
«الحزب» توعّد إسرائيل ووَعَد بالإعمار ورسم إطاراً لمسار الحرب والتفاوض
شكّلت ذكرى عاشوراء مناسبةً عَكَسَ إحياؤها في الشكل جانباً من الارتدادات الأمنية للحرب الدائرة في جنوب لبنان، فيما اختزلتْ مواقف الأمين العام لـ «حزب الله» السيد حسن نصر الله «ما سيكون» على هذه الجبهة التي تَشهد سباقاً بين تصعيدٍ يُخشى أن يتغذّى من تعثّر مفاوضات الهدنة في غزة وبين مَساعي تهدئةٍ تصطدم بغموضٍ متعمّد يلفّ مرتكزاتها التي تريدها تل أبيب على قاعدة «استحالة» العودة لستاتيكو 7 أكتوبر وبقاء الحزب وكأنه «تحت نافذة» مستوطنات الشمال وسكانها، في حين لا يبدو الأخير حتى الساعة مستعدّاً للبحث في أي مساراتٍ شمولية الطابع وخارج استعادة وضعية «الجبهة النائمة» متى أُقرّ وقف النار في القطاع وذلك بانتظار «التتمات» في «ملعب النار» الأصلي بحال بلوغ اتفاقٍ حوله.
وفي حين غابت المسيرات العاشورائية عن قوى الحافة الحدودية في جنوب لبنان، وأيضاً عن صور والنبطية ربطاً بمجريات المواجهة مع اسرائيل وربما أيضاً لتخفيف عبء الحاجة الى تنفيذ إجراءات وقائية وأخرى لمواكبة الحشود في هذه المناطق في الوقت الذي يتركّز الجهد الحربي على الجبهة واحتمالاتها المفتوحة، برز في المسيرة الكبرى التي نظمها «حزب الله» في الضاحية الجنوبية لبيروت ظهور عناصر أمنية (من الحزب) مزدوّدين بأجهزة رصد وتشويش ضدّ المسيَّرات التي سبق لإحداها أن اخترقت «عاصمة الحزب» (الضاحية) في يناير الماضي واغتالت صالح العاروري نائب رئيس المكتب السياسي لـ «حماس» واثنين من قادة «كتائب القسام» في هجوم على مبنى كانوا يجتمعون فيه.
وفي موازاة الجانب الأمني من مَسيرة الضاحية وإجراءاتِ التحوط من «حزب الله»، حَمَلت مواقف نصر الله – التي ترافقت مع هدوء بارز لفّ جبهة الجنوب طوال نهار أمس وصَمَدَ حتى أولى ساعات المساء – مجموعة رسائل متعددة الاتجاه، نحو اسرائيل والمفاوضين على جبهة لبنان كما بعض الداخل اللبناني، حيث أكد «أنّ جبهة إسنادنا ستستمر ما دام العدوان مستمراً على غزة، ولن نتوقف على الإطلاق»، معلناً «ان مستقبل الوضع في الجنوب سيتقرّر في ضوء نتائج هذه المعركة التي ستنتصر فيها جبهات المقاومة إن شاء الله».
وعلى وقع تهديدات اسرائيل بحرب واسعة على لبنان، توعّدها الأمين العام لـ «حزب الله» بأنه «إذا جاءت دباباتكم إلى لبنان وإلى جنوب لبنان لن تُعانوا من نقص في الدبابات لأنّه لن تبقى لكم دبابات»، لافتاً إلى أنه «في حال توقف العدوان وستأتي الوفود المفاوضة لتفاوض على مستقبل الجنوب، فإنّ الجهة التي تُفاوض باسم لبنان هي الدولة، وأبلغنا كل من اتصل بنا أنّ الجهة المعنية بالتفاوض وبإعطاء الأجوبة هي الدولة»، جازماً بأن «كل ما يُشاع عن اتفاق جاهز للوضع عند الحدود الجنوبية هو غير صحيح، لم يتم حتى الآن أي اتفاق، هناك مسودات، هناك أفكار، هناك طروحات، هذا متروك للوقت».
وإذ أكد «أن أميركا تتحمّل مسؤولية كاملة عن الجرائم والمجازر التي يرتكبها العدو الإسرائيلي من خلال الدعم السياسي والمعنوي والمادي والعسكري الكامل وتزويده بالسلاح والقنابل والصواريخ والأطنان المتفجرة»، شدد على «مواصلة جبهات الإسناد لجهادها وقتالها وعملها وهذا ما يُعلنه إخواننا دائماً في اليمن وفي المقاومة الإسلامية في العراق».
وفي الجبهة اللبنانية، شدد على «ان جبهتنا لن تتوقف ما دام العدوان مستمراً على قطاع غزة وأهلها ومقاومتها بأشكاله المختلفة، وأنّ التهديد بالحرب لم يُخفنا منذ عشرة أشهر عندما كانت إسرائيل في عزّ قوّتها كما يُقال، عندما كانت إسرائيل لا تُعاني لا من نقص في القادة ولا من نقص في الجنود ولا من نقص في الدبابات ولا من نقص في الذخيرة، وعلى مدى عشرة أشهر هُدّدنا وهُوّل علينا بالحرب ولم نتردّد ولم نتراجع ولم نتوقف».
وتوقف عند «تمادي العدو باستهداف المدنيين في الأيام القليلة الماضية، شهيدان مدنيان في كفركلا، ثلاثة شهداء أخ وشقيقتاه في بنت جبيل، شهيدان مدنيان من التابعية السورية بين أرنون وكفرتبنيت، ثلاثة شهداء من الأطفال في أم التوت في القرية القريبة من الحدود، وهذا التمادي ردّت المقاومة عليه ليل الثلاثاء بما يُقارب 120 صاروخاً، واستهدفت كريات شمونة والعديد من المستعمرات، ست، سبع مستعمرات. وأريد أن أقول للعدو إنّ التمادي في استهداف المدنيين سيدفع المقاومة إلى إطلاق الصواريخ واستهداف مستعمرات جديدة لم يتم استهدافها في السابق».
وأعلن أنه «أياً يكن الدعم الذي ستُقدّمه الدولة اللبنانية لأهلنا في القرى في الجنوب خصوصاً في القرى الأمامية، فنحن نؤكد لأهلنا الذين هُدّمت بيوتهم بالكامل أو بشكل جزئي، اننا سنعمل وإياكم يداً بيد وكتفاً بكتف وبكل وضوح نحن نُطْلِق هذا الوعد، كما أطلقناه في السابق، سنعيد إعمار بيوتنا ومنازلنا، سنشيّد قرانا الأمامية كما كانت وأجمل ممّا كانت».
وتم التعاطي مع ما أعلنه نصر الله على أنه بمثابة رسْم إطارٍ مزدوج:
• أولاً لكل المسارات التي يُعمل عليها لجبهة الجنوب، وتتصدّرها مهمة الموفد الأميركي آموس هوكشتاين الذي كان أفيد أنه بقي لفترة في إحدى الدول الأوروبية القريبة ينتظر انقشاَع الرؤية حيال مصير مفاوضات هدنة غزة، باعتبار أن ذلك سيشكل نقطة الانطلاق لعودةٍ فورية الى بيروت واستئناف مهمته بينها وبين تل ابيب على قاعدة ما أشيع عن «اتفاق إطار» بات جاهزاً ليشكل «الزانة» التي سيتم القفز بها فوق «خط النار» الحالي و«الهبوط الآمن» تالياً نحو هدوء ولو انتقاليّ تتعدّد التقارير حول ركائزه، وإن كان من ثوابتها اشتراط اسرائيل تراجُع «حزب الله» ما بين 8 و 10 كيلومترات عن الحدود.
• وثانياً لاحتمالاتٍ باتت مرجَّحة لأن الحرب في غزة «باقية» وقد تتمدّد إلى جبهة لبنان في ظلّ الحُفَر التي تملأ طريق مفاوضات وقف النار في غزة والتي يَمْضي بنيامين نتنياهو في زرْعها متعاطياً مع هذا المسار على أنه بمثابة هدنة لاستعادة الأسرى وإكمال الانقضاض على «حماس» التي تَعتبر في المقابل أنها تفاوض على وقف دائم للحرب والانسحاب الكامل للقوات الإسرائيلية، وإعادة إعمار غزة، والعودة غير المشروطة للفلسطينيين الذين شرّدتهم الحرب.
وفي حين تشخص الأنظار على زيارة نتنياهو لواشنطن التي توجّه إليها وبدء العد العكسي لكلمته أمام الكونغرس، فإن وهجَ الزيارة – وما قد تخرج به – تَراجَعَ مع التطورات الدراماتيكية التي شهدتها الولايات المتحدة منذ محاولة اغتيال الرئيس السابق دونالد ترمب والتي عمّقت متاعب الرئيس الحالي جو بايدن الذي تَكَرّس بعد «الرصاصة المميتة» التي أفْلت منها المرشح الجمهوري بأعجوبةٍ أنه صار بمثابة «الحمار الجريح» كمرشّح للديموقراطيين، وهو ما أبقى على الاقتناع بأن رئيس الوزراء الاسرائيلي لن يسلّف «رئيساً راحلاً» أو يقدّم تنازلاتٍ في الوقت الذي تقترب «حماس» وقوى الممانعة مجدداً من مواجهة وَضْعية «الفيل (الجمهوري) في الغرفة» مع ارتفاع حظوظ ترمب. ويساهم هذا الاقتناع في تعزيز الضبابية حيال إذا كان إبقاء غزة تحت النار حتى نوفمبر الأميركي سيستتبع اندفاعةً كبيرة في اتجاه لبنان أم أن التصعيد على هذه الجبهة سيبقى وفق سقوف تتوسّع ولكن من دون أن تُسقط الخطوط الحمر.
وإذ كانت البنتاغون أعلنت أن مخاوفه من التوتر بين لبنان وإسرائيل «تنبع من احتمال حدوث سوء تقدير قد يشعل صراعاً أوسع لا يريده أحد»، برز ما أوردته صحيفة «معاريف» في تقرير (نشر ترجمته موقع لبنان 24) عن رسالة تهديد جرى نشرها قبل 3 أيام للأمين عام لـ «حزب الله» وتشير إلى أنه سيكون الشخص التالي الذي سيتم استهدافهُ من إسرائيل.
وذكرت «معاريف» أنه تمّ نشْر مقطع فيديو داخل إسرائيل يظهر أحياء غزة المدمرة ليتم بعد ذلك إظهار جانب من مدينة بيروت، ليُضاف تعليق ان الجيش الإسرائيلي قادم إلى هناك قريباً.
وبعد ذلك، يتم إظهار صورة نصرالله ضمن الفيديو، ليتم إرفاق تعليق معها وفيه: «أنت التالي»، وذلك مع إرفاق مشهد لإطلاق رصاصة باتجاه رأسه.