خاص- توازن الردع جنوباً يمنع الحرب

خاص- توازن الردع جنوباً يمنع الحرب

الكاتب: ايلين زغيب عيسى | المصدر: beirut24
7 شباط 2024

بين غزّة ولبنان صورة معقّدة ومشوّشة من خيارات الحرب والحلول الدبلوماسية. الكلّ يهدّد بالحرب ويعلن الاستعداد لخوضها، والكلّ في الوقت عينه يخوض مفاوضات مباشرة أو غير مباشرة، علنيّة أو سريّة، بهدف التوصّل إلى تسويات سياسية.
سوّت القوات الإسرائيلية أغلب المباني في شمال غزّة بالأرض. وهي تشنّ الآن ضربات عنيفة على خان يونس، معقل “حماس” وقادتها. وفي جنوب القطاع حشرت ما يقرب من مليوني فلسطيني يعانون من نقص الغذاء والدواء والمأوى. ولكن إسرائيل لم تتمكن على رغم ذلك من القضاء على “حماس” واستعادة الرهائن. وهي على الأرجح لن تتمكّن من تحقيق أهدافها هذه، حتى لو استمرّت الحرب أشهراً بعد. لذا، صار لا بدّ من تهدئة ما تسمح بتحرير الأسرى، وربما بإقامة شريط أمني يحمي السكان في غلاف غزة من الهجمات. ولا يهمّ تل أبيب التوصل إلى أي حلّ نهائي للملف الفلسطيني، لأنها تعمل لتفكيك هذه القضية وتذويبها على المدى البعيد، ولا تريد أن تعترف بحق الفلسطينيين في إقامة دولة.
ولكن التوازن العسكري الذي وصل إليه الوضع في غزّة الآن يسمح للحركة بأن ترفض هدنة موقتة، وتطالب بوقف للنار، كما بالانسحاب الإسرائيلي وبوعود جدّية بإعادة الإعمار، قبل البحث في إطلاق الأسرى، وهي الورقة الأهم التي تملكها في الوقت الحالي.
وما بين أهداف إسرائيل والضمانات التي تطلبها “حماس”، يصعب التوصل إلى مخرج. فهدف تل أبيب آنيّ يتعلق بالرهائن، بينما تعمل الحركة لتسخير ملف الأسرى في خدمة الحلّ السياسي ووقف الحرب. وطالما ليس هناك “منتصر” في هذه المعركة، لا يمكن لأي طرف فرض شروطه. وقد يؤدي هذا إلى استمرار حرب الاستنزاف والحصار لوقت أطول.
أمّا على الجبهة اللبنانية، فهناك أيضاً توازن ردع يحكم اللعبة العسكرية. فإسرائيل تريد الوصول إلى وضع يسمح بعودة سكان المناطق الشمالية إلى منازلهم. وهذا لا يتم إلّا من خلال ضمانات أمنية من الجانب اللبناني. ولكن “حزب الله” يربط البحث في أي حلول بوقف الحرب في غزّة أوّلاً. وبما أنّ بنيامين نتنياهو يتوقع أن تطول الحرب لستة أشهر على الأقل، فليس ما يجبر الحزب على اتخاذ أي خطوة لطمأنة السكان. وعليه يواصل القادة الإسرائيليون السياسيون والعسكريون تهديداتهم بشنّ حرب على لبنان إذا لم يتم التوصل إلى حل عن طريق الدبلوماسية. ولكن هؤلاء القادة يعرفون أن الحرب على لبنان مكلفة جداً، بحيث ستصبح مدن وبلدات إسرائيلية في الداخل، وكذلك البنى التحتية في مرمى نيران الحزب، الذي يملك ترسانة أسلحة كبيرة ومتطورة جداً مقارنة بما تملكه الحركة في غزّة. وحتّى لو قررت تل أبيب توسيع الحرب وتدمير لبنان، فلن تستطيع القضاء على الحزب. وبالتالي لن تستطيع إبعاد مخاطر شنّ هجمات على حدودها الشمالية، إلّا من خلال توافق ما، على غرارالقرار 1701 ، او ما يشبهه. لذا، فهي تعطي المزيد من الوقت للتوصل إلى حلول دبلوماسية من خلال حركة المبعوثين الأميركيين والفرنسيين وسواهم.
في المقابل، يتحاشى الحزب توسيع الحرب لأسباب كثيرة، أبرزها الخشية من ردة الفعل لدى الطوائف اللبنانية الأخرى، ومن ثمّ الرغبة الموجودة لديه في قطف ثمار أي اتفاق محتمل، يكون مكمّلاً لاتفاق ترسيم الحدود البحرية الذي أفرج عن التنقيب عن النفط في بحر لبنان. وهو لا يريد أن يفرّط بفرصة عقد اتفاق جديد عبر الترسيم البري المقترح، يتيح له الحصول علىَ ثمن مناسب يصرَّف في التسوية الداخلية اللبنانية وفي مزيد من إحكام قبضته على السلطة، وأيضاً في إظهار نفسه كمحرر للاراضي اللبنانية التي ما زالت محتلة.
لذا، فإنّ الحزب يبدي مرونة للبحث في أي طرح يحمله الأميركيون، ولكنه يؤجل الحسم إلى ما بعد الانتهاء من موضوع غزّة. وكانت الاوساط الإعلامية الإسرائيلية قد أشاعت أجواء إيجابية عن لقاءات
الموفد الأميركي آموس هوكشتاين الذي زار إسرائيل ولم يعرّج على لبنان. ونُشرت معلومات عن طرح تجري دراسته ويتألف من مراحل عدة، تتضمّن انسحاب عناصر الحزب وأسلحته إلى مسافة معينة، وترسيم الحدود البرية، وربما تركيز نقاط مراقبة طرحها وزير الخارجية البريطاني دايفيد كاميرون في زيارته الأخيرة لبيروت.
وتفكر إسرائيل في خيار شنّ ضربات قوية محدّدة تستهدف بنية الحزب، كبديل عن الحرب الواسعة، في حال لم تحصل على جواب بالنسبة إلى ملف أمن الشمال. ولكن هذه الضربة لن تؤدي أيضاً إلى تغيير كبير على مسرح المعركة. لذا، فإنّ تلّ أبيب محكومة بدورها بالانتظار. وقد يفضّل بنيامين نتنياهو تقطيع الوقت، حتى وصول دونالد ترامب إلى الرئاسة، كما يأمل. ولكن الحزب و”حماس” يفضلان التوصل إلى تسوية ما في عهد الرئيس الحالي جو بايدن.
بالنظر إلى هذه المعطيات، صار حتمياً العمل على الحل الدبلوماسي، لا العسكري. ولكن الجانبين يلعبان لعبة الوقت التي يعتقدان أنها قد تحسّن شروط كل منهما في التفاوض. إلّا أنّ لهذه اللعبة مخاطرها العكسية أيضاً. من هنا، يبدو أنّ أوان التسويات قد اقترب.