معركة الحدود: كيف تحولت قرى لبنانية داخل سوريا إلى بؤر تهريب وصراع؟

معركة الحدود: كيف تحولت قرى لبنانية داخل سوريا إلى بؤر تهريب وصراع؟

الكاتب: طوني بولس | المصدر: اندبندنت عربية
9 شباط 2025

بدأت الإدارة السورية حملة عسكرية لضبط عمليات التهريب عبر الحدود مع لبنان، مما أسفر عن مواجهات مع مسلحين من عشائر لبنانية متورطة في تهريب الأسلحة والمخدرات. وتعود مشكلة الحدود في هذه القرى إلى ترسيم الحدود الفرنسي غير الدقيق، حيث ظل سكانها اللبنانيون مرتبطين بلبنان على رغم وقوعها إدارياً ضمن سوريا. وخلال الحرب السورية عزز “حزب الله” نفوذه في هذه المناطق، مما أدى إلى تغيرات ديموغرافية وأمنية كبيرة.

تشهد الحدود اللبنانية – السورية تصاعداً في التوترات والاشتباكات بين الإدارة السورية الجديدة وعشائر لبنانية معروفة بعلاقتها مع “حزب الله”، لا سيما في بلدة حاويك الواقعة في ريف القصير غرب مدينة حمص. وتعود هذه المواجهات إلى إطلاق إدارة أمن الحدود السورية حملة موسعة على الحدود اللبنانية لضبط عمليات التهريب غير الشرعية، بدءاً من قرية حاويك، بهدف إغلاق منافذ تهريب الأسلحة والمخدرات. خلال هذه الحملة اندلعت اشتباكات مع مسلحين من عشائر لبنانية مقربة من “حزب الله”.

وتعد هذه المناطق الحدودية معقلاً لعشائر لبنانية مثل آل زعيتر وآل جعفر الذين يمتلكون أراضي زراعية في الداخل السوري ويعرف عن بعض أفرادهم تورطهم في أنشطة التهريب. وتشير التقارير إلى أن هذه العشائر تعتبر هذه الأراضي جزءاً من ممتلكاتها التاريخية. ويعتقد أن “حزب الله” يستخدم هذه المناطق كطرق لوجيستية لنقل الأسلحة عبر بعض العشائر المحلية التي تسهل هذه العمليات مستفيدة من التضاريس الوعرة وصعوبة مراقبة الحدود. وسيطر “حزب الله” على هذه المناطق من جانبي حدود لبنان وسوريا بعد معركة القصير في 2013.

وأكد مصدر عسكري سوري (فضل عدم الكشف عن اسمه) أن القوات السورية تواصل ملاحقة عصابات التهريب والاتجار بالمخدرات والأسلحة عبر الحدود، مشيراً إلى أن العمليات الأمنية التي يتم تنفيذها تهدف إلى مواجهة هذه الأنشطة الإجرامية. وشدد على أنه لا يوجد أي تمييز بين المهربين السوريين واللبنانيين. وأضاف أن هذه العمليات لا تحمل أي دوافع انتقامية، بل تركز على مكافحة التهريب وتأمين الحدود بصورة شاملة من دون التفريق بين الجنسيات المتورطة.

القرى الحدودية

في تطورات متسارعة على الحدود اللبنانية – السورية شهدت قرى حاويك وجرماش وهيت الواقعة في ريف القصير الغربي اشتباكات عنيفة، مما أثار المخاوف حول استقرار المنطقة الحدودية. وبدأت الاشتباكات بعدما أطلقت إدارة أمن الحدود التابعة للحكومة السورية حملة أمنية شاملة بهدف إغلاق منافذ تهريب الأسلحة والمخدرات. وذكرت مصادر إعلامية متقاطعة من سوريا ولبنان عدة أن المواجهات تدور مع عصابات تتبع لعشائر لبنانية متهمة بالوقوف وراء عمليات التهريب بالشراكة مع “حزب الله”. وقد عززت القوات السورية وجودها العسكري بإرسال ثلاث مجموعات من القوات الأمنية إلى المنطقة لتنفيذ عمليات اعتقال.

وفقاً لتقارير مختلفة استخدمت قوات الجيش السوري قذائف الهاون والمدفعية في مواجهة مع عناصر مسلحة وعشائر لبنانية مقربة من “حزب الله”. وتمكنت القوات السورية من تحرير عنصرين اختطفا خلال هذه الحملة، بينما ألقي القبض على عدد من المطلوبين المتورطين في عمليات التهريب. وأفاد السكان بأن بعض المنازل تعرضت للتفجير، مما أجبر عديداً من العائلات على النزوح. وقالت مصادر لبنانية إن القصف المدفعي من الجهة السورية وصل إلى بلدة القصر اللبنانية، مما أدى إلى سقوط جريح وقتيل لبنانيين.

وفي محاولة لاحتواء الوضع تم التوصل إلى اتفاق لتبادل الأسرى بين الإدارة السورية والعشائر اللبنانية، حيث أفرج عن عدد من المحتجزين من كلا الجانبين. ومع ذلك لا تزال الأوضاع متوترة مع استمرار التعزيزات العسكرية من الطرفين في المناطق الحدودية.

تقع قرية حاويك على حدود متداخلة بين سوريا ولبنان، مما جعلها مركزاً استراتيجياً لعمليات التهريب. وتضم القرية سكاناً من الطائفتين الشيعية والسنية، وهو ما يضيف طبقة إضافية من التعقيد للوضع السياسي والأمني.

معابر التهريب

تعد الحدود السورية – اللبنانية منطقة معروفة بعمليات التهريب البري، حيث تتجمع عصابات تهريب الأسلحة والمخدرات مستفيدة من الفوضى الأمنية وحماية من “حزب الله” وعناصر الفرقة الرابعة من الجيش السوري، إذ باتت هذه العصابات تجد في المنطقة الحدودية بيئة صالحة للعمل بسبب الجغرافيا الجبلية والضعف في الرقابة على الحدود. ولطالما أشارت تقارير أمنية واستخباراتية الى دور مباشر أو غير مباشر لـ”حزب الله” في تسهيل عمليات التهريب عبر الحدود واستخدام المعابر غير الشرعية لتوسيع نفوذه وتمويل أنشطته في حين ينفي الحزب هذه الاتهامات، مشدداً على أن جهوده تركز على حماية لبنان من أي تهديد أمني. ومع تصاعد الاشتباكات تشير بعض التقارير إلى تحركات لعناصر “حزب الله” في المنطقة، إما لمواجهة هجمات القوات السورية، وإما لحماية مصالحه.

داخل الأراضي السورية

وفي تصريح صحافي أعلن مدير التوجيه في الجيش اللبناني العميد حسين غدار أن أي اشتباكات لم تحدث داخل الأراضي اللبنانية، بل وقعت في بلدات يقطنها لبنانيون داخل الأراضي السورية. وأضاف أن “الجيش اللبناني منتشر على الأراضي اللبنانية، وبسبب الاشتباكات على الجانب السوري عزز وجوده وانتشاره على تلك الحدود”.

من جهة أخرى نشر المكتب الإعلامي في محافظة حمص بياناً قال فيه إن الحملة التي أطلقها على الحدود مع لبنان من جهة القصير أسفرت عن توقيف عدد من المطلوبين المتورطين في عمليات تهريب غير مشروعة، إضافة إلى ضبط كميات من الأسلحة والممنوعات التي كانت بحوزتهم، وأنه “خلال تنفيذ الحملة وقعت اشتباكات بين قوات أمن الحدود وعدد من المطلوبين”.