خاص- المسيحيّون متوجّسون من صفقة على حسابهم

خاص- المسيحيّون متوجّسون من صفقة على حسابهم

الكاتب: ايلين زغيب عيسى | المصدر: beirut24
10 شباط 2024

يستشعر المسيحيّون بكل أطيافهم السياسيّة تقريباً بالخطر. فهم يراقبون كيف أنّ الموفدين الأميركيين والأوروبيين يتهافتون للتفاوض مع “حزب الله”، مباشرة أو في شكل غير مباشر، من أجل إبقاء مستوى التصعيد مع إسرائيل محدوداً، وأيضاً من أجل استكشاف إمكان التوصّل إلى تسوية للوضع في الجنوب.
أقرّ الخارج عمليا ًبأنّ الحزب هو الجهة المقررة في لبنان. وعليه، فإنّ الدول الغربية، وعلى رأسها الولايات المتحدة التي تعتبر الحزب “منظمة إرهابية”، تتفاوض معه. وأبرز المفاوضات التي وصلت إلى نتيجة عملية، هي المفاوضات غير المباشرة التي رعاها الموفد الأميركي آموس هوكشتاين، والتي أدّت إلى اتفاق ترسيم الحدود البحرية بين لبنان وإسرائيل، وهو الذي كان وما زال يسعى إلى اتفاق لترسيم الحدود البريّة ينعكس تهدئة مستدامة في الجنوب.
فالدول تعمل وفق المصالح، وليس وفق المبادئ. وهي في النهاية ستكون مضطرّة إلى عقد التسويات والصفقات مع الطرف القويّ. وهذا الطرف هو بالطبع “حزب الله” الذي يقرّر وحده متى تبدأ الحرب ومتى تتوقف.
ويبدو الحزب حريصاً على عدم التفريط بهذه القوة. لذا، يشاغل إسرائيل بالقصف، ولكنه يعرف كيف يلتزم حدود الاشتباك. ويرسل في الوقت عينه الإشارات الإيجابية حول انفتاحه على البحث في أي صيغ لترسيم الحدود والتسوية، ولكن بعد وقف الحرب في غزّة طبعاً. وعندما ترفع إسرائيل وتيرة التهديدات بتوسيع الحرب على لبنان، كما يجري في الأيام الأخيرة، يسارع وزير الخارجية الإيراني حسين أمير عبد اللهيان إلى زيارة بيروت، ويبعث بالرسائل التي تؤكد أنّ طهران لا تريد الحرب.
وعلى رغم العقبات التي تظهر الآن أمام التوصل إلى تسوية دبلوماسية للوضع الحدودي بين لبنان وإسرائيل، فإنّ الحزب سبق أن أبلغ هوكشتاين عبر القنوات المعتمدة موقفه الإيجابي إزاء الخطة التي يطرحها الموفد الأميركي. ولكن لا يمكن للحزب الخوض في تفاصيل هذه الخطة ما دامت الحرب مستعرة في غزّة.
وفيما بدأت تفاصيل الصفقة تنتشر في الداخل، حتّى استنفرت القوى والأحزاب والمرجع المسيحية، خوفاً من أن يقبض الحزب الثمن من خلال انتخابات رئاسة الجمهورية أوّلا، ثم من خلال حوافز مالية واقتصادية.
من هنا، أتى الموقفان المتتاليان لبكركي، حيث حذّر مجلس المطارنة الموارنة من “المحاولات الجارية دولياً ومحلياً لتمرير ترسيم مشبوه للحدود بين لبنان وإسرائيل”، ولفت إلى أن “التفاوض في هذا الشأن يبقى من اختصاص رئيس الجمهورية”. وفي عظة قداس عيد مار مارون الجمعة، رأى البطريرك بشارة الراعي أنّ “هناك عملية إقصاء مبرمج للموارنة عن الدولة، بدءاً من عدم انتخاب رئيس للجمهورية وإقفال القصر الجمهوري”.
وسبقت ذلك مواقف صادرة عن كل من حزبي القوات اللبنانية والكتائب، ترفض المقايضة بين الحلول للوضع في الجنوب والرئاسة اللبنانية. حتّى أن التيار الوطني الحر أصدر موقفاً لافتاً، رحّب فيه بكلام البطريرك “الذي وضع الإصبع على جرح الوطن”، مشيراً إلى أهمية “التفاهم العميق بين المسيحيين”.
ولكن السؤال المطروح في أوساط هذه الأحزاب المسيحية هو كيفية المواجهة ومنع الصفقة المرتقبة من أن تكون على حسابهم مرّة أخرى؟
تقول مصادر في القوات اللبنانية إن المشكلة ليست طائفية، بقدر ما هي سياسية بين مشروعين متناقضين: المشروع الإيراني والمشروع اللبناني السيادي. أمّا المواجهة، فترى المصادر أنها تتم عبر المؤسسات، خصوصاً أن ليس في قدرة “محور الممانعة” انتخاب الرئيس لوحده، على أساس أنّ تأمين النصاب يحتاج إلى عدد أصوات أكبر. ويحاول حزب القوات العمل على استقطاب عدد من النواب التغييريين والوسطيين في المعركة الرئاسية.
ولكن المشكلة ليست فقط في اسم الرئيس، بل في كل السياسة المتبعة، والتي تعطي الغلبة لـ “حزب الله” وسلاحه. ويمكن للصفقة المتوقعة أن تعزّز من حضور الحزب وايران، خصوصاً أنها ستكون برعاية أميركية، وسيكون كل من ايران والسعودية الطرفين الأبرز فيها. وهو الأمر الذي سيسهّل تمريرها، وستسمح بمخرج للأزمة الرئاسية، ولكن بأي ثمن؟
سلاح المواجهة الموجود لدى المسيحيين، هو أوّلاً موقف مرجعية بكركي، التي رفضت بكل وضوح الصفقة التي يُعتقد أنه يحُضّر لها. ولكن هل في إمكان الأحزاب المسيحية المنقسمة أن تفرض حضورها، وتضع فيتو على ما لا يناسب توجهاتها؟
يسعى حزبا القوات والكتائب منذ فترة إلى إقامة ما يشبه الجبهة المعارضة. وقد ظهرت بعض البوادر، ولكن لم يحدث أي تقدم فعلي على هذا الصعيد. أمّا بالنسبة إلى بيان التيار الوطني الذي تحدث عن “تفاهم عميق بين المسيحيين” مطلوب اليوم، فيؤشّر إلى استشعار التيار بأن تحالفه مع “حزب الله” أصبح مهتزاً. فالحزب مصر على ترشيح سليمان فرنجية، ولا يكترث لرأي التيار الذي تقاطع مع القوى المناهضة في تسمية جهاد أزعور. كما أن الحرب المندلعة في غزّة، وفتح جبهة الجنوب، يجعلان التيار حذراً تجاه التوازنات المقبلة، خصوصاً أن مواقفه ليست كما كانت من حيث الدعم المطلق للحزب في حرب تموز 2006.
فهل تؤدي هذه الوقائع إلى تقارب بين التيار والقوات من جديد؟ وكيف ستُبنى الثقة بين الطرفين بعد كل ما حصل إثر اتفاق معراب من إخفاقات؟ وهل إجماع القوى المسيحية على طرح الفدرالية أو ما يشبهها سيكون له مكان، عندما تتم تُعقد الصفقات والمصالح الكبرى؟