
خاص- لماذا أحبّ جيل الشباب البابا فرنسيس؟
لم يكن البابا فرنسيس مجرد زعيم روحي على رأس الكنيسة الكاثوليكية. كان وجهًا بشريًا في مؤسسة أنهكتها البيروقراطية، وصوتًا أخلاقيًا في عالم أصمّ، ومرآةً صادقة لجيلٍ ضائع بين الشك والانتماء.
الآن، وقد أسدل الموت الستار على حقبة نادرة في الفاتيكان، يحقّ لنا أن نسأل: لماذا أحبّه جيل الشباب؟ لماذا بكاه من لم تطأ قدماه كنيسة؟ لماذا شعر به من لا يؤمن حتى بوجود الله؟
لأنه كسر الجدار
بين المؤسسة والناس، بين العقيدة والواقع، بين السلطة والحقيقة، كان هناك دومًا جدار. البابا فرنسيس لم يتسلّقه، بل حطّمه. خرج من قصره، من لغته، من هالته، وذهب حيث لا يجرؤ سواه. إلى اللاجئين، إلى المهمّشين، إلى المثليين، إلى النساء، إلى من تُقصيهم الكنيسة وتخافهم السياسة. لم يكن يبارك من بعيد، بل كان يحضن من قريب.
لأنه لم يطلب من الشباب أن “يعودوا إلى الله”، بل أن يصغوا إلى قلوبهم
في عالم يطالب الشباب بالطاعة العمياء أو يتركهم للضياع، اختار فرنسيس طريقًا ثالثًا: الإصغاء. في كل لقاء مع الشباب، كان يسألهم، لا يعظهم. كان يشاركهم أسئلتهم، لا يهرب منها. تحدّث عن الشكوك، عن الضجر من الطقوس، عن الغضب من الكنيسة نفسها. ولم يخجل. لم يُخفِ الألم تحت السجّاد المقدّس. وهذا وحده، كان كافيًا ليصدّقه جيل لا يصدّق أحدًا.
لأنه لم يلعب دور “القديس العصري”
في زمن الزعامات المصنوعة بعناية فرق العلاقات العامة، جاء فرنسيس بلا قناع. اعتذر، تراجع، اعترف، تألم. لم يدّعِ الكمال. لم يختبئ خلف الألقاب. كان إنسانًا في أقسى ما تعنيه الكلمة من صدق. وفي أعين شباب كفروا بالنخب، تلك كانت ثورة.
لأنه أعاد تعريف الإيمان: ليس طقسًا، بل موقف
عند فرنسيس، الإيمان لم يكن تمسّكًا بحرف، بل انحيازًا لجائع، لمهاجر، لمريض، لمقهور. قالها مرارًا: “من لا يخدم الفقير، لا يخدم المسيح.” بهذا الموقف، اكتسب البابا سلطة لا تُشترى ولا تُفرض، بل تُمنح من الناس،من الشباب، ومن التاريخ.
لأنه جعل الكنيسة تتنفّس
جيل الشباب لا يبحث عن كنيسة مثالية. يبحث عن كنيسة صادقة. البابا فرنسيس فتح نوافذ الفاتيكان على العالم، على صراخه، على أسئلته، على هشاشته. لم يكن تجميليًا، بل جذريًا. قال لمن يخافون التغيير: “الزمن أقوى من الفضاء”، وأكمل السير.
لماذا احب الشباب البابا؟
لأنه لم يخاطبهم من علٍ، بل من قلبه. لأنه لم يخوّن شكوكهم، بل احترمها. لأنه لم يقل لهم: “عودوا إلى الإيمان”، بل قال: “لا تخافوا من أن تكونوا مختلفين”.
في زمن تكسّرت فيه الرموز، رحل من لم يكن رمزًا، بل كان وجهًا. وجهًا أطلّ على هذا الجيل وقال له: “أنا معك. كما أنت”، وهذا وحده، كافٍ للحبِّ والحزن.
في الختام… لماذا احب الشباب فرنسيس؟ لأنهم رأوا فيه ما لم يجدوه في هذا العالم: إنسانًا حقيقيًا… أليس هذا كافيًا؟