فورين أفيرز: تحالف مناهض لإيران في الشّرق الأوسط؟

فورين أفيرز: تحالف مناهض لإيران في الشّرق الأوسط؟

الكاتب: إيمان شمص | المصدر: اساس ميديا
2 ايار 2024

وفقاً لتقارير وتحليلات إعلامية أميركية وإسرائيلية بشكل خاص، بيّن هجوم إيران بأكثر من 300 صاروخ وطائرة بدون طيار على إسرائيل في 13 نيسان عن “علامة تغيير كبير”. فقال رئيس أركان جيش الدفاع الإسرائيلي هرتزي حليفي إنّه “أوجد فرصاً جديدة للتعاون في الشرق الأوسط”، واعتبر معهد دراسات الأمن القومي، وهو مركز أبحاث إسرائيلي، أنّ “التحالف الإقليمي والدولي الذي شارك في اعتراض النيران الإيرانية تجاه إسرائيل يوضح إمكانية إقامة تحالف إقليمي ضدّ إيران”. بينما كتب المحلّل السياسي في صحيفة واشنطن بوست، ديفيد إغناتيوس، أنّ “إسرائيل بردّها على الهجوم الإيراني تصرّفت كزعيم تحالف إقليمي ضدّ إيران، وهذا يمثّل “نقلة نوعية” محتملة لإسرائيل، وهو ما سيعطي الشرق الأوسط “شكلاً جديداً”.

هل يشهد الشرق الأوسط تحالفاً مناهضاً لإيران؟ تساؤل وفقاً للباحثتين داليا داسا كاي من مركز بيركلي للعلاقات الدولية بجامعة كاليفورنيا وبرنامج فولبرايت شومان في جامعة لوند، وسنام فاكيل مديرة برنامج الشرق الأوسط وشمال إفريقيا في تشاتام هاوس، فيه الكثير من المغالاة وعدم فهم مدى تعقيد التحدّيات التي تواجهها المنطقة.

في رأي الباحثتين في مقالة مشتركة لهما في مجلّة “فورين أفيرز” أنّ “من المؤكّد أنّ استراتيجية إسرائيل المستقبلية ضدّ إيران قد تأخذ في الحسبان بشكل أكبر الاعتبارات الإقليمية، نظراً للطبيعة غير المسبوقة للتبادلات العسكرية في نيسان. لكنّ الحقائق في المنطقة التي تمنع التعاون العربي الإسرائيلي لم تتغيّر بشكل كبير. حتى قبل هجوم حماس في 7 أكتوبر (تشرين الأول) والحرب على غزة، كانت الدول العربية التي احتضنت التطبيع مع إسرائيل، تشعر بالإحباط المتزايد إزاء دعم رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو لتوسيع المستوطنات الإسرائيلية في الضفة الغربية وتسامحه مع محاولات وزرائه اليمينيّين المتطرّفين تقويض الوضع الراهن في القدس. كما أنّ موجات الاحتجاجات في مختلف أنحاء الشرق الأوسط على حرب إسرائيل في غزة جعلت الزعماء العرب أكثر تردّداً في دعم إسرائيل علناً، لإدراكهم أنّ التعاون المفتوح يمكن أن يقوّض شرعيّتهم الداخلية”.

تعتقد الباحثتان أن “لا شيء في الردّ العربي على هذه الجولة من المواجهة الإيرانية الإسرائيلية يشير إلى أنّ هذه المواقف تغيّرت. فلا تزال مجموعة الدول التي يشير إليها العديد من الإسرائيليين باسم “التحالف السُّنّي” تسعى إلى تحقيق التوازن في علاقاتها مع إيران وإسرائيل، وحماية اقتصاداتها وأمنها، وتجنّب صراع إقليمي أوسع نطاقاً. ومن المرجّح أن تستمرّ في إعطاء الأولوية لإنهاء الحرب الكارثية في غزة على مواجهة إيران. ولكن مع تصاعد التوتّرات بين إيران وإسرائيل، باتت حماسة الدول العربية لتسريع عملية التكامل الإقليمي لإسرائيل رهناً أكثر من أيّ وقت مضى باستعداد إسرائيل لقبول إقامة الدولة الفلسطينية”.

بين واشنطن وطهران

وفقاً للباحثتين، تحرص الدول العربية على العمل مع كلّ من طهران وواشنطن. وفي رأيهما أنّ الجهود العربية لمواجهة إيران كانت مدفوعة بالرغبة في الحفاظ على علاقاتها مع الولايات المتحدة، وليس الانحياز بشكل أوثق إلى إسرائيل. يسعون إلى تعميق تعاونهم مع واشنطن، ولا يرون أيّ مصدر بديل لنوع الأمن الذي توفّره الولايات المتحدة. وفي الأشهر الأخيرة واصلت دول الخليج، وكذلك مصر والأردن، تشجيع واشنطن على المساعدة في إدارة الديناميكيات الأمنيّة في الشرق الأوسط، واحتواء أنشطة إيران التخريبية، ومنع نشوب حرب إقليمية أوسع. ويظلّ إنهاء الحرب في غزة أولوية إقليمية ملحّة، وتعمل الدول العربية على خطّة سلام مع إدارة بايدن.

المصالح المستقبليّة

ترجّح الباحثتان أن تحاول الدول العربية الحفاظ على هذا التوازن، والنأي بنفسها عن المزيد من الأعمال الهجومية الإسرائيلية ودعوة جميع الأطراف إلى ضبط النفس، وكتبتا: “تشارك العديد من الدول العربية مخاوف إسرائيل بشأن أنشطة إيران الإقليمية، وخاصة دعمها للميليشيات غير الحكومية. لكنّ دول الخليج على وجه الخصوص، اعتبرت بوضوح أنّ فتح حوارات دبلوماسية مباشرة، وممارسة الضغط من خلال الحوافز الاقتصادية، وممارسة دبلوماسية القنوات الخلفية مع طهران هي الطرق الأكثر أماناً لحماية مصالحها ومنع امتداد الصراع. وبغضّ النظر عن مدى تصاعد الصراع الإيراني الإسرائيلي، فمن المستبعد أن تتراجع الدول العربية عن هذه الأشكال من المشاركة. فقد تسارعت جهودهم لتطبيع العلاقات مع إيران منذ بدأت حرب غزة، في حين تعثّرت محاولاتهم لتطبيع العلاقات مع إسرائيل”.

الشرق الأوسط

تستبعد الباحثتان أن يستمرّ التطبيع العربي الإسرائيلي في هذا المناخ، وأن يقترب التعاون العربي مع واشنطن من مستوى التحالف الدفاعي الرسمي في أيّ وقت قريب، إذ سيتطلّب هذا مواءمة أفضل للأنظمة الدفاعية في الدول العربية، فضلاً عن قدر أكبر من الثقة، وكلاهما مفقود في الشرق الأوسط وسيستغرق بناؤهما وقتاً طويلاً”. وترجّحان “أن تعارض الدول العربية أيّ هجمات مباشرة على إيران من شأنها أن تزعزع استقرار التوقّعات الاقتصادية الهشّة في المنطقة أو تؤدّي إلى هجوم إيراني مضادّ في الخليج”. وتعتبران أنّه “على الرغم من أنّ الدول العربية لديها مصلحة في الحفاظ على علاقات دفاعية وثيقة مع واشنطن، إلا أنّها لا تريد الانضمام إلى كتلة تعمل بشكل واضح ضدّ إيران وداعميها العالميين، مثل روسيا. بل تفضّل الموازنة بين علاقاتها الإقليمية والعالمية المتعدّدة، وليس حرق الجسور”.

تعتقد الباحثتان أنّه يمكن للدول العربية أن تلعب دوراً حاسماً في منع المزيد من التصعيد بين إيران وإسرائيل. وتعتبران أنّ “تعزيز خطوط الاتّصال بين البلدين وإنشاء خطوط ساخنة لإدارة الأزمات أصبحا أكثر أهمية من أيّ وقت مضى، خاصة أنّ عدداً من الدول العربية لديها علاقات مع كلّ من إيران وإسرائيل، ويمكنها الاستفادة من هذه العلاقات لتشجيع ضبط النفس والمساعدة في تمرير الرسائل بين الجانبين، والعمل على منع الصراع أو تخفيف الضرر”. وتقترحان “أن تعمل دول الشرق الأوسط من أجل تحقيق الاستقرار في المنطقة على إنشاء منصّة خاصّة بها للحوار المنتظم الذي يكون مفتوحاً للمشاركة الإيرانية والإسرائيلية”.

وتدعوان الباحثتان أخيراً إلى “التخفيف من التوقّعات بشأن التعاون الوثيق بين الدول العربية وإسرائيل”. وتؤكّدان أنّ “التجمّعات الإقليمية الرفيعة المستوى، التي تعلن المشاركة السياسية للدول العربية مع إسرائيل، ليست واردة ما لم تنهِ إسرائيل حربها على غزة”، وأنّ الاستراتيجية الأكثر واقعية على المدى القريب. هي إعطاء الأولوية لدعم قدرة هذه الدول على التوسّط ومنع الصراعات المستقبلية بين إيران وإسرائيل.