“النصف مذبوح”… ودوام الصمود!

“النصف مذبوح”… ودوام الصمود!

الكاتب: نبيل بومنصف | المصدر: النهار
29 آذار 2024

لم يحصل (أقله على علمنا المحدود) في التاريخ أن جرى التمهيد المديد لحرب “فرعية” كمثل ما يجري في التمهيد المتواصل والحرب الديبلوماسية المتصاعدة المواكبة لاستعدادات إسرائيل لمعركة اجتياح رفح كذروة الذرى في حربها على غزة. أرست المجريات الميدانية المصحوبة بمقتلة بشرية فظيعة في حرب الستة أشهر حتى الآن في غزة معالم معادلة غير مسبوقة تنذر بما يمكن أن ينسحب على أرضنا في الجنوب وعبره في أعماق لبنانية “ذات صلة”، هي معادلة حرب بلا نهايات. لعلنا نرفض تلقائياً التصديق أن الجاري في مقتلة غزة واستنزاف الجنوب اللبناني يستحيل أن يتمادى بعد الى ما يتجاوز الأسابيع، فيما تنذر الوقائع والمعطيات المتراكمة في ميادين هذه الحرب ومشتقاتها من حروب “مشاغلات” ومساندات في الساحات الرديفة وفي طليعتها لبنان حيث “فقط” تنزف الدماء بموازاة حمامات الدماء المهدارة النازفة في غزة، بأن موعد الانتخابات الرئاسية الأميركية قد لا يكون كافياً لإطلاق توقعات متفائلة بنهاية “حروب الشرق الأوسط”.

بمثل ما ارتبطت تعقيدات المعادلات الحربية في غزة بواقع دولي هو الأشد تفككاً وهشاشة واستسلاماً لواقع انعدام تأثير المجتمع الدولي على ردع المقتلة المتصاعدة في حرب غزة، بدليل “امّحاء” أي أثر لقرار مجلس الأمن الدولي الأخير بوقف نار فوري خلال ما بقي من شهر رمضان… بمثل هذا الربط الجهنمي لحرب تتناسل حروباً، نخشى أن يكون جنوب لبنان أضحى لا بنك أهداف دائماً فقط بل ساحة مفتوحة لاستنزاف “مستدام” يكون “بديلاً” من حرب شاملة لا تقوى عليها إسرائيل مهما توعّدت وهدّدت فيما هي تخوض حربين مستحيلتين، كما صار مستحيلاً على “حزب الله” أن يفك أسره وأسر لبنان من المعادلة التي وضع فيها قسراً الجنوب ولبنان. ذلك أن “قواعد” النزول عن رؤوس الشجر في السياسة شيء وفي الحروب شيء آخر خصوصاً في ظل إخفاق دولي عام عن فرض مجرد هدنة لأسبوعين بما شكل إثباتاً على أن ما أعقب أشرس هجوم تعرّضت له إسرائيل في تاريخها وأشرس مقتلة ومذبحة شنّتها إسرائيل رداً على “الطوفان” بدّلا قواعد الحروب والمفاوضات وكل ما يمت بصلة الى ماضي التجارب والحروب العربية الإسرائيلية قاطبة.

تبعاً لذلك نخشى ألا يكون “نشامى” السياسة والسلطة والأحزاب والمواقع والمراجع قاطبة في لبنان استوعبوا بعد مدى فداحة الحجم المخيف للسقطة التي وقع لبنان في جوفها منذ ربط بحرب غزة ولا بالمدى البعيد والعميق لتداعيات الانزلاق الحاصل راهناً الى اتساع الحرب وتحوّلها الى معادلة استنزاف دموي وتدميري لا حدود زمنية له. هذه المعادلة توازي في رمزيتها واقع لبنان “النصف مذبوح” الذي اعتاده دوماً في أزمات السياسة والانقسامات الداخلية واستهلاك أعمار اللبنانيين ودفعهم الى مزيد من الهجرة واليأس من غد مستقر. لكن “النصف مذبوح” هذا بعد نحو خمسة عقود من انفجار حرب 1975 لم يعد يمتلك الآن أي قدرة على الانتظار والصمود وترف التغنّي بصلابة الشعب الذي لا يموت، بما يعني أن انفجارات الانهيارات الداخلية التي تحجبها راهناً صولات وجولات المواجهات الميدانية المتصاعدة لن تلبث أن تطغى حتى على أصوات المسيّرات والمقاتلات الحربية والصواريخ وكل الآلة التدميرية المحلقة في فضاءات لبنان وعلى أرضه. بذلك نتساءل عن جدوى كل الحبر التافه الذي يسيل عبر مواقف ويوميات السياسة الداخلية فيما تنعدم لدى نشامى البلد أي رؤية لساعة مقبلة؟