
النازحون السوريون في لبنان: عبء اقتصادي أم حاجة استراتيجية؟
“منذ عام 2011، دعم الاتحاد الأوروبي لبنان بمبلغ 2.6 ملياري يورو، ليس فقط للاجئين السوريين، وإنما أيضا للمجتمعات المضيفة”. هذا ما قالته أورسولا فون دير لاين رئيسة المفوضية الأوروبية في أحد مؤتمراتها الصحافية، مشيرة بوضوح إلى أن “المساعدات والهبات لم تكن حصرا للسوريين بل أفاد منها المجتمع المضيف”، أي لبنان.
كلام فون دير لاين لا ينفي أن للنزوح السوري العشوائي إلى المناطق اللبنانية تبعات اقتصادية جسيمة تكبّدها لبنان شعبا ودولة، تتمثل في زيادة الضغط على البنى التحتية والخدمات، أبرزها الكهرباء والمياه التي كان اللبناني يعاني شحّا فيها. حزمة المساعدات والهبات الأجنبية التي وافق المجلس النيابي على قبول آخرها في أيار (مايو) الماضي (هبة الـ4 مليارات يورو) لطالما انقسمت حولها الأحزاب، بين من يراها رشوة للدولة اللبنانية لكبح النزوح غير الشرعي إلى أوروبا عبر رقابة طول الشاطئ اللبناني، ومن يقول إن للبنان حقا في هذه المساعدات للصمود أمام التحديات الاقتصادية والاجتماعية المتفاقمة مع أزمة النزوح.
تجنب قبول المساعدات من الجانب اللبناني تُرجم في أيار الماضي أيضا بكتاب لوزير الداخلية والبلديات في حكومة تصريف الأعمال بسام مولوي وجّهه إلى المحافظين، يطلب فيه التعميم على المخاتير والبلديات رفض قبول الهبات من أي جهة كانت في ما يتعلق بالنازحين السوريين.
فهل يؤثر توقف هذه المساعدات والهبات في الاقتصاد اللبناني سلبا في حال عودة النازحين إلى بلادهم؟
يجيب الباحث في شؤون الاقتصاد وخبير المخاطر المصرفية الدكتور محمد فحيلي: “المساعدات كانت تأتي دائما وفق ما تقدره الجهات المانحة، ولم يكن للبنان دور في هذا الإطار، لكن هذه الأرقام لم تعكس حجم المسؤولية والضرر في قطاعات عدة أبرزها الصحة والتعليم والبنى التحتية كالصرف الصحي وتأمين مياه الشرب والخدمة ومعالجة النفايات التي تنتج من أكثر من مليون نسمة”.
ولا ينفي فحيلي أن القطاع الخاص استفاد بعض الشيء بزيادة الطلب على سلع استهلاكية نتيجة زيادة عدد السكان، “ولكن في شكل عام يمكن القول إن لبنان فشل في إدارة ملف النزوح الذي لُطّخ كثيرا بالسياسة اللبنانية، والمؤكد أن اليد العاملة اللبنانية تأثرت سلبا ولا سيما في 3 قطاعات إنتاجية أساسية، هي البناء والزراعة والفنادق”.
ليس صحيحا أن بقاء النازحين في لبنان حاجة “إستراتيجية” للبلد، كما حاول الترويج له بعض الدول الغربية، والدليل الواضح على تقاعس المجتمع الدولي في هذا الملف هو مماطلته في تسليم الحكومة اللبنانية “داتا” النازحين وأعدادهم، ويُفترض أن تطالب الدولة اللبنانية بهبات وفقا لهذه الأرقام، وبناء عليه فإن كل المليارات التي دخلت لبنان في الفترة الممتدة بين 2011 و2023 تبدو قليلة، وكان للبنان الحق في أكثر مما وصل.