
مسمارٌ أخير ولبنان إلى قيامته
لم يعش لبنان درب جلجلة، بل دروب، من احتلالات، اضطهادات، حروب، معارك، مخططات، مؤامرات، انتدابات، وصايات، انقلابات، ارتهانات، تمييع، تدوير وتشويه.
اليوم، لبنان أمام واقع أحد، مفترق لا ثانيَ له، فلا بُدّ أن يسلك نحو خلاصه، وما المسمار الأخير الذي ما زال يُعرقل فجر العهد الجديد، سوى ازدواجية القرار العسكري والأمني والقبضة المسلّحة على الدولة ومؤسساتها.
وأمام إصرار قيادات حزب الله على المكابرة وإطلاق عبارات التهديد والوعيد بحقّ كلّ مَن يُنادي بقيام الدولة الفعلية التي تحتكر وحدها السلاح بشكل فعليّ لا صوريّ، لا بُدّ من طرح أسئلة مباشرة إلى تلك القيادات، ليس من باب النّقاش حول مصير السلاح، فالنّقاش انتهى مع اتفاق وقف إطلاق النار وخطاب القسم والبيان الوزاري، بل لتأكيد أنّ كلّ الذرائع التي يتلطّون خلفها بالويل والثبور قد سقطت، دون أي أمل بالعودة إلى الحياة.
لِمَ وافق حزب الله، في 27 تشرين الثاني 2024، على اتفاق يُنهي وجوده العسكري وفعاليّة سلاحه وعتاده في منطقة جنوب الليطاني، وفق سرديّته المعاكسة لحقيقة أنّه يشمل كل لبنان، إن كان يُؤكّد أنّ سلاحه ضرورة ولا يمكن أن يتخلّى عنه، فما نفع السلاح بعد إن كان خارج منطقة جنوب الليطاني؟ ما نفع السلاح إن كان “الحزب” غير قادر على استخدامه في عزّ الاستهدافات المتواصلة بحقّ قياداته ومراكزه؟ لِمَ يتمسّك بسلاحه في منطقة شمال الليطاني وما الفائدة منه في هذه البقعة الجغرافية البعيدة عن الحدود مع اسرائيل؟
لِمَ يتمسّك حزب الله بسلاح، يعلم تمام العلم وبناءً على التجربة، بأنّه سقط في الامتحان، أمام التفوّق التكنولوجي والتقني والاستخباراتي والأمني والعسكري الاسرائيلي، لا بل أنّه ارتدّ عليه وعلى بيئته سلباً، فالنقاط التي تواجد فيها السلاح تحوّلت إلى مراكز ضعف واستهداف عوض أن تكون منصّة حماية وردع؟
لِمَ يُكابر حزب الله في التمسّك بسلاح، قُطِعَت كلّ طُرق امداداته، وتكسّرت كلّ القوى الشبيهة والزميلة له من فلسطين إلى سوريا والعراق فاليمن؟
لِمَ يرفض حزب الله الاعتراف بأنّ سلاحه لم يعد ذي فائدة بعدما فشل في حماية قادته ومعسكراته ومخازنه ومراكزه وبيئته وبلداته وصورته وهيبته وسردياته ومعادلاته؟
لِمَ يصرّ حزب الله على خطف مصير ناسه وشعبه، ويرفض الامتثال للإرادة الداخلية التي تجسّدت رئاسياً وحكومياً وشعبياً، خلف وحدة قرار الدولة والشرعية؟ لِمَ يحاول الانقلاب مجدداً على القرار الشرعي الذي صدّق عليه بنفسه عبر حكومته الميقاتية؟ لِمَ لا يترك الفرصة للدولة في إثبات قدرتها على معالجة كل الأزمات، تماماً كما فعلت مع وقف النار وتحرير عدد من الأسرى؟
هي أسئلة، معروفة الاجابة، فحزب الله يحاول أن يستنجد وقتاً مستقطعاً، لعلّ طهران تُعيد الزمن إلى الوراء، إلى أطلال الأوهام التوسّعيّة، لكن فاته أنّ للتاريخ وجهة واحدة فقط.
قد يقول البعض، كيف يُصنّف السلاح كمسمار وحيد على جسد لبنان، فماذا عن الفساد؟ لِمَ تُهمل الاضاءة على الجهود المبذولة حول الاصلاحات؟ والجواب بديهيّ، كلّ ما يُراكم من خطوات إصلاحية في الإدارات والمؤسسات، لا قيمة له في ظلّ السلاح، لأنّ الابقاء على الأخير، يعني الحفاظ على الشريان الأساسي الذي كان يُغذّي ويحمي الفساد والافساد والمفسدين.
لقد تناسى فرّيسيو لبنان على مدى عقود، أنّ الله يُمهِل ولا يُهمِل، وبأنّ منعهم الإنسان في أرضنا، من ولوج حدًّا أدنى من الحياة الهانئة والآمنة والكريمة، لا يعني أنّ الله لن يتدخّل، وأنّ هذا الإنسان لن يبلغ نهاية درب الجلجلة، فعهد الخلاص آن أوانه، والمسمار الأخير عن جسد أرض القداسة سيُنزع، ولبنان إلى قيامته، حقًّا إلى قيامته.