خاص – لماذا يقلق المسيحيون على أمن مناطقهم؟

خاص – لماذا يقلق المسيحيون على أمن مناطقهم؟

الكاتب: ايلين زغيب عيسى | المصدر: Beirut24
10 نيسان 2024

للحرب الدائرة على الجبهة الجنوبية وجهان. الأول، هو ما ستنتهي إليه من أرباح وخسائر بين “حزب الله” وإسرائيل، وماهيّة الترتيبات التي ستلي ذلك أمنياً وسياسياً. أمّا الوجه الثاني، فهو انعكاس نتائج هذه الحرب على الداخل اللبناني، من حيث تعزيز نفوذ الحزب أو تراجعه، وترقّب مواقف المجموعات اللبنانية الأخرى من اتّخاذ الحزب منفرداً قرار الحرب.

فمنذ دخول لبنان على خطّ حرب غزّة قبل ستّة أشهر، تعالت الأصوات، خصوصاً في الوسط المسيحي، رافضة توريط البلد في حرب بأجندات إقليمية، لن تجرّ عليه سوى المزيد من الدمار والركود الاقتصادي، في أحسن الأحوال. وتعالت معها الدعوات من هنا وهناك إلى اعتماد النظام اللّامركزي أو الفدرالي، إذا كانت الفئات اللبنانية المعارضة عاجزة عن الوقوف في وجه الحزب ومنعه من التفرّد بالقرارات.

ولم تقتصر هذه المواقف على الجهات المسيحيّة المعارضة، بل تمدّدت إلى أوساط التيار الوطني الحرّ، بعدما انتقد كلّ من الرئيس السابق ميشال عون ورئيس التيار النائب جبران باسيل معادلة “وحدة الساحات” التي يتبعها الحزب في مساندة غزّة.

وما ردود الفعل على الجريمة التي حصلت في إحدى قرى جبيل، وأدّت إلى مقتل منسّق القوات اللبنانية في القضاء باسكال سليمان، سوى تعبير عن شعور لدى المسيحيين برفض استضعافهم، بمعزل عن نتائج التحقيقات في عملية خطف سليمان وقتله. فحصول عملية من هذا النوع في قلب المناطق المسيحية، وليس في الأطراف، شكّل استفزازاً، وأثار في الوقت عينه قلقاً على أمن هذه المناطق. وبدأ الحديث عن الأمن الذاتي، كما في كل مرّة تشعر فيها فئة من الفئات اللبنانية بالخطر.

يقول مصدر في القوى السياديّة المسيحية إنّ البلد لا يمكن أن يمشي وفق الواقع الحالي، حيث تستقوي فئة على أخرى، وتفرض عليها رأيها في قضايا أساسية ومصيرية. فالأفضل عندها إعادة النظر في النظام ككلّ، وإجراء تعديلات دستورية تؤدّي إلى صيغة قابلة للحياة، وإلّا فإنّ لبنان الذي نعرفه معرّض للاندثار.

ويرى المصدر أنّ “حزب الله” ينتظر انتهاء الحرب جنوباً لينقضّ من جديد على الداخل، فارضاً مرشّحه الرئاسي. وهو يعمل من أجل قبض ثمن أيّ تسوية محتملة لصالحه. ومن هنا، كان التنبيه المتكرّر من صفقة على حساب المسيحيين. لذا، رُفضت المبادرة الفرنسية عندما كانت تؤيّد انتخاب سليمان فرنجية. كما وصلت إلى الأميركيين أصداء رفض أي تسوية بين واشنطن وطهران على حساب لبنان.

ولكن، هل من يكترث بهذه الأصوات عندما تقرر مصالح الدول ما يناسبها؟

 

في العادة، يُسمع رأي الأقوياء. والفريق القويّ هو اليوم الحزب وحلفاؤه. لذا فإنّ كل الاتصالات التي كان يجريها الأميركيون حول التهدئة وحول إمكان التوافق على حلّ سياسي، كانت تجري مع الحزب في شكل غير مباشر. فهو الذي يقرّر في الترسيم وفي الانسحاب وفي الحرب والسلم.

يعتبر المصدر أن الأحزاب المسيحية بدأت تتقارب في مواقفها السياسية، على رغم الشكوك التي تبديها الأحزاب السيادية حتى الآن في صدقيّة موقف باسيل المنتقد للحرب التي يخوضها الحزب. ولكنّه يرى أنّ قيام إسرائيل بشنّ حرب واسعة على لبنان مثلاً سيجعل القوى المسيحية تقف صفّاً واحداً في رفض جعل مناطقها عرضة للتدمير بسبب حرب هم لا يريدونها. ومن الطبيعيّ عندها أن ينضمّ التيار إلى القوات والكتائب في العمل على تحييد هذه المناطق. وهذا ما تجلّى في رفض أهالي رميش مثلاً استخدام بلدتهم كمنصّة لإطلاق الصواريخ. كما تجلّى في الإجماع على المطالبة بمعرفة الحقيقة في جريمة جبيل التي استهدفت المسؤول القوّاتي.

يختلف الواقع الداخلي اليوم عما كان عليه في حرب تموز 2006. عندها تعاطفت المناطق المسيحية مع الحزب وفتح الأهالي بيوتهم لاستقبال النازحين. انتهت الحرب في شهر واحد، بعدما دمّرت الطائرات كلّ مكان في لبنان. ولكن الحرب اليوم طويلة ومختلفة. والرأي العام المسيحي يتغيّر، بعد كل المصائب التي حلّت بالشعب بسبب الأزمة الاقتصادية وانفجار المرفأ وموجة الهجرة وانهزام ثورة 17 تشرين.

كما أن التوازن الاقليمي الدولي مختلف. فهناك اليوم انخراط دولي واسع في المنطقة ومنافسة روسية اميركية عليها، بعدما كانت شبه متروكة للنفوذ الروسي. وعليه، فإنّ الطرف الداخلي الذي سيؤخذ برأيه، هو الطرف الذي يُثبت أنّه قويّ بما يكفي ليدخل اللعبة السياسية وتوازناتها. فهل يسعى المسيحيّون إلى تحصين أنفسهم استعداداّ للمرحلة المقبلة؟ الأكيد أنّ الطريق إلى ذلك لن يصل إلى مكان، إذا ظلت القوى والأحزاب المسيحية متناحرة في ما بينها.