
أميركا حذّرت تل أبيب من هجوم إيراني يصعب صدّه… وطهران قلقة من السعي لاغتيال نصرالله
بفيديو من نحو 9 دقائق ونصف دقيقة، بعنوان «هذا ما رجع به الهُدْهُد» ردّ «حزب الله» و«ع الطاير» على رسالةِ التحذير الأكثر جدية منذ 8 أشهر التي حَملها الموفد الأميركي آموس هوكشتاين من اسرائيل إلى بيروت تحت عنوان «الوقت يَنْفذ» والتي راوحتْ بين: «إما انسحاب الحزب إلى ما وراء الليطاني الآن وإمّا الحرب»، و«إما اتفاقٌ مبدئي الآن لإنهاء الأعمال العدائية على جبهة الجنوب متضمِّناً تَراجُعاً عن الحدود أو ترتيباتٍ تتعلّق بالمَظاهر المسلّحة على أن يكون تنفيذُه مرتبطاً بوقف إطلاق النار في غزة، وإما حرب أكبر».
ولم يكن جفّ بعد كلامُ هوكشتاين الذي جاء تَحَرُّكه العاجِل على وقع الاتساع المتمادي لـ «ملعب النار» على مقلبي الحدود اللبنانية – الاسرائيلية، والذي أطلّ من عين التينة بعد لقاء رئيس البرلمان نبيه بري متحدّثاً بنبرة جدية وقلِقة غير مسبوقة في كل زياراته للبنان منذ اشتعالِ جبهة الجنوب في 8 أكتوبر، وبلغةِ «الزمن الحرِج والدقيق جداً» و«الوضع في غاية الخطورة» و«الصراع على طول الخط الأزرق استمرّ بما يكفي ومن مصلحة الجميع إنهاء الصراع الآن عبر المسار الديبلوماسي»، حتى عاجَل «حزب الله» الموفدَ الأميركي ومن ورائه اسرائيل بالحلقة الأولى من فيديو لمسيَّرةٍ نجحت في أخطر اختراقٍ للعمق الاسرائيلي وتحديداً منطقة حيفا، ومواقع عسكرية وصناعية مهمة واستراتيجية وثّقها الحزب وبعضها التقط لها صوراً «حيّة» ومتحرّكة.
… من نقطة مجمع الصناعات العسكرية شركة «رفائيل» التي وصفها «الإعلام الحربي» بأنها «منطقة بالغة الحساسية والسرية وتبعد 24 كيلومتراً عن الحدود مع لبنان»، مروراً بـ «الكريوت» وهو «تكتل عمراني سكاني عالي الكثافة يحاذي ساحل خليج حيفا ويقع شمال المدينة المحتلة»، إلى منطقة ميناء حيفا «التي تضم قاعدة حيفا العسكرية، وهي القاعدة البحرية الأساسية في الجيش الإسرائيلي، ميناء حيفا المدني، محطة كهرباء حيفا، مطار حيفا، خزانات نفط، منشآت بتروكيميائية»… مثلث قارَع به «حزب الله» التهديدات الاسرائيلية التي ضجّت خلف «الأبواب المغلقة» على شكل رسائل حملها هوكشتاين وتقاطعت عند أن تل أبيب تعتبر أن بقاء الوضع على ما هو سيجعل «التصعيد حتمياً»، حتى بدا الحزب وكأنه حدّد لاسرائيل «بنك أهداف» مصوَّراً وبإحداثياتٍ «لا تخطىء» بحال اختارتْ توسيع الحرب أو اعتبرت أن «وَهْجَ» التهديدِ بها كفيل بانتزاعِ تنازلاتٍ نهائية «ولو بالأحرف الأولى» في زمنِ «الأرض المتحركة» في غزة كما جنوب لبنان.
ولم يتأخر «الهدهد» التي ذكر خبراء أنها مسيّرة «كهربائية بلا بصمة حرارية أو صوتية ولديها القدرة أن تحمل مجموعة متنوّعة من الكاميرات، وصوتها منخفض» والتي أسقطت قناة «المنار» عليها صفات طائر الهدهد «السريع جداً في الطيران، ويتحمّل الظروف الصعبة، ذكي ومراوغ، ولديه قابلية التخفّي»، في أن تُحْدِث صدمة في اسرائيل حيث وصف الإعلام الإسرائيلي المَشاهد التي بثّها «الإعلام الحربي» بالخطيرة و«تُظْهِر بشكلٍ واضح مرفأ حيفا الذي تم تصويره من مسيّرة تابعة لحزب الله»، معتبراً «أن الوثائق الجديدة التي نشرها الحزب هي الأكثر إثارة للقلق منذ بداية الحرب وفيها يمكن رؤية حيفا»، ومذكّراً بأنه «تم إطلاق إنذار كاذب في منطقة ميناء حيفا، قبل أسبوع» ومضيفاً «ميناء حيفا صُوّر من الجو من قبل “حزب الله من دون أدنى إزعاج».
وإذ أقرت إذاعة الجيش الإسرائيلي بأن الفيديو «يتضمن مكاتب هيئة تطوير الأسلحة في خليج حيفا»، حرص «حزب الله» في الشريط على تحديد نقاط تَمَرْكُز منصات القبة الحديدية ومقلاع داوود حول «مجمع الصناعات العسكرية – شركة رفائيل» مع توثيقٍ لمكان وجود «نفق اختبار محركات صاروخية» و«مخازن محركات صاروخية» و«مخازن صواريخ الدفاع الجوي» و«مصانع أنظمة التحكّم والتوجيه» وغيرها من النقاط الحساسة.
وفي حين جاء تصويرُ التكتل العمراني «الكريوت» (يضم نحو 260 ألف مستوطن) بالشوارع والمباني والمجمعات التجارية وأبراج حدائق ابراهام، مدججاً بالرسائل النفسية للمستوطنين في العمق الاسرائيلي، فإن الأخطرَ كان كشْف منطقة ميناء حيفا بالكامل، من رصيفيْ الكرمل ومرزاحي، إلى مبنى قيادة وحدة الغواصات، وقاعدة حيفا العسكرية والمنشآت البتروكيمائية وخزانات النفط ومطار حيفا ومحطة الكهرباء، والأهمّ سفن ساعر 6 وساعر 5 (سبق ان استهدفها الحزب ابان حرب يوليو 2006) وساعر 4.5 خلال رسوها في الميناء، وهو ما انطوى على أبعاد بالغة الخطورة، ووُضع في إطار ترسيم معادلات ردعٍ بـ «الأحمر العريض» ليس أقلّها أن حيفا مقابل اي توسيع للحرب في اتجاه شمال الليطاني، وليس بيروت التي تحكمها معادلات أخرى ليس أقلها تل أبيب وما بعد.
هوكشتاين… بين ناريْن
وفيما كشفت تقارير (قناة الحدث) أن هوكشتاين تبلّغ في لبنان أن حزب الله، الذي يتمسك بعدم فصل جبهة الجنوب عن غزة، يعلم بقرار اسرائيل «شنّ الحرب وأن الكرة بملعب إسرائيل لتجنّبها»، لم يكن ينقص مهمة الموفد الأميركي لـ «تحترق» بالكامل وينفتح تالياً البابَ أمام أخطر السيناريواتِ التي عمّقها تَصاعُد التقديرات العسكرية في اسرائيلي بأن «الحرب مع حزب الله لا مفر منها» – وذلك بمعزل عما إذا كانت الحرب ستحقق أياً من أهدافها المعلَنة أو هل ستكون إسرائيل قادرة على التحكم بما بعد الضغط على زر التفجير الكبير – من أن تعود جبهة الجنوب إلى الاشتعال الأعلى بعد نحو 72 ساعة من «مواجهاتٍ من جانب واحد» تَرَكَ معها الحزب لاسرائيل أن تقوم باعتداءاتٍ تَفادى الردَّ عليها.
وقد اختارَ «حزب الله» استنئاف عملياته خلال وجود هوكشتاين في بيروت، بدءاً باستهدافه دبابة «ميركافا» داخل موقع حدب يارين بمسيّرة انقضاضية، قبل أن يُرصد إطلاق صليتي صواريخ نحو مواقع إسرائيلية في الشمال ترافقت مع دوي صفارات الانذار جديدة في «أدميت»، «غورين»، «يعرا»، «حانيتا»، عرب العرامشة، «ليمان»، و«شلومي» في الجليل الغربي.
وإذ أكد «حزب الله» بعد الظهر إنه شنّ هجوماً جوياً بسرب من المسيّرات على موقع عسكري إسرائيلي في منطقة «نافه زيف» (الجليل الغربي)، فإن تقارير اسرائيلية أشارت الى أن القبة الحديدية لم تتمكن من إسقاط كل الصواريخ التي كانت اُطلقت على الجليل الغربي حيث وصل بعضها إلى أهدافها ما ادى إلى اشتعال النيران. وقد ذكرت صحيفة «يديعوت أحرونوت» أن فرق الإطفاء تعمل على إخماد حريق تسبب به أحد الصواريخ الذي سقط في مناطق مفتوحة قرب المطلة عند الحدود مع لبنان، في الوقت الذي تحدثت تقارير عن وقوع جرحى في المقلب الاسرائيلي.
وترافق ذلك مع 3 غارات شنّتها اسرائيل للمرة الأولى على منطقة البرغلية (صور) حيث استهدفت على 3 دفعات سيارتين ودراجة نارية، وفي المرة الثانية أدى الاعتداء الى جرح 8 مدنيين، في الوقت الذي أعلن الجيش الإسرائيلي عن إجراء مناورة عسكرية شاملة وسريعة في كريات شمونة تمتدّ لثلاث ساعات (أمس).
وعلى المستوى السياسي برز تأكيد المتحدث باسم الحكومة الإسرائيلية «سنحيّد قدرات حزب الله سواء كان عسكرياً أو ديبلوماسياً»، وأضاف: «سيعود مواطنو شمال إسرائيل لمنازلهم بالطرق العسكرية أو الديبلوماسية، وحزب الله، بتوجيهات إيرانية، يتحمل مسؤولية ما يجري على الحدود».
وفي ما بدا إشارة تَشدُّد بإزاء جانب من مهمة هوكشتاين يقوم على ربْط التهدئة في جنوب لبنان في مرحلتها الأخيرة باتفاقٍ حدودي يكون كفيلاً بتوفير حل مستدام، قال المتحدث باسم الحكومة الاسرائيلية إن «لا نزاع حدودياً مع لبنان وفق الأمم المتحدة».
هوكشتاين بلغة الآن وليس غدا
وقبل أن تقع مهمة الموفد الأميركي «بين ناريْ» تصعيد «حزب الله» واسرائيل، فهو كان وَصَفَ الوضعَ على طول الخط الأزرق بأنه «خطير للغاية»، وقال إن هذا هو السبب الذي دفع الرئيس الأميركي جو بايدن إلى إرساله إلى لبنان.
وصرح هوكشتاين من عين التينة بعدما كان التقى قائد الجيش العماد جوزف عون «اننا نمر بأوقات صعبة ونريد حلولاً حاسمة للوضع على الحدود»، وقال: «ان الاتفاق الذي حدده الرئيس بايدن في 31 مايو 2024 والذي يتضمن إطلاق للرهائن ووقفاً دائماً لاطلاق النار وصولاً لإنهاء الحرب على غزة، قُبِل من الجانب الاسرائيلي ويحظى بموافقة قطر، ومصر ومجموعة السبع، ومجلس الأمن الدولي. ان هذا الإتفاق ينهي الحرب على غزة ويضع برنامج انسحاب للقوات الاسرائيلية، فاذا كان هذا ما تريده حماس عليهم القبول به».
وأضاف: «ان وقف أطلاق للنار في غزة ينهي الحرب، و/ أو حلّ سياسي آخَر ينهي الصراع على جانبي الخط الأزرق سيخلق ظروفاً لعودة النازحين الى منازلهم في الجنوب وكذلك الأمر للمدنيين على الجانب الآخر. ان الصراع على جانبي الخط الأزرق بين حزب الله وإسرائيل طال بما فيه الكفاية وهناك أبرياء يموتون وممتلكات تدمر وعائلات تتشتت والاقتصاد اللبناني يُكمل انحداره والبلاد تعاني ليس لسبب جيد، لمصلحة الجميع حل الصراع بسرعة وسياسياً وهذا ممكن وضروري وبمتناول اليد».
ورداً على سؤال أكد «ان من مصلحة الجميع إنهاء الصراع الآن، وهناك مسار ديبلوماسي للحل، والوضع خطير للغاية».
وبعد لقاء رئيس الحكومة نجيب ميقاتي رفض هوكشتاين تأكيد أو نفي أن يكون نقل رسالة التهديد الاسرائيلية حول «انسحاب حزب الله إلى ما وراء (جنوب) الليطاني أو الحرب»، وأعلن «نمر باوقات خطيرة ولحظات حرجة ونحن نعمل سوياً لنحاول ان نجد الطرق للوصول الى مكان نمنع فيه المزيد من التصعيد كما ذكرت في تصريحي السابق».
أما ميقاتي فأكد أن «لبنان لا يسعى الى التصعيد، والمطلوب وقف العدوان الاسرائيلي المستمر على لبنان والعودة الى الهدوء والاستقرار عند الحدود الجنوبية»، وقال: «نواصل السعي لوقف التصعيد واستتباب الامن والاستقرار ووقف الخروق المستمرة للسيادة اللبنانية واعمال القتل والتدمير الممنهج التي ترتكبها اسرائيل».
وشدد على أن «التهديدات الاسرائيلية المستمرة للبنان، لن تثنينا عن مواصلة البحث لارساء التهدئة، وهو الأمر الذي يشكل أولوية لدينا ولدى كل أصدقاء لبنان».
تحذير أميركي وقلَق إيراني
وسبق وصول هوكتشاين الى بيروت تحذيره إسرائيل خلال لقاءاته مع مسؤوليها يوم الاثنين من هجوم إيراني محتمل «يصعب صدّه»، جراء استمرار المواجهة بين تل أبيب و«حزب الله» اللبناني.
ونقلت صحيفة «هآرتس» ان هوكشتاين «حذّر من احتمال أن تؤدي الحرب مع حزب الله إلى هجوم إيراني واسع النطاق على إسرائيل، سيكون من الصعب على أنظمة الدفاع الإسرائيلية صده، يترافق مع احتمال نيران واسعة النطاق من قبل حزب الله في لبنان»، وقالت: «يأمل المبعوث الأميركي استغلال فترة التوقف في تبادل إطلاق النار بين حزب الله وإسرائيل (يادت من جانب الحزب لمناسبة عيد الأصحى) لمحاولة وضع إطار لاتفاق وقف إطلاق النار في المستقبل بين الجانبين»، وتداركت: «لكنه أوضح لكل مَن التقى بهم في إسرائيل، أنه لا يمكن تنفيذ مثل هذا الاتفاق إلا بعد إعلان وقف النار الرسمي في غزة».
وأضافت: «يأمل هوكشتاين أنه إذا تم إنجاز العملية البرية الإسرائيلية في رفح جنوب القطاع خلال أسبوعين أو ثلاثة أسابيع، فإن ذلك سيؤدي أيضاً إلى خفض حدة النيران بين إسرائيل وحزب الله في الشمال».
وفي سياق متصل، ذكرت صحيفة «يديعوت أحرونوت» أن إيران حذّرت حزب الله اللبناني من احتمال أن تقوم إسرائيل باغتيال أمينه العام السيد حسن نصرالله.
وتابعت ان مبعوثاً إيرانياً وصل الى بيروت فور اغتيال قائد وحدة «نصر» التابعة لحزب الله في جنوب لبنان طالب سامي عبدالله، والتقى مقربين من نصر الله في غرفة مغلقة لإبلاغهم بقلق إيران من أن إسرائيل تستهدف نصر الله نفسه.
وحسب الصحيفة فإنه طالما كان مفهوماً أن حزب الله يعتقد أن إسرائيل لا تنوي القضاء على نصرالله، على مدار 32 عاماً من قيادته للحزب، معتبرة «أن التقارير التي تسمي أحياناً خلفاء محتملين تزعج نصر الله على الأرجح، حيث يشتبه في أن تل أبيب تسرب هذه المعلومات لإضعافه وخلق توتر داخلي في قيادة حزب الله».
وكتبت «يديعوت أحرونوت»، إن «الموساد يعرف على ما يبدو الموقع الدقيق لنصر الله في جميع الأوقات حتى لو غيّر أماكن تواجده، وحتى نصر الله نفسه يعرف أن إسرائيل يمكن أن تصل إليه ولكنها تحجم عن ذلك».