
هل يعين الشرع رجال الأسد في السلطة الانتقالية؟
بدأت تتسرّب من كواليس السلطة الانتقالية في سوريا معلومات حول تعيينات وتسويات مع شخصيات رفيعة وذات وزن في النظام السابق أو كانت داعمة له سواء بالمال أو القتال. هذه الظاهرة التي بدأت بصدمة غير قابلة للاستيعاب تمثلت في إجراء تسوية للواء طلال مخلوف قائد الحرس الجمهوري ورئيس مكتب القائد العام للجيش والقوات المسلحة (بشار الأسد)، تطورت تدريجياً، بعضها في العلن، وبعضها في الخفاء، إلى أن أصبحت أكبر من تفسيرها أو إيجاد مبررات لها. وهو ما دفع العديد من النشطاء والمعارضين السابقين إلى قرع جرس الإنذار للتحذير من احتمال نسج تحالف بين رجال السلطة الانتقالية ورجالات النظام السابق.
وما أثار الشبهات هو أنه بينما تتساهل السلطة الانتقالية مع بعض رموز النظام السابق، بما فيها رموز متهمة بارتكاب جرائم ضد الإنسانية وفق تصنيفها، فإنها تستمر في تجاهلها لرموز الثورة وبعض المسؤولين الذين انشقوا عن النظام السابق تأييداً للثورة، وكذلك لآلاف الضباط المنشقين، علاوة عن رؤوس هيئات المعارضة وأحزابها ومؤسساتها الذين وجدوا أنفسهم على هامش الأحداث وليس لهم أي دور فيها.
قيصر ونزار صدقني المواجهة مستمرة!
كشف “قيصر” عن هويته بعد سنوات من الاختفاء، وأعلن أنه المساعد أول فريد المذهان ابن محافظة درعا. وتفاعل السوريون مع قصة الرجل الذي هرّب صور التعذيب إلى الخارج وكان أحد المسامير التي دقت في نعش نظام الأسد، وطالب بعضهم بتكريمه من خلال وضع صورته على العملة السورية. وفي هذا السياق تمّ تداول بعض الوثائق المتعلقة بقضية قيصر والتي تم الحصول عليها من خزائن الأفرع الأمنية المنحلّة.
وقد تبيّن أن النظام السابق بحسب إحدى هذه الوثائق كان يعلم هوية قيصر الحقيقية، وشكّل لجنة خاصة مهمتها دحض تقرير قيصر ومواجهته سياسياً وإعلامياً. وكان من بين أعضاء هذه اللجنة ضابطان من المخابرات الجوية، واستاذان جامعيان بالقانون، وضابط من الشرطة العسكرية، وقاضٍ من وزارة العدل، هو معاون وزير العدل في ذلك الحين القاضي نزار صدقني.
وكانت المفاجأة أن نزار صدقني معاون وزير العدل الأسبق، وعضو لجنة دحض تقرير قيصر، تمّ تعيينه في حكومة تصريف الأعمال بمنصب معاوز وزير العدل أيضاً. وبصفته هذه تمّ أيضاً تعيينه في لجنة تقييم القضاة الذين أتموا الخامسة والستين من أعمارهم ويرغبون في الاستمرار بعملهم.
طلال العيسمي من متهم بمجزرة إلى شرطة السويداء
وكانت محافظة السويداء على موعد مع صدمة لا تقل عن صدمة صدقني-قيصر. حيث قررت وزار الداخلية في حكومة تصريف الأعمال منذ أسابيع تعيين العميد طلال العيسمي بمنصب قائد شرطة السويداء بالتكليف. وباشر العيسمي مهامه وافتتح عدداً من مراكز التسوية لعناصر الجيش السوري السابق.
وفي مؤشر على وجود تباين في الرؤى بين السلطة الانتقالية ومؤسساتها، وبين ذاكرة السوريين ولا سيما النشطاء السياسيين منهم، تبين أن العيسمي متّهم بارتكاب مجزرة مروعة في المسجد العمري بدرعا عام 2012 راح ضحيتها العشرات، عندما كان يترأس وحدة المهام الخاصة في وزارة الداخلية بعهد بشار الأسد.
وقد اطلعت “النهار” على ادّعاء صادر عن النائب العام القاضي محمد أنور مجلي في مجلس القضاء السوري الحر بخصوص مجزرة العمري في درعا، وكان اسم العيسمي من بين المتهمين إلى جانب بشار الأسد وعاطف نجيب والعميد ثائر العمر. وطلب الادّعاء التحقيق مع المدعى عليهم وإصدار مذكرات توقيف على الغياب بحقهم اصولاً.
فادي صقر صانع المؤتمر الوطني المرتقب
وفي حي التضامن بدمشق خرجت مظاهرات عارمة بعد زيارة قام بها فادي صقر، القيادي السابق في الدفاع الوطني، وأحد المتهمين بارتكاب مجزرة التضامن إلى الحي. وتحدثت الأنباء عن تسوية بين إدارة العمليات العسكرية وفادي صقر انتهت بتركه دون محاسبة جرّاء وساطة من شخصية نافذة في القصر الجمهوري لدى النظام المخلوع.
غير أن الصدمة الكبيرة كانت فيما كشف عنه موقع سوري حول مشاركة صقر في الإعداد والتنظيم للمؤتمر الوطني المزمع عقده وفق خارطة الطريق التي أعلن عنها أحمد الشرع رئيس سوريا الانتقالي. وأكثر من ذلك تحدث الموقع عن لقاء جمع صقر مع الشرع، وفق موقع عكس السير السوري المعارض.
وأكدت المصادر أن صقر يروج مؤخراً لكونه التقى أحمد الشرع، على حد زعمه، وأنه يجمع أسماء مرشحين للمشاركة في الحوار الوطني المزعم عقده في الفترة القادمة، زاعماً أيضاً أنه سيكون ممثلاً للعلويين فيه.
ويقيم صقر، المنحدر من ريف جبلة، في فندق الـ “فور سيزونز” بدمشق حالياً، وهو من الشخصيات التابعة للنظام الخاضعة للعقوبات الأميركية منذ العام 2020، وفق عكس السير.
و كان صقر مديراً لفرع المؤسسة الاستهلاكية في الزبلطاني، ثم مدير المؤسسة الاستهلاكية بدمشق، مستغلاً كونه مقرباً من اللواء بسام الحسن (الملقب بالخال) مؤسس قوات الدفاع الوطني، وأحد أبرز الأذرع الأمنية المقربة من بشار الأسد.
وفي وقت لاحق، أصبح صقر مديراً لمركز الدفاع الوطني في دمشق، والمشرف على قياداته في كل فروع سوريا، وقد شارك في الكثير من المعارك بمناطق الغوطة وجوبر وغيرها.
وصقر من الشخصيات المعاقبة من قبل وزارة الخزانة الأميركية نتيجة اتهامه بارتكاب عدد من المجازر ودعمه للنظام السابق.
وسبق ذلك تسويات أجرتها السلطات الانتقالية مع عدد من رجال الأعمال البارزين الذي وقفوا إلى جانب النظام السابق ودعموه بالمال والإعلام، وكان من بين أبرز هؤلاء محمد حمشو الذي أثار جدلاً واسعاً، غير أن معظم رجال الأعمال الذين التقاهم الشرع في قصر الشعب هم من المؤيدين السابقين للنظام السابق، وممن استند عليهم نظام الأسد لتمويل الكثير من عملياته الاقتصادية والعسكرية.
وقد أثار ما سبق تساؤلات مشروعة لدى السوريين حول مفهوم المحاسبة الذي تنادي به السلطات الانتقالية، لأن أحمد الشرع قال أكثر من مرة أن الملاحقة لن تطال إلا كبار رموز الإجرام، ولكن ما يحدث على أرض الواقع هو أن فادي صقر وطلال العيسمي يتوليان المناصب في حين أن صغار المجندين وعناصر الأمن تتم ملاحقتهم بلا هوادة.