السعودية الجديدة.. بين النقاب والبكيني

السعودية الجديدة.. بين النقاب والبكيني

المصدر: نيويورك تايمز
6 حزيران 2024

بعدما قضى شهرا يجوب بالسيارة ما يزيد عن 8000 كيلومتر في مختلف مناطق السعودية مترامية الأطراف، وثق صحافي أميركي تجربته السياحية في المملكة التي تتطلع للانفتاح على العالم واستقطاب ملايين الزوار الدوليين. المحرر والمصور في قسم السفر بصحيفة “نيويورك تايمز”، ستيفن هيلتنر، نشر تقريرا مطولا عن تجربته السياحية في السعودية من جنوبها إلى شمالها بعنوان “مفاجئ ومقلق وسريالي: التجوال داخل المملكة العربية السعودية”.

كتب هيلتنر أنه “في جميع أنحاء السعودية، رأيت مشروعات لا تعد ولا تحصى يتم بناؤها، من المتاحف البسيطة إلى المنتجعات الراقية”، مضيفا أنها “الثمار المبكرة لاستثمار بقيمة 800 مليار دولار في قطاع السفر، وهو في حد ذاته جزء من جهد أكبر بكثير يتمثل في رؤية 2030، لإعادة تشكيل المملكة وتقليل اعتمادها الاقتصادي على النفط”.

يقول الصحافي: “وللتعرف على هذه المشاريع والتغيرات التي تتكشف في المجتمع السعودي، قضيت شهرا في استكشاف المملكة بالسيارة”، مردفا: “سافرت وحدي، دون مرافق أو سائق أو مترجم”. ويمضي قائلا: “باعتباري رجلا غربيا يسهل التعرف عليه، تنقلت عبر البلاد متمتعا بمجموعة من المزايا: لطف الغرباء وفضولهم المبهج، وسهولة المرور عند نقاط التفتيش العسكرية، وحرية التفاعل مع مجتمع يهيمن عليه الذكور في الأسواق والمتاحف والحدائق والمطاعم والمقاهي”.

التأشيرة خلال دقائق

ويعتبر استقطاب الزوار الدوليين من الأمور المركزية في التحولات التي يقودها ولي العهد الأمير محمد بن سلمان البالغ من العمر 38 عاما. وبحسب التقرير، فإنه يمثل تغييرا جذريا في بلد لم يصدر، حتى عام 2019، أي تأشيرات سياحية غير دينية، وبدلا من ذلك كان يقدم خدماته بشكل شبه حصري للحجاج المسلمين الذين يزورون مكة والمدينة.  وعلى النقيض من ذلك، في شباط الماضي، تمت الموافقة على تأشيرة السياحة الإلكترونية الخاصة بمحرر “نيويورك تايمز” عبر الإنترنت، خلال دقائق.

يضيف هيلتنر: “ارتبطت المملكة منذ فترة طويلة بالتطرف الإسلامي وانتهاكات حقوق الإنسان واضطهاد المرأة، وقد خطت خطوات واسعة في السنوات الأخيرة لإعادة تشكيل مجتمعها وسمعتها في الخارج”. ويتابع قائلا: “تم تجريد الشرطة الدينية سيئة السمعة من سلطتها. كما أن الحفلات الموسيقية العامة، التي كانت محظورة في السابق، أصبحت الآن منتشرة في كل مكان. ومُنحت النساء حقوقا جديدة بما في ذلك حرية القيادة والسفر دون إذن من ولي أمر ذكر، ولم يعد مطلوبا منهن ارتداء عباءات تصل إلى الأرض في الأماكن العامة أو تغطية شعرهن”.

ويقول إن “هذه التغييرات جزء من مجموعة واسعة من الاستراتيجيات لتنويع اقتصاد المملكة، ورفع مكانتها في العالم وتلطيف صورتها”. وتأمل السعودية في جذب 70 مليون سائح دولي سنويا بحلول عام 2030، إذ تسعى لأن تساهم السياحة بنسبة 10 بالمئة من ناتجها المحلي الإجمالي.  وفي عام 2023، سجلت البلاد 27 مليون سائح دولي، وفقا للأرقام الحكومية، حيث ساهمت السياحة بحوالي 4 بالمئة من الناتج المحلي الإجمالي.

البداية من جدة

ويسرد هيلتنر تفاصيل جولته قائلا: “بدأت رحلتي في جدة، حيث قضيت فيها يومين لاستكشاف منطقتها التاريخية، ثم استأجرت سيارة وقمت بالقيادة لمدة 8 ساعات شمالا إلى العلا، وهي معيار للمبادرات السياحة السعودية الجديدة”. ومثل “بترا” الشهيرة بالأردن، تضم العلا في شمال غرب السعودية العديد من المواقع التي تعود إلى حقبة ما قبل الإسلام، حيث تم بناء مدينة الحِجر على يد الأنباط، شعب قديم ازدهر منذ 2000 عام. ومن المتوقع أن تكون العلا قادرة على استقبال ما بين 1,5 و2,5 مليون زائر سنويا، وفقا للسلطات السعودية.

وفي أقصى الشمال الشرقي، وراء منطقة الحِجر، تقع محمية “شرعان” الطبيعية، وهي منطقة واسعة تستخدم لجهود الحفاظ على البيئة.

ومنذ وقت ليس ببعيد، كان بإمكان الزوار الاستعانة بمرشدين خاصين والتجول في المنطقة سيرا على الأقدام، والتسلق داخل وخارج المقابر العديدة، مما يؤدي بلا شك إلى إلحاق الضرر بها، وفقا لهيلتنر. لكن هذا اختلف الآن، وفقا للصحفي، الذي يقول إنه استقل حافلة سياحية مكيفة مرت بمعظم الأماكن الأثرية، لكنها توقفت في 4 مواقع فقط.

“الكحول قانوني بنهاية العام”

واستمر صحفي السفر في توثيق زيارته للعلا بتوثيق ما وصفه بـ “تذوق خصوصية” هذه المدينة من خلال حضوره حفلا غنائيا للفنانة الأميركية، لورين هيل، في قاعة “مرايا”. ويستطرد بقوله: “للوصول إلى القاعة، مررت عبر بوابة أمنية حيث قام أحد المرافقين بفحص تذكرتي الإلكترونية ووجهني على بعد أكثر من 3 كيلومترات عبر طريق متعرج إلى قلب وادي عشار، موطن العديد من المطاعم والمنتجعات الراقية”.

ويتابع: “عند المنعطف الأخير، شعرت كما لو أنني وقعت في صورة تم إنشاؤها بواسطة الكمبيوتر: كان البشر بحجم النمل يتضاءلون أمام بنية عاكسة تؤكد نفسها وتندمج في المشهد الطبيعي. وفي الداخل، كان النوادل يقدمون المقبلات والكوكتيلات ذات الألوان الزاهية لحشد من الشباب الأنيقين”.

ويستمر الصحفي في سرد رحلته الطويلة: “بعد العلا، توجهت بالسيارة إلى أحد المشاريع باهظة التكلفة في المملكة: مشروع البحر الأحمر، الذي وُصف بأنه الوجهة السياحية المتجددة الأكثر طموحا في العالم”.

ويردف بقوله: “بعد أن اجتزت عوائق حركة المرور المتعلقة بالبناء، استقليت يختا – برفقة مجموعة مرحة من الشخصيات السعودية- وتمت قيادتي على بعد حوالي 24 كيلومترا إلى جزيرة نائية، حيث نزلت في عالم من البذخ (..) بفندق سانت ريغيس”، وهو أحد المنتجعات الفخمة بمنطقة البحر الأحمر. وعبر عربة غولف كهربائية مرورا بـ43 فيلا شاطئية، انتقل هيلتنر لمقر إقامته في المنتجع على طول ممرين طويلين يربطانه بـ47 فيلا “مرجانية” مبنية فوق المياه الفيروزية الضحلة. ومتذكرا حديث مساعد المدير التنفيذي للمنتجع، لوكاس جوليان فوزيل، عن الاستدامة، الذي قال إن المنشأة تستخدم “الطاقة المتجددة بنسبة 100 بالمائة، وشبكة الجيل الخامس التي تعمل بالطاقة الشمسية، لتعزيز الموائل المتنوعة بيولوجيا”.

ويقول هيلتنر إن “المنتجع مثير للإعجاب بلا شك”، لكنه رصد مفارقة في هذا الفندق الفخم المبني وسط البحر.

ومع ذلك، يقول الصحافي الأميركي إن “شيئا آخر أذهلني أيضا: كان المكان خاليا تقريبا، باستثناء الموظفين والمؤثرين السعوديين”. ويتابع: “من المؤكد أن المنتجع كان للتو قد افتتح (في الشهر الماضي من زيارته)، ولكن الشيء نفسه كان موجودا في فندق سيكس سنسز ساوثرن دونز القريب، وهو منتجع داخلي على البحر الأحمر تم افتتاحه في تشرين الثاني”.

وينقل هيلتنر عن مدير المطاعم بفندق “سانت ريغيس”، كيث ثورنتون، قوله إنه يتوقع أن “يقدم المنتجع المشروبات الكحولية بشكل قانوني بحلول نهاية العام”.

ولا تزال السعودية تحظر بيع واستهلاك الكحول، رغم أنها افتتحت مؤخرا، متجرا لبيع المشروبات الكحولية للدبلوماسيين غير المسلمين في الرياض.

ويقول هيلتنر إن التغييرات الاجتماعية في السعودية كانت “أكثر وضوحا” في المدن الكبرى والمراكز السياحية.

ووصفت حنين القاضي، وهي موظفة في فندق “سانت ريغيس” البحر الأحمر، كيف أن النساء هناك يتمتعن بحرية ارتداء البكيني دون خوف من التداعيات، حسبما نقل التقرير. كذلك، تحدثت غيداء طارق، وهي مساعدة مدير التسويق في العلا، كيف ظهرت فرص مهنية جديدة لها خلال السنوات الأخيرة بسبب التغييرات الاجتماعية.

ولكن خارج هذه الأماكن، كما يقول الصحافي، “كنت أحيانا أمضي أياما دون أن أرى نساء لا يرتدين النقاب دائما، ناهيك عن رؤيتهن منخرطات في الحياة العامة أو السياحة”.

وعما إذا كانت رحلته آمنة، يقول هيلتنر إن “الجرائم الصغيرة في السعودية نادرة للغاية”، لافتا إلى أن خط سير رحلته “تمت الموافقة عليه من قبل خبير أمني”.

ويقول إنه خلال رحلته “غالبا ما انشغل بكيفية تصوير مكان يثير مجموعة من المشاعر المتضاربة: الفرح والضيق، والإثارة والخوف، والصدق والشك”.