أزمة الفارين من قوى الأمن:العودة متاحة و…متعذّرة معاً!

أزمة الفارين من قوى الأمن:العودة متاحة و…متعذّرة معاً!

الكاتب: بتول يزبك | المصدر: المدن
12 شباط 2024

“درست في الجامعة، ومن ثمّ الكليّة الحربيّة، لأحقق حلم أسرتي بأن يكون لديهم ضابط في البيت، بجهدي الدؤوب وصلت إلى رتبة عالية، وكنت نزيهًا بالرغم من محيطي المهنيّ الفاسد، لكن الأزمة الاقتصاديّة أرخت بأثقالها على كاهلي كما سحق الانهيار باقي العناصر من رتبٍ أدنى، وجعلها في دوامةٍ من الفقر والعوز؛ وبحكم مسؤوليتي تجاه أطفالي قرّرت الاستقالة، بحثًا عن سُبل معيشة تسدّ كفاف يوميّ وعائلتي، لكن تسريحي لم يقبل لسنةٍ كاملة، فاضطررت إلى الفرار للخارج، وصدر بلاغ بحث وتحرٍ عني من قبل المديريّة”. يستطرد النقيب في قوى الأمن الداخليّ بالقول:” وبانتهاء صلاحيّة جواز سفري وإقامتي في الخارج، أنا اليوم عاجزٌ عن العودة، بسبب ما يترتب عليّ من إجراءات لدى المديريّة، التّي لم تقبل تسريحي بالمرتبة الأولى، وكذلك عاجزٌ عن ممارسة حياتي في الدولة التّي هربت إليها بسبب إقامتي غير الشرعيّة”.

رفض التسريح
عقب ما يقارب الخمس سنوات ونيف، على توقيف التّوظيف في الأسلاك العسكريّة، والذي اقترن مباشرةً بنصّ قانون موازنة 2019 الذي أوقف بموجبه التسريح، اُحتجز نحو الثلاثين ألف عنصر أمنيّ بين رتيبٍ وضابط وغالبيتهم من الكهول، قسرًا، في إطار خدمتهم. وبين المطالبات المستميتة، ووعود المديريّة والحكومة غير المُحققة بالحوافز وتحسين للرواتب، فرض على الغالبيّة حالة من الإحباط إزاء هذا الانسداد المزمن في الأفق، وعليه طفت على السّطح حالات الفرار في السنوات الأخيرة – وفق إحصاءٍ غير رسميّ تتراوح بين ألفين و500 وثلاثة آلاف – هربًا من هذا “الحجز القسريّ” ( الذي بالمناسبة لم تعتمده باقي الأسلاك العسكريّة، بنفس الصرامة، كالجيش الذي يقبل طلبات التسريح ضمن سنٍّ معين)،  بالرغم مما يترتب عن هذه الخطوة من ملاحقة مسلكيّة وقضائيّة.

الأمر الذي يؤكده، أحد الفارين الآخرين، من رتبة رقيب أول، الذي أضاف أنّه بالرغم من فراره منذ سنة ونصف، لا يزال متواريًّا عن الأنظار، قائلًا:” قدمت تسريحي، لكن لم يُقبل، وأنا أساسًا تطوعت في السّلك عام 2015 في عقدٍ لمدّة خمس سنوات، وعندما رفضت التجديد، أبقوني مرغمًا بما يخالف الأصول القانونيّة وقانون رقم 17 لتنظيم قوى الأمن الداخلي، فاخترت الفرار، للعمل في توصيل الطلبات والـ”valet parking”، الذي يؤمن لي مدخولًا أعلى من الخدمة مقابل 100 دولار أميركيّ وحفنة مساعدات”.
لكن في المقلب الآخر، يبقى الرقيب أول، ممنوعًا من السّفر (لا حقّ له باستخراج جواز سفر)، وكذلك من التجوال العلنيّ.

لا لطرد الفارين
في حال قرر الفار تسليم نفسه لمحاكمته أو إحالته إلى المجلس التّأديبي، الذي أصولًا يصدر بعده قرار الطرد، بما يتوائم مع تطلعات الفارين، بالحصول مجدّدًا على حقوقهم المدنيّة والسّياسيّة وغيرها.. أما المفارقة، فتقع تحديدًا هنا، إذ علمت “المدن” أن المديريّة لا تقوم بطرد الأفراد لأسبابٍ تأديبية متعلقة بالفرار في الآونة الأخيرة، كما ينصّ القانون، بل خلافًا لذلك تلزمهم بالعودة إلى الخدمة التّي هرب منها هؤلاء. فيما تجري بعض أحكام الطرد، نادرًا وبظروفٍ مواربة، اعتبرها بعض العناصر أنها تجري بـ”الواسطة”، الأمر الذي حاولت “المدن” مرارًا الاستفسار عنه لدى المديرية التّي تتحفظ عن إعطاء تفاصيل تتعلق بهذا الموضوع.


نقص في العناصر
في المقابل، يعزو مصدرٌ أمنيّ، أن هذا المنهاج المستجدّ، الذي تتبعه المديريّة يعود بالمرتبة الأولى للنقص الحادّ في الكادر البشريّ المتقلص، أكان بسبب وصول جزء كبير من العناصر للسنّ القانونيّة ويجري تسريحهم، وكذلك بسبب معدلات الفرار العاليّة، وبعدم إمكانيّة إجراء دورات لعناصر جديدة، والخلّل الجسيم في ميزانيّة قوى الأمن، يترك هؤلاء بوضعهم المُعلّق مؤقتًا، لحين حصول انفراجة، أو إذا ما قرروا العودة لشغل مناصبهم.

 بينما يرى مراقبون، أن الأجدى اليوم، هو تدارك هذا العطب، وقبول تسريح هذه العناصر  وضخّ دماء جديدة في المؤسسة، والشروع في التفاوض الرسميّ والجاد والحاسم مع المعنيين لوضع خطط واضحة، عوضًا عن الانجرار بالخلافات بين المديريّة والحكومة، كما يحصل حاليًّا في ملف المحروقات للمؤهلين والمؤهلين أول، الذي تمّ البتّ فيه، فيما يبقى عالقًا في وزارة المال.