
“انفجار أسمدة” أم “تفجير ذخائر”؟!
تفجير شحنة الوقود الصاروخي في ميناء بندر عباس الإيراني السبت الماضي، كشف أن خطّة الضغوط القصوى المُعتمدة لإخضاع نظام الولي الفقيه لا تتضمّن أي استهداف تدميري للمواقع النووية لأنّه يوحّد الشعب خلف نظام الولي الفقيه بدلًا من أن يثيره ضده، على عكس تفجير مرفأ بيروت الذي انقسم الشعب اللبناني حول دوافعه ومرتكبيه.
لماذا تصرّ الرواية الرّسمية الإيرانية على أنّ الإهمال وسوء التخزين في مستوعباتٍ مكشوفةٍ تحت أشعة الشمس ضمن حرارةٍ بلغت 40 درجةً مئويةً في مدينة بندر عباس هي التي أدت السبت الماضي إلى “انفجار مواد بتروكيميائية مخصّصة للأغراض الصناعية والزراعية”، في مرفأ رجائي؟
ولماذا أصرّت الرّواية الرسمية اللبنانية على أنّ تلحيم فجوة في العنبر الرقم 12 في مرفأ بيروت أدّت إلى “انفجار” أسمِدة كيميائيّة من نوع نيترات الأمونيوم كانت مخزّنةً بداخله في 4 آب عام 2020؟
ولماذا رفض الرئيس اللبناني آنذاك ميشال عون إجراء تحقيقٍ دوليّ في انفجار المرفأ زاعمًا أنّ الهدف من تدويل القضية هو “تضييع الحقيقة” لكون التحقيق الدولي يستغرق وقتًا، مشدّدًا على أنّ “العدالة المتأخرة ليست بعدالة”.
حكومة الرّئيس حسان دياب واكبت وعد الرئيس عون لجهة سرعة العدالة وأقرّت إجراء تحقيق “يستغرق خمسة أيام”.
خمس سنوات مرّت، لا خمسة أيام، ولم تظهر نتيجة تحقيق حكومة الرئيس دياب ولم تتبلْور العدالة السريعة التي وعد بها الرئيس عون.
تميّزت سلطة ذلك “اللبنان” الذي كان يديره محور تحالف الأسد – إيران بابتداع دور “معلّم التلحيم” الذي لم يصدُر حتّى الآن حكْمٌ بحقِّهِ أو بحقّ غيره من “المُهمِلين” الذين تزعم أنّهم تسبّبوا “بانفجار” مرفأ بيروت ما أسفر عن مقتل 218 شخصًا، وإصابة 7 آلاف شخص وتهجير 300 ألف شخص من منازلهم المدمّرة أو غير الصّالحة للسكن، وتسيُّب ما لا يقلّ عن 10 آلاف عاطل عن العمل من المنطقة المنكوبة.
أمّا الجمهورية الإسلامية الإيرانية فتميّزت بسرعتها في الإعلان بعد أربعة أيام من انفجار السبت الرّهيب عن إعدام مواطن إيراني مُدانٍ بالتجسّس لإسرائيل ومشاركتِه في عملية اغتيال القيادي في الحرس الثوري حسن صياد خدايي، لكن ليْس قبل أربعة أيام، بل قبل 3 سنوات، وتحديدًا في 22 أيار عام 2022، وليس في مدينة بندر عباس، بل أمام منزله في العاصمة طهران حيث أطلق عليه مسلّح خمس رصاصات وفرَّ على متن دراجةٍ آليةٍ.
مراجعة مواقف الدولتيْن من الحدثيْن يكشف أنّ لبنان وإيران تماثَلا في وصف المواد التي انفجرت بأنّها أسمدة كيميائية لاستبعاد فعل “التفجير المُتعمّد” وفتح ملف البحث عن عدوٍ يشكّل الاعتراف بوجوده إرباكًا وإهانةً للدولتيْن المُضيفتيْن للحدث الجلل، علمًا أنّه يُعتقد – ومن دون صدور أيّ بيان رسمي يحدّد ما حدث – أنّ صاحب “نيترات الأمونيوم التي فُجِّرَت في مرفأ بيروت هو الحزب الذي قتل عناصره المصوّر جو بجّاني أمام منزله في بلدة الكحّالة وسرقوا كاميرته وحاسوبه من سيارته في 21 كانون الأول عام 2020، أي بعد 8 أشهر على تصويره أولى عمليات إخلاء المُصابين من تفجير المرفأ قبل وصول الدوريات العسكرية والأمنية وإقفال مسرح الحدث”.
حتّى رئيس الحكومة حسان دياب ألغى زيارةً كان قد أعلن عنها لتفقّد مسرح الحدث بعد الانفجار بيوميْن ثم استقال في 10 آب عام 2020 بعد ستة أيام من تفجير المرفأ. وما زالت الأسرار تلفّ حقيقة مَن فعل ماذا في مرفأ بيروت… ولماذا؟.
أمّا إيران، فقد اعتمدت أيضًا صيغة الحكومة اللبنانية نفسها فصنّفت المواد التي اشتعلت مجرّد أسمدة ومواد كيميائية، لكنّها تميّزت بإعلانها عن إعدام حسن صياد خدايي في ما يبدو أنّه محاولة لتأكيد وجود عدوّ يستهدفها، بالتزامن مع الصراع بين أميركا وإسرائيل من جهة، وأذرع إيران اللبنانية والسورية والعراقية والفلسطينية والحوثيّة من جهة أخرى، وبموازاة المفاوضات الأميركية – الإيرانية عبر الوسيط العُماني في محاولة للاتفاق على صيغة تجرّد إيران من قوتها النووية المتزايدة، وصواريخها الباليستية ووقودها النّووي المستنفذ من برنامج نووي سلمي لتوليد الطاقة بعد الاتفاق على تفاصيله.
تتعثّر المفاوضات لخلافٍ على مصير مخزون إيران المُخصّب بدرجة نقاء 60، وهو ما تحاول روسيا حلّه باقتراحِها “الائتمان على المخزون الإيراني” إذا وافقت أميركا وبقية دول العالم المُعترضة.
كما تقترح روسيا الائتمان على الوقود النووي الإيراني المستنفذ من برنامج سلمي لإنتاج الطاقة، كي لا يبقى معها وتُعيد تخصيبه، وهو ما ينتظر موافقة دول 5 زائد ألمانيا المعنية بالملفات النووية مع إيران منذ العام 2015.
تفجير شحنة الوقود الصاروخي في ميناء بندر عباس الإيراني السبت الماضي، كشف أن خطّة الضغوط القصوى المُعتمدة لإخضاع نظام الولي الفقيه لا تتضمّن أي استهداف تدميري للمواقع النووية لأنّه يوحّد الشعب خلف نظام الولي الفقيه بدلًا من أن يثيره ضده، على عكس تفجير مرفأ بيروت الذي انقسم الشعب اللبناني حول دوافعه ومرتكبيه.
تفجير مرفأ بيروت توزعت أسبابه ونتائجه بين ثلاثة “أعداء” للدولة والشعب اللبناني هم:
* إسرائيل التي تولّت إحدى طائراتها إطلاق الصاروخ الذي تسبّب بأوّل الانفجاريْن في المرفأ.
* نظام الأسد الذي ذخّرت “أسمدة” نيترات الأمونيوم براميله التي فجّرها بشعبه.
* إيران التي يسيطر حزبها المسلّح على قرارات ومقدّرات لبنان منذ انسحاب إسرائيل عام 2000 من الجنوب ومنع الجيش اللبناني من بسط سيادة الدولة على أرضها.
أمّا تفجير مرفأ رجائي في بندر عباس فتوزعت أسبابه ونتائجه بين “عدوّيْن رئيسيَيْن لنظام الولي الفقيه هما أميركا وإسرائيل” وعدّة أصدقاء عرب وأجانب لفصيلٍ ثوريّ إيراني تُنسب إليه المشاركة في عدّة عمليات ضدّ نظام الولي الفقيه هو “المجلس الوطني للمقاومة الإيرانية برئاسة مريم رجوي الذي يتخذ مقرًّا رئيسيًا له في باريس والعاصمة الألبانية تيرانا”.
مريم رجوي كانت أيضًا رئيسة لمنظمة “مجاهدي خلق” المُناضلة ضدّ نظام الولي الفقيه منذ تأسيسه والتي اتُهمت باغتيال الرئيس الإيراني محمد علي رجائي في 30 آب عام 1981 والذي أُطلق اسمه على مرفأ مدينة بندر عباس.
مُنظمة “مجاهدي خلق” أصدرت بيانًا بعد تفجير المرفأ أوضحت فيه أن “الرئيسة المنتخبة للمجلس الوطني للمقاومة الإيرانية مريم رجوي، أوّل من قدم التّعازي لشعب بندر عباس في أعقاب الانفجار الهائل، مؤكدةً ألّا شكّ في أنّ كامل المسؤولية تقع على عاتق نظام الملالي بسبب تخزين المواد المتفجرة بشكلٍ عشوائي وغير آمن في أماكن ومستودعات غير مُطابقة للمعايير، كما حدث في كارثة مرفأ بيروت في أغسطس/آب 2020”.
وذكر البيان أنّ موقع الانفجار يقع ضمن مساحةٍ من المرفأ تُستخدم كمستودعاتٍ تابعة لشركة “بناگستر… التي تخضع لإشراف مجموعة “سبهرانرجي” التابعة لوزارة الدفاع في النظام الإيراني، والتي تمّ إدراجها على لائحة العقوبات من قبل وزارة الخزانة الأميركية بتاريخ 29 نوفمبر/تشرين الثاني 2023 “.
فهل تمّ تفجير “أسمدة” أم ذخائر في بندر عباس وبيروت؟!.