
خاص – مسار الاستقرار في لبنان مهدّد؟
منذ أن تشكّلت السلطة الجديدة، بانتخاب الرئيس جوزف عون، وولادة الحكومة برئاسة نوّاف سلام، حتّى استبشر اللبنانيّون خيراً بإمكان بناء الدولة القوية والتخلّص من براثن الفساد. ولكن، هذا الجوّ الجديد بقي منذ اللحظة الأولى محفوفاً بالخطر، ومحاطاً بالشكوك والعقبات.
في الواقع، ما قامت به الحكومة حتّى الآن، يُعتبر بمثابة خطوات جبّارة، إذا ما قورن بوضع الاهتراء الذي كان سائداً. فالجيش يبسط سلطته تدريجاً في الجنوب، فيما الحكومة بدأت تفتح ملفّ السلاح، وإن بحذر. أمّا على صعيد الإصلاح، فقد جرت تعيينات مهمّة في حاكمية مصرف لبنان وفي الأجهزة الأمنية، وأقرّت الحكومة قانون السرّية المصرفية، وقانون إصلاح المصارف، تمهيداً لانطلاق المفاوضات مع صندوق النقد الدولي.
ولكن، في الوقت عينه، تبدو الأمور معرّضة للخربطة في أيّ لحظة، ولاحتمال خسارة المكاسب التي تحقّقت. ولهذا أسباب كثيرة، بعضها داخلي، والبعض الآخر مرتبط بالتطوّرات الإقليمية، فيما عامل الوقت قد يكون سيفاً ذا حدّين. إذ إنّ الانتظار قد يفسح في المجال لدخول عناصر ومعطيات جديدة تعطّل مسار الاستقرار والإصلاح الذي انطلق.
العقبة الأولى، هي محاولات إيران المستمرّة لاستعادة المبادرة. فهي، على رغم كلّ الهزائم التي لحقت بأذرعها، لم ترفع الراية البيضاء. فقد دعمت محاولة لسيطرة فريق من بقايا النظام السوري السابق على منطقة الساحل. ولكن هذه المحاولة لم تنجح. وتمكّنت الحكومة الجديدة من السيطرة على الوضع، بعد مجازر ارتكبت. وساعد التدخّل التركي والدعم الأميركي في ضبط الأمور.
وفي لبنان، تحاول إيران إبقاء الخطوط مفتوحة مع “حزب الله”. فترسل له أموالاً تارة، وأسلحة تارة أخرى. ولكن الضغط الأميركي أيضاً أدّى إلى وضع الدولة اللبنانية يدها على مطار بيروت، فيما تمارس ضغوط اليوم للقيام بالعمل نفسه في المرفأ. وقد ارتفعت لهجة مسؤولين في “الحزب” في اليومين الماضيين، وعلى رأسهم الأمين العام نعيم قاسم ووفيق صفا، في رفض تسليم السلاح، في الوقت الذي وضعت الحكومة هذا الملفّ على نار حامية. حتّى أنّ السفير الإيراني تدخّل أيضاً دفاعاً عن بقاء هذا السلاح. فطهران تخوض اليوم مفاوضات مع الأميركيين، في محاولة للتوصّل إلى اتّفاق يؤدّي إلى وقف البرنامج النووي الإيراني في الدرجة الأولى. لذا، تحاول إيران رفع السقف، من خلال تحريض “الحزب” على التصعيد في وجه الخطّة التي تعمل عليها الحكومة اللبنانية لحصر السلاح في يد الدولة.
وربّما، ما زالت طهران تعتبر أنّ في إمكانها التوصّل إلى اتّفاق “مخفّف”، بمعنى وقف البرنامج النووي التسليحي، وليس تدمير البرنامج النووي في شكل كامل. وثمّة من يرى أنّها قد تبيع واشنطن ملفّ السلاح في لبنان، في مقابل بقاء نظامها، والحفاظ على الجانب المدني من البرنامج النووي، مع إبقاء البرنامج الصاروخي.
ولكن، اللهجة المخفّفة التي اعتمدها الرئيس الأميركي دونالد ترامب في الأيّام الأخيرة تجاه إيران، لا تعني أنّ موقفه يلين. وهو عندما قال إنّه غير مستعجل على توجيه ضربة إلى إيران، فهو لا يقصد بالطبع أنّ سقف مطالبه في الملفّ النووي سينخفض.
وفي النهاية، تصبّ المصلحة الإيرانية اليوم في زعزعة مسار الاستقرار الذي يسير إليه لبنان والمنطقة أيضاً. وما حصل في الأردن من إعلان السلطات توقيف مجموعة كانت تعمل لتنفيذ مخطّط يستهدف أمن المملكة واستقرارها، يأتي في إطار محاولات خربطة الستاتيكو الجديد في المنطقة، والذي ما زال هشّاً، سواء في لبنان أو في سوريا.
وفي الموازاة، تظهر إسرائيل في موقع ملتبس. فهي من جهة مرتاحة لسقوط نظام الأسد وإنهاء النفوذ الإيراني في هذا البلد، ومن ناحية أخرى، تخشى من الدور التركي المتعاظم في سوريا بسبب علاقة أنقرة بالسلطة الجديدة في دمشق. وتعتقد أنّ تقوية حكم الرئيس أحمد الشرع ليس في مصلحتها. وثمّة توجهات في إسرائيل تؤيّد منذ زمن قيام دويلات طائفية ضعيفة في المنطقة، بدلاً من دولة قوية تناصبها العداء.
وبالنسبة إلى لبنان، لن تتورّع إسرائيل عن توسيع حربها من جديد، إذا ارتأت أنّ هذا الأمر يناسبها. وقد شهدنا عيّنة عن ذلك في توسيع القصف في الجنوب يوم الأحد. وقد تؤدي حرب كهذه إلى نسف كل الجهود المبذولة لإعادة لبنان إلى السكّة الصحيحة. وفي حال استمرّ “الحزب” في المعاندة إزاء تسليم سلاحه، وظلّت الحكومة اللبنانية متهيّبة استعمال القوّة خوفاً من فتنة داخلية، فإنّ العواقب التي سترتّبها الحرب الإسرائيلية ستكون أكبر بكثير من أيّ عواقب داخلية تنتج عن نزع السلاح.
يبقى لبنان تحت مظلّة الأمان، ما دامت الإدارة الأميركية مهتمّة به، وبدعمه لاستعادة سلطة الدولة وإنهاء نفوذ “الحزب”. ولكن إذا شعرت واشنطن أنّ الحكومة اللبنانية متلكئة، ولا تواكب الإيقاع الأميركي، فإنّ ترامب قد يقرّر في لحظة ما ترك اللبنانيين لمصيرهم. فهو لديه مشاغل أخرى أكثر أهمية مع روسيا والصين وسواهما.