التهدئة تُعبّد طريق فرنجيّة نحو بعبدا؟
ترتبطُ زيارة المبعوث الأميركيّ آموس هوكستين لبيروت بتقدّم مُفاوضات الهدنة في قطاع غزّة. مردُّ هذا إلى القناعة التي ترسّخت عند الأميركيّين عن أنّ فصل الجبهتيْن في جنوب لبنان وجنوب فلسطين المُحتلّة ليسَ وارداً عند الحزبِ. كما أنّ الأخير لم يُغيّر موقفه الذي يربط أيّ تفاوض أو حديثٍ بنهاية الحربِ الإسرائيليّة على غزّة.
يطمحُ هوكستين إلى أن ينجحَ في الملفّ الذي يحمله، ألا وهو ترسيخ تهدئة طويلة الأمد على الحدود بين لبنان وفلسطين المُحتلّة، وتفكيك عُقَد النّقاط المُتنازع عليها على الحدود البرّيّة من رأسِ النّاقورة إلى الغجر. حتى إنّه سيدخل بتفاصيل الملفّ الرئاسي، على ما يقول مصدر في الخارجية الأميركية لـ”أساس”.
في واشنطن، هوكستين مُطالَبٌ بالنّجاح مهما كلّف الأمر. فالرّئيس الأميركيّ جو بايدن على مشارف معركة رئاسيّة، لا يبدو أنّها سهلة أبداً. كما أنّ الإدارة الأميركيّة لم تُسجّل في ولايته أيّ إنجازٍ جدّيّ على صعيد السّياسة الخارجيّة، سوى ملفّ ترسيم الحدود البحريّة بين لبنان وإسرائيل، الذي سُرعان ما “غابَ بريقه” بعد عمليّة طوفان الأقصى في 7 أكتوبر (تشرين الأوّل) الماضي.
دفعَ التّفويضُ المُطلَق موفدَ بايدن إلى تحضير ورقة “مُغريات” للحزبِ، يعتقِدُ أنّ الأخير لن يُمانع مُناقشتها، أو حتّى القَبول ببنودها، في حال رسَت التهدئة، البعيدة حتّى السّاعة، في غزّة.
الورقة هذه عرضها هوكستين في تل أبيب، حيثُ لم يجد مانعاً لدى القيادة السّياسيّة هُناك من حلّ الأزمة على الحدود الشّماليّة في الأطُر الدّبلوماسيّة، بعيداً عن الكلفة الباهظة سياسيّاً وعسكريّاً واقتصاديّاً للحلّ العسكريّ.
الورقة والمُبالغة..
تُختَصر ورقة هوكستين التي ناقشتها واشنطن مع باريس ولندن وبرلين وروما، ونشرها موقع “أكسيوس” بالآتي:
1- تُعلِن الولايات المُتحدة وبريطانيا وألمانيا وإيطاليا وفرنسا عن مُساعدات وتسهيلات اقتصاديّة للبنان تُساعده على الخروج من الأزمة، في حال وافقَ الحزبُ على تثبيت التهدئة على الحدود الجنوبيّة.
تُشير معلومات “أساس” إلى أنّ إعادة ترتيب ملفّ النّفط والغاز في المنطقة الاقتصاديّة للبنان هي أبرز هذه التسهيلات. كذلكَ المُساعدة في إعادة إعمار ما دمّرته الآلة العسكريّة الإسرائيليّة من منشآتٍ مدنيّة في الجنوب.
2- تنفيذ القرار 1701 جُزئيّاً، وليسَ كاملاً. وهذا عبر إعلان إسرائيل أنّ الحزبَ تراجع لمسافة 10 كلم عن الحدود. وهي المسافة التي يحتاج إليها الحزب لإطلاق الصّواريخ المُضادّة للدّروع مثل “كورنيت” الرّوسيّ، و”ألماس” الإيرانيّ. القرار الدّوليّ ينصّ على أن تكون منطقة جنوب الليطاني خالية من السّلاح، إلّا سلاح الجيش اللبنانيّ وقوّات الطوارئ الدّوليّة (اليونيفيل).
تُعتبَر مسافة 10 كلم تثبيتاً وإقراراً أميركيّاً بوجود الحزب في منطقة جنوب نهر الليطاني. إذ إنّ حدود منطقة الـ1701 تصلُ إلى أكثر من 20 كلم في بعض النّقاط.
3- تضمنُ الدّول الـ5 وقفَ الخروقات البرّيّة والبحريّة والجويّة الإسرائيليّة للسّيادة اللبنانيّة.
4- عودة النّازحين من جانبَيْ الحدود إلى منازلهم. بحسب معلومات “أساس” فإنّ الحزبَ أبلغَ واشنطن عبر الوسطاء أن لا عودة للمستوطنين النّازحين من دون عودة النّازحين من أهل الجنوب إلى قراهم، وأنّ المعادلة التي يعمل الحزبُ وفقها اليوم هي “التهجير مُقابل التهجير”.
أوساطٌ مُقرّبة من الحزبِ أكّدت لـ”أساس” أنّ حارة حريك مُنفتحة على مُناقشة الطّروحات، لكن بعد وقفِ النّار في غزّة، مشيرة إلى أنّ ما أورده موقع “أكسيوس” مُبالغٌ فيه جدّاً. كما نفَت الأوساط ما أورده الموقع عن “تراجع قوّات “وحدة الرّضوان” لمسافة 10 كلم عن الحدود”.
ليسَ الحزبُ جيشاً نظاميّاً بمواقع ونقاط علنيّة. هذا يدحض الدّعاية الإسرائيليّة التي غايتها الاستهلاك المحلّيّ لدى النّازحين من مستوطني الشّمال. العمليّات العسكريّة ضدّ المواقع والمستوطنات ستستمرّ “بشكلها المدروس” إلى حين وقف إطلاق النّار في غزّة، على حدّ وصف المصادر.
إميل لحّود.. لا ميشال سليمان..
تُشبه هذه الفترة بالنّسبة للحزبِ مرحلة المُفاوضات على القرار 1701 إبّان حرب تمّوز 2006. ويصحّ القول إنّه سيكون أكثر تمسّكاً بمرشّحه الرّئاسيّ الوزير السّابق سليمان فرنجيّة. وذلك انطلاقاً من المواصفات الرّئاسيّة التي أعلنَ عنها الأمين العام حسن نصرالله قبل أشهر: “نُريد رئيساً لا يطعن المُقاومة بظهرها”.
بكلام آخر، يُريد الحزب نموذج إميل لحّود في هذه المرحلة، وليسَ ميشال سليمان. وهذا يُقلّل من حظوظ أن يقبل الحزب بوصول قائد الجيش جوزف عون إلى قصر بعبدا.
رهان الحزب اليوم على حاجة واشنطن إليه لترسيخ التهدئة عبر اتفاقٍ سياسيّ يُعطي بايدن ورقةً على صعيد السّياسة الخارجيّة. وعليه لن يقبل بثمنٍ أقلّ من ضمان وصول فرنجيّة إلى بعبدا، خصوصاً أنّ الولايات المُتحدة توافقت مع إجماع أعضاء اللجنة الخُماسيّة على عبارة “لا فيتو على أحد”.
كانَ فرنجيّة أحد الأسماء التي طرحتها واشنطن على الرّئيس السّوريّ بشّار الأسد في فترة 2002 – 2003 لخلافة لحّود قبل إقرار التمديد. والأهمّ أنّ أحداً لم يلمس من هوكستين مُعارضةً على اسم فرنجيّة، ولا حتّى مُعارضة أن يكونَ وصوله إلى بعبدا أحد الأثمان التي ستُدفَع للحزب في حال قرّر إهداء بايدن الاتفاق السّياسيّ.