صيغ تجريبية… وأبشر بطول سلامة!

صيغ تجريبية… وأبشر بطول سلامة!

الكاتب: نبيل بومنصف | المصدر: النهار
9 شباط 2024
لعلنا سنغرق طويلاً وطويلاً جداً في إحدى أحدث جولات “الغموض البنّاء”، الممعن في الغموض، حيال ما يتدفق علينا من تسريبات لصيغ تجريبية لوقف الحرب الدائرة في جنوب لبنان قبل أن تدهمنا الدولة العدوة بما يشابه نسخة غزة التدميرية التي فاقت بدمارها ودمائها أفظع الفظائع في التاريخ القديم والحديث. لم نعرف من أين تدفقت فجأة كل هذه الصيغ الطائرة تتحدث عن تفتق القرائح الأميركية والفرنسية والإيطالية والبريطانية في خلطة الله أعلم كيف ركبت على عجل وأعادتنا الى أيام “عناقيد الغضب” وأحيت “تفاهم نيسان” وأزالت الغبار عما يصح ولا يصح من ماضي القرارات المجمدة والمنسيّة بلوغاً الى تلاوة صلاة الإنقاذ الأخيرة لئلا “نمشح” القرار 1701 الذي يعيش النزع الأخير الى ما هنالك من صيغ تجريبية…
ويصادف أن نطالع في اللحظة الملائمة تماماً بحثاً معمقاً موثقاً يشكل مقالاً مرجعياً بحق لسفير لبنان السابق لدى الأمم المتحدة في جنيف جبران صوفان في “قضايا النهار”، عن مسار “الخلطات” التاريخية للقرارات الدولية ذات الصلة بلبنان والتي تتشابك مع القضية الفلسطينية، لنستشهد بها على مصير قاتل عجز لبنان عبره، على امتداد عقود، عن فك “حبل الصرة” مع حروب الساحات المفتوحة على أرضه منذ قديم الزمان الصراعي في الشرق الأوسط. ولسنا لنغفل، والحال هذه مع العودة الى جذور “النكبة” التي يتخبط فيها لبنان كقدر غاشم يفرضه عليه ربط قسري للجنوب اللبناني وعبره للبنان برمته بحرب غزة، أن الفريق الرافع راية الربط بين الساحات والمتسبب للبنان بإعادته “صيغة تجريبية” تتبارى الدول على التفنن فيها راهناً من دون أي أفق واضح أو مسار ثابت يضمن مصالح لبنان، هذا الفريق دأب “تاريخياً” على التنكر والرفض لحقيقة التعريف التاريخيّ للحرب في لبنان الذي أطلقه غسان تويني بأنها “حرب الآخرين على أرض لبنان”. ولسنا نفهم كيف يجب أن نعرف ربط لبنان قسراً بحرب غزة، بعد عقود من الطائف، وبعد زهاء عقدين من صدور القرار 1701 الذي يكفل تحرير لبنان وسيادته، وقبله القرار 1559 الذي شكل الركيزة الأممية الكبيرة لثورة لبنانية عارمة أدت الى جلاء الوصاية السورية عن لبنان، سوى أنه إدمان قاتل على استعادة لبنان الساحة لحروب الآخرين القدامى والجدد؟ وسواء أصحّت أم لم تصحّ كل الصيغ التجريبية التي تتسلل بين جولة موفد من هنا وموفد من هناك، ترانا نتساءل أي خطورة أكبر من أن تنخرط الدول مجدداً في الإقرار ضمناً وعلناً بواقع من شأنه الإطاحة أو الزعزعة بقرار دولي أفرغه أمر واقع ميداني من “حضوره” وعلق تنفيذه فيما الألوف من الجنود الدوليين من كل أنحاء العالم المنخرطين في قوة “اليونيفيل” يقبعون في انتظار إعادة الروح الى سبب استحضارهم الى جنوب لبنان؟
ما ينسحب على الحالة الانتظارية للبنان وسط احتدام المواجهات في جنوبه وربطه ربطاً محكماً بحرب غزة صار أشبه بانتظار تفاهم دولي على رئيس للبنان ينتظر “يالطا” عالمية جديدة. وأما الواعد والموعود في الصيغ الهابطة علينا من تسريبات الغرف المعتمة فلا حاجة بنا للتعامل معها بجدية مكلفة ومثيرة للغيظ والسخط والقلق ما دمنا أمام مهزلة لا تبدّل حرفاً في مجريات استتباع لبنان لمحاور الصراع الإقليمية وربطه بساحات المنطقة… “وأبشر بطول سلامة يا مربع”!