
قانون إعادة الهيكلة: نقاط الاشتباك المنتظرة في البرلمان
بعدما أنهى المجلس النيابي مناقشة وإقرار مشروع قانون رفع السريّة المصرفيّة، سيكون منتظرًا أن تنكب لجانه النيابيّة على مناقشة قانون إصلاح أوضاع المصارف، أو ما بات يُعرف بقانون إعادة هيكلة المصارف، المُحال من قبل الحكومة منذ أسبوعين بالتمام والكمال. وسيمثّل هذا القانون ثاني أضلع مثلّث القوانين الإصلاحيّة المصرفيّة، إلى جانب قانون رفع السريّة المصرفيّة الذي أقرّه البرلمان، وقانون الانتظام المالي (أو الفجوة الماليّة) الذي لم تباشر الحكومة دارسته بعد. والقوانين الثلاثة، باتت تمثّل الشرط اللازم، الذي لا يمكن تجاوزه، للانتقال إلى مرحلة الاتفاق النهائي مع صندوق النقد. ومؤتمر المانحين لإعادة الإعمار، بات تمامًا كسائر المساعدات الدوليّة المنتظرة، مرتبطًا بتوقيع اتفاق صندوق النقد.
قبل الدخول في تفاصيل نقاط الاشتباك التي ستظهر في البرلمان، بمجرّد بدء مناقشة مشروع قانون إصلاح أوضاع المصارف، من المفيد العودة للتذكير بنطاق ومفاعيل هذا القانون. إذ سيسهم هذا التشريع في تفصيل صلاحيّات لجنة الرقابة على المصارف والهيئة المصرفيّة العليا، في إطار معالجة أي أزمة مصرفيّة، وليس الأزمة الراهنة فحسب. كما سيضع الأصول التي تحدد كيفيّة اتخاذ قرار تصفية أي مصرف، أو دمجه أو إصلاح أوضاعه. وبذلك، لن يعالج هذا القانون (الراهن) الإشكاليّة الطارئة والاستثنائيّة المرتبطة بكيفيّة توزيع خسائر الانهيار الراهن، بل سيكون ذلك من اختصاص قانون الانتظام المالي، والذي –كما أسلفنا الذكر- لم تبدأ الحكومة بمناقشته بعد.
تشكيك في أهداف القانون
بعض النقاشات المرتقبة بمجرّد البدء بمناقشة القانون، ستطال أصل فكرة القانون وهدفه. فعلى سبيل المثال، أعلنت جمعيّة المصارف في مذكرتها المكتوبة الاعتراض على إدراج “الحد من استخدام الأموال العامّة” ضمن أهداف القانون، معتبرةً أن تحقّق أو عدم تحقّق هذا الهدف يفترض أن يأتي في ضوء الأسباب “التي فرضت إصلاح المصارف”. وفي حديثها هنا إشارة إلى إمكانيّة أن تكون “الدولة ومصرف لبنان هما من تسبّب في تعثّر المصارف”، في استعادة لخطابها التقليدي المعترض على تحميل المصارف وأصحابها أي مسؤوليّة جزائيّة أو ماديّة أو حتّى معنويّة في ما يخص تداعيات الانهيار القائم حاليًا.
مشكلة هذا الخطاب، تكمن في تجاهله المتعمّد لصيغة هذا القانون نفسه. إذ لا يهدف القانون أساسًا للتعامل مع الجانب المرتبط بالتزامات الدولة أو مصرف لبنان، بل إنّه يتجاوز ترتيب أي خسائر على المصارف جرّاء توظيفاتها في المصرف المركزي، بانتظار معالجة هذه الخسائر في إطار قانون الانتظام المالي لاحقًا. وذلك القانون، هو ما سيحدّد الالتزامات التي ستترتّب على كل طرف، عند التعامل مع الأزمة الراهنة.
أمّا قانون إصلاح أوضاع المصارف، موضوع النقاش الراهن، فيحدّد أصول التعامل مع أي أزمة مصرفيّة بالمطلق، في ضوء كفاية رساميل المصارف وقدرتها على الاستمرار. ولن يتم تطبيق هذا القانون إلا بعد إقرار قانون الانتظام المالي، الذي سيوزّع خسائر الأزمة الراهنة ويحدد إلتزامات كل طرف. وبهذا المعنى، فالحد من استخدام الأموال العامّة، يعني هنا الحؤول دون تحميل الدولة كلفة إنقاذ المصارف، بالنيابة عن أصحابها، ولا علاقة لهذا النقاش بمسألة إلتزامات مصرف لبنان أو الدولة، أو حصتهما من خسائر الأزمة الماليّة الحاليّة. وملاحظة جمعيّة المصارف، هي دفاع عن مصالح أصحابها، ومحاولة لتقليص الكلفة التي سيتحمّلها أصحاب المصارف عند إجراء عمليّة إعادة الهيكلة.
تركيبة الهيئة المختصّة
جزء أساسي من النقاش حول مشروع القانون يرتبط بالهيئة المصرفيّة العليا، التي تعدّلت تركيبتها في الصيغة المُحالة من قبل الحكومة لتضم الحاكم ونائبه ورئيس لجنة الرقابة على المصارف وثلاثة خبراء يعيّنهم مجلس الوزراء. جمعيّة المصارف تحفّظت حتّى اللحظة على عدم تمثيلها داخل اللجنة، التي ستتخذ القرارات المرتبطة بمستقبل كل مصرف، وقدرته على الاستمرار. أمّا مصرف لبنان، فتحفّظ على تمثيل رئيس لجنة الرقابة على المصارف داخل الهيئة، باعتبار أن ذلك يخلط دور لجنة الرقابة بدور آخر تقريري. في الحالتين، تبدو هذه الملاحظات مناوئة لفكرة تعزيز استقلاليّة الهيئة، وفق التعديلات التي أدخلتها الحكومة على تركيبتها.
الإشكاليّة الثانية التي أثارتها جمعيّة المصارف، والتي يُتوقّع إثارتها داخل البرلمان، ترتبط بصلاحيّة لجنة الرقابة على المصارف، وبالأخص إزاء إمكانيّة اتخاذ قرار بتصفية أي مصرف بناءً على توصية اللجنة وتقييمها المؤقّت. وتطالب الجمعيّة كذلك بفتح المجال أمام الطعن بقرارات التصيفة في المستقبل، وهو ما يتيح عرقلة هذه القرارات لاحقًا. وأخيرًا، ترفض الجمعيّة إعطاء لجنة الرقابة الصلاحيّة الاستنسابيّة بتعيين مقيمين مستقلين لأوضاع المصارف، أو الطلب من المصرف المعني تعيينه. وبشكل عام، سيحاول اللوبي المصرفي –كما هو واضح من هذه الملاحظات- الطعن بجميع الصلاحيّات الإضافيّة التي جرى تحديدها للجنة الرقابة على المصارف.
في الوقت الراهن، يضيف لوبي المصارف بعض المطالب بالنسبة لمشروع القانون، مثل: أن يلحظ إمكانيّة “ضخ مصرف لبنان أموالًا إضافيّة” داخل أي مصرف لإنقاذه، وهو ما يجنّب أصحاب المصرف تحمّل كلفة إعادة رسملته. كما يطالب هذا اللوبي بوضع قيود على عمليّة تحويل المطلوبات (أي ديون المصرف) إلى أسهم (أي ملكيات فيه)، نظرًا لتهديد هذه العمليّة هويّة أصحاب القرار والسيطرة في المؤسسات المصرفيّة.
الهجوم على مايا دبّاغ
شهدت الأيام الماضية هجومًا سياسيًا وإعلاميًا لافتًا على رئيسة لجنة الرقابة على المصارف مايا دبّاغ، بما وصل إلى حدّ مطالبة النائب علي حسن خليل بمحاكمتها في جلسة الهيئة العامّة للبرلمان. وبدا واضحًا أن هذا الهجوم الاستباقي جاء كتمهيد لمحاولة تطويق صلاحيّات لجنة الرقابة، في مشروع قانون إصلاح أوضاع المصارف. كما بدا أنّ هذا الهجوم جاء بفعل الدور الذي لعبته دبّاغ خلال مناقشات قانون رفع السريّة، داخل اللجان المشتركة، والذي أفضى إلى منع تفخيخ القانون. وبفعل اتجاه دبّاغ إلى لعب الدور الإيجابي نفسه، خلال المناقشات المرتقبة لقانون إصلاح أوضاع المصارف.
في جميع الحالات، سيكون الأسبوع المقبل حافلًا بالنقاشات البرلمانيّة الساخنة، حول مشروع قانون إصلاح أوضاع المصارف، الذي سيجدّد الإطار التشريعي والرقابة الناظم لأعمال إعادة هيكلة القطاع المصرفي. مع الإشارة إلى أنّها المرّة الأولى التي يتم فيها العمل على قانون يوحّد التشريعات المرتبطة بإعادة الهيكلة، والتي كانت مجزّأة على عدد من القوانين التي جرى إقرارها خلال حقبات زمنيّة مختلفة.