قطع الاتصالات الدوليّة هدف الحوثيّين التالي؟
هل يتمكّن الحوثيون من استهداف مجموعة من الكابلات البحرية التي تحمل تقريباً جميع البيانات والاتصالات الماليّة بين أوروبا وآسيا؟
حذّر موقع “فورين بوليسي”، استناداً إلى تقارير استخبارية غربية، من احتمال أن تصبح البنية التحتية تحت سطح البحر، ونقاط ضعفها المحتملة، سمة حاسمة في المشهد الأمنيّ العالمي، مشيراً إلى أنّ هذا التهديد يلوح في الأفق وتداعياته خطيرة.
الحوثيّون يهدّدون
في هذا السياق ذكّر الموقع بالتهديدات التي نُشرت أخيراً عبر حساب مرتبط بالحوثيين على تطبيق تلغرام Telegram، وهو ما بدا أنّه تهديدات ضدّ عشرات كابلات الألياف الضوئية التي تمرّ عبر مضيق باب المندب غرب اليمن، وتردّدت لاحقاً خلال روايات مرتبطة بمسلّحين آخرين مدعومين من إيران، بما في ذلك الحزب، وفقاً لمعهد أبحاث الإعلام في الشرق الأوسط.
بحسب تقرير الموقع، أصبحت البنية التحتية الرئيسية في قاع البحر في السنوات الأخيرة، جزءاً من ساحة معركة “المنطقة الرمادية”، حيث تخيف “السفن الأشباح” الروسيّة جيرانها في بحر البلطيق وبحر الشمال. فقبل أكثر من عام، انفجر خطّ أنابيب الغاز “نورد ستريم 1” بين روسيا وألمانيا في ظروف غامضة (بينما تضرّر خط “نورد ستريم 2”). وفي الخريف الماضي، تضرّرت خطوط الطاقة والبيانات في شرق بحر البلطيق بشكل غامض أيضاً. كما أصابت حوادث مماثلة اتصالات البيانات في البحر الأبيض المتوسط.
لم تؤدِّ هذه التهديدات الغامضة للكابلات البحرية في البحر الأحمر حتى الآن إلى أيّ حوادث، إلّا أنّ هدفها واضح، فنقل الكمّيات الهائلة من البيانات والأموال بين أوروبا وآسيا يعتمد على حزمة من كابلات الألياف الضوئية التي تمتدّ عبر المنطقة التي ينشط فيها الحوثيون بشكل أكبر. ووفقاً لتيموثي سترونغ، نائب رئيس الأبحاث في شركة TeleGeography للاتصالات، “يمرّ أكثر من 99 في المئة من الاتصالات العابرة للقارّات عبر الكابلات البحرية، وهذا لا يقتصر على الإنترنت فحسب، بل يشمل المعاملات المالية والتحويلات بين البنوك. كما أنّ الكثير من إدارات الدفاع تعتمد على الكابلات أيضاً. بل إنّ أيّ شيء يمكنك تخيّله تقريباً في ما يتعلّق بالاتصالات الدولية يمرّ عبر الكابلات البحرية. وفي ما يتعلّق بالبحر الأحمر، فهو بالغ الأهميّة لربط أوروبا بآسيا”.
هل يملك الحوثيّون القدرة؟
السؤال الأهمّ، بحسب الموقع، هو ما إذا كان لدى الحوثيين القدرة بالفعل على إتلاف الكابلات البحرية، المثبتة بشكل جيد في قاع البحر. فحتى الآن، تضمّنت معظم هجمات الحوثيين إطلاق صواريخ وإطلاق طائرات بدون طيار على السفن التجارية والحربية الأميركية والبريطانية في المنطقة؟
لا يرى بروس جونز من معهد بروكينغز، الذي كتب على نطاق واسع عن أهميّة الكابلات البحرية، أنّ أيّ عنصر من ترسانة الحوثيين يشكّل خطراً فعليّاً على الكابلات البحرية. فإتلاف هذه الأشياء يستوجب الذهاب إلى قاع البحر. لكنّ الحوثيين مدعومون ومسلّحون من قبل إيران حتى لو كانوا يفتقرون إلى القدرة، فقد تكون قصّة إيران مختلفة، خاصة مع تصاعد التوتّرات بين الولايات المتحدة وإيران.
لكنّه ردّاً على السؤال حول مدى قدرة الإيرانيين أو استعدادهم لاتخاذ هذه الخطوة، “يرى أنّه مرتبط بتصاعد الأمر إلى أبعد من ذلك وباحتمال دخول الولايات المتحدة وإيران بالفعل في مواجهة شرسة بينهما”.
مع ذلك، يرجّح الخبراء، وفقاً للتقرير، “أن تكون هناك طرق منخفضة التقنية لإتلاف بعض الكابلات الموجودة تحت سطح البحر، خاصة في المواقع التي توضع فيها في المياه الضحلة. ويقول سترونغ إنّ حوالي ثلثَي حوادث الكابلات البحرية ترجع إلى حوادث بشريّة، وعادة ما تكون ناجمة عن سفن الصيد أو السفن التجارية التي تسحب مراسيها في قاع البحر. ومثل هذا النهج يمكن أن يمنح الحوثيين القدرة على إحداث أضرار جزئية على الأقلّ ببعض الكابلات البحرية”.
في العادة، لن يمثّل ذلك مشكلة كبيرة، يضيف التقرير، إذ تحتفظ الولايات المتحدة ومعظم الدول الأخرى بسفن إصلاح للكابلات لمعالجة أيّ انقطاع في وصلات البيانات الحيوية تحت الماء. ولكن بسبب حملة المضايقات المستمرّة التي يشنّها الحوثيون في البحر الأحمر نفسه، سيكون من المستحيل لسفن الإصلاح أن تقضي عدّة أيام ثابتة في محاولة لإصلاح الكابل التالف. وبهذا المعنى، يمكن أن يكون تهديد الغوّاصة جزءاً من استمرارية الاضطرابات التي تسبّبها بالفعل على السطح.
مع ذلك، فإنّ الفارق الكبير بين البنية التحتية للطاقة تحت سطح البحر، مثل خطوط أنابيب “نورد ستريم” أو موصلات البلطيق، وروابط البيانات هو أنّ هناك العديد من البدائل لحركة المرور الافتراضية من النفط أو الغاز. وبحسب سترونغ: “الكابل يكون ضعيفاً جدّاً إن كان منعزلاً، لكن بشكل جماعي هناك الكثير من المرونة المضمونة في النظام. سيكون من الصعب جدّاً قطع الاتصال التامّ بدولة تتمتّع باتصالات جيّدة. سيتطلّب الأمر هجوماً متطوّراً ومنسّقاً جدّاً لفصلها جميعاً في الوقت نفسه”.
المشكلة الأكثر أهمّية، وفقاً للتقرير، هي أنّ مخطّطي الدفاع ومحلّلي الأمن أصبحوا يدركون بشكل متزايد أهميّة وضعف نظام البنية التحتية الهائل تحت الماء في العالم. انتشرت خطوط أنابيب النفط والغاز ولديها روابط بيانات فرعية في السنوات الأخيرة. نمت الصناعة البحرية بسرعة كبيرة، وستنمو بشكل أكثر دراماتيكية هذا العام والعام المقبل لتلبية الطلب المتزايد على النقل الرقمي.
في العام الماضي، في أعقاب الهجمات على تيار الشمال، أنشأ الناتو خلية جديدة لتنسيق حماية البنية التحتية الحيوية تحت الماء. يرى المحللون البحريون، بحسب التقرير، أنّ حماية هذه الأصول مهمة حيوية بشكل متزايد للقوات البحرية، لا سيما في المياه الأوروبية المزدحمة بالبنية التحتية. فقد أصدر مركز لاهاي للدراسات الإستراتيجية مؤخراً تقريراً يسلط الضوء على الأهمية المتزايدة للقوات البحرية الأوروبية لتطوير مركبات غير مأهولة تحت الماء خصيصاً لمراقبة البنية التحتية تحت سطح البحر ويؤكّد على حاجة القوات البحرية الأوروبية إلى إعطاء الأولوية لحماية مناطق “الوصول” الحيوية إلى أوروبا، بما في ذلك البحر الأحمر.” ويشير إلى أنّ “مهمة الحماية تغيّرت بشكل كبير”، مضيفاً أنّ “حماية البنية التحتية الحيوية قد دخلت حيّز التنفيذ”.
نقطة الضعف المحتملة في عالم ما تحت سطح البحر هي روابط البيانات، كما يقول بروس جونز من معهد بروكينغز. بالنسبة له، الكابلات الماليّة البحريّة هي أهمّ شبكة للعولمة، لكنّها أيضاً أكثر شبكاتها ضعفاً.