
إعادة إنتاج الماضي لقاء تنفيذ وقف النار!
تدفع مجموعة من الدول الصديقة للبنان إلى إنهاء الفراغ الرئاسي الأسبوع المقبل ليس بسبب حال الجمود المستحكم بالداخل اللبناني ولا باستمرار الانهيار وكذلك الدمار من دون إمكان وصول أي مساعدة للبنان نتيجة عدم إعادة تكوين السلطة فحسب، بل بسبب تهديدين كبيرين: الأول يتصل بالرسالة التي يستمر لبنان في توجيهها إلى الخارج في حال عدم انتخاب رئيس، عن عجزه عن إمساك قراره بنفسه ما قد يوفر ذرائع لإسرائيل للاستمرار في مماطلتها بالانسحاب من الجنوب اللبناني على رغم الضغوط الأميركية والفرنسية لا بل إطالة احتلالها بحكم عدم وجود سلطة جدية وقادرة. والأمر الآخر متصل بواقع أن لبنان لا يتحمّل ترف انتظار التطورات في سوريا التي لم تستقر بعد ويمكن أن تذهب بأيّ اتجاه.
وهناك أسباب كثيرة للخوف من الوضع السوري وما يمكن أن يحمله لا سيما في ظل المؤشرات المتزايدة حول لعب إيران بالنار من خلال استمرار دعوة المرشد الإيراني “الشباب السوري” إلى النهوض ضد الحكومة الجديدة في دمشق قائلاً: “يجب أن يظهر حراك قويّ ومشرّف في سوريا لمواجهة هؤلاء الحكام الجدد” مضيفاً أن “الشباب السوري لا يملكون ما يخسرونه. جامعاتهم ومدارسهم وبيوتهم وشوارعهم غير آمنة. ماذا يجب أن يفعلوا؟ يجب أن يقفوا بقوة ضد من صمّم ونفذ هذا الانعدام للأمان”. فالمكابرة التي تمارسها طهران إزاء خسارتها البالغة لغالبية أوراقها الإقليمية من الورقة الفلسطينية إلى اللبنانية فسوريا يوحي كأن إيران لا تتقبّل واقع الانهزام ولم تستوعب بعد مقدار الخسارة الجسيمة التي لحقت بها، وقد تخاطر بمحاولة إعادة عقارب الساعة إلى الوراء، الأمر الذي ينطوي على تحديات كبيرة على مستوى المنطقة من صراع سني شيعي يمكن أن يتفجر فيها نتيجة لذلك.
وكثر من المراقبين الديبلوماسيين يتابعون هذه المواقف الإيرانية فيما تصدر مواقف أخرى مناقضة لها ولكن الارتباك الإيراني واضح في كيفية اعتماد مقاربة جديدة تحدّ فيها إيران من خسائرها. وينعكس ذلك على “حزب الله” الذي تعهد في اتفاق وقف النار التسليم بواقع جديد لم يصدّق سياسيون كثر أن الحزب ومعه إيران يمكن أن يسلما بذلك فيما يستمر في محاولة دحض ذلك مثيراً من جديد القلق من اشتعال الحرب جنوباً رداً كما يقول على استمرار إسرائيل في انتهاك اتفاق وقف النار.
وهو أمر يناقض في الواقع ما يذهب إليه الحزب من تسليم مبدئي بمسؤولية الدولة اللبنانية كما قال في أوقات سابقة بعد اتفاق وقف النار في الوقت الذي يطالبها بإثبات نفسها، فيما لا يزال في موقع الحكم والحاكم معاً حتى إشعار آخر، إن كان سيتيح لها إثبات نفسها، وهو كان ولا يزال مانعاً للدولة من أن تعيد بناء نفسها وتمارس سلطاتها المفترضة على جميع أراضيها. وهناك من يعتقد بعمق أن تهديدات “حزب الله” بالرد المحتمل على استمرار إسرائيل في انتهاكاتها لا يعني ضرورة قدرته على تنفيذ هذه التهديدات ليس ربطاً بقدراته التي لا تزال موجودة لكن بما قد تستدرجه إليه إسرائيل المتمكنة من جهة وفي زمن إدارة أميركية جديدة توجه الإنذارات المتتالية لحركة “حماس” بالإفراج عن الرهائن الذين تحتجزهم قبل تسلم الرئيس المنتخب دونالد ترامب الرئاسة.
لا تزال قدرة “حزب الله” على تقدير الأمور بنفسه واتخاذ القرارات المناسبة لواقعه بمعزل عن الارتباط بقرار إيران ومصالحها مثار تساؤلات جدية لا سيما في ظل غياب القيادة التاريخية للحزب، علماً بأن إيران تلوّح بمؤشرات في اتجاه تغييرات يتعيّن عليها اتخاذها على غرار ما بدا في اليومين الأخيرين مع إعلان قرارها التفاوض المباشر مع واشنطن في المرحلة المقبلة بالإضافة إلى ما أعلنه الرئيس الإيراني “إذا استطعنا تغيير نظرتنا إلى العالم وحلّ قضايا مثل (قضية فاتف أي المجموعة الدولية لمراقبة العمل المالي) والاتفاق النووي، نحل المشكلات”.
لا يزال الحزب لا بل الثنائي الشيعي في الدرجة الأولى وقوى سياسية أخرى تتعامل مع الوضع بالأدوات القديمة نفسها، وهم لا يرغبون في أن يتغيروا كذلك ما يدفع كثراً للخوف من نتائج تعيد إنتاج الوضع نفسه، حتى مع انتخاب رئيس جديد للجمهورية. وهو الثمن الذي يخشى أن يتعين على لبنان ككل دفعه لقاء ضمانات تنفيذ مضامين اتفاق وقف النار.