياسة المناخية، كان يمكن أن تضمن مشاركة الرؤساء الثلاثة للدول الكبرى، أي الولايات المتحدة وروسيا والصين النجاح السياسي للقمم المناخية. ولكن غيابهم يعطل من دون شك إمكانية اتخاذ القرارات والالتزامات الكبرى!
إن معركة الحياد الكربوني مستمرة. والجهود المبذولة من رئاسة كوب 28 في دبي باتجاه تعزيز انتاج الطاقات المتجددة جيد جداً. باعتبار أنه يسهم بالتخلي شيئاً فشيئاً عن الاعتماد على الطاقات الأحفورية. ولا شك أن دخول القطاع الخاص على خط السياسات المناخية في الكوب 28 هو أمر جيد جداً أيضاً! خاصة إذا ما اقتنع القطاع الخاص، كما فعلت الشركات النفطية العالمية في كوب دبي، بتسهيل عمل الحكومات في الاقتصادات الكبرى لكبح جماح النمو والافساح المجال ل “نمو” التنمية المستدامة!
إن معركة مواجهة ظاهرة التغيير المناخي صعبة جداً. وهي ما تزال في بداياتها. وفي الواقع، فإنها لا تبشر بالخير!