
شيخ الموحدين بجرمانا : لا نقبل عبارة “من يحرر يقرر”
ربما تختصر أشهر ساحات جرمانا، والتي تدعى”ساحة السيوف” لشهرتها من نصب السيوف الخمسة الموجود وسطها، سر هذه المدنية التي لم تهادن كثيرا النظام البعثي البائد، والتي باتت اليوم، تحمل سوريا كلها في ذاتها وقلبها وعقلها.
كثيرة هي التساؤلات التي تدور في الذهن، أثناء التوجه إلى جرمانا، تساؤلات سيجيب عن الكثر منها شيخ المدينة لطائفة الموحدين الدروز هيثم كاتبة، الحاصل على درجة الماجستير في أمراض جهاز الهضم من جامعة بوخارست– رومانيا عام 1989.
في صالون المنزل المتواضع، كان الشيخ أبو عهد في استقبالنا تعلو وجهه ابتسامة عريضة، بينما تحلق حوله لفيف من المساعدين.
كان لافتا أنه في الدردشة الأولى مع الشيخ، تحضيراً للمقابلة، تحدث بالعديد من النقاط، التي عاد ليتكلم فيها أثناء تسجيل الحوار معه، بل وثبتها في رسالة فهمنا منها بالمضمون والتوجيه، أن ما يقوله شيخ الموحدين الدروز في المجالس الخاصة لا يتورع عن قوله في الإعلام وعلى العلن.
وهذا كذلك، سر آخر من أسرار مدينة جرمانا، التي أكد شيخ أكبر المكونات الاجتماعية فيها، على أن مرجعيتهم الأساس ستبقى العاصمة دمشق، مهما كان شكل الحكم فيها، وأن مفهوم النزوح والتهجير من مدينتهم ليس وارداً على الاطلاق بالنسبة لهم، فهم متجذرون بأرضهم أقحاحاً عرب أصليين.
محددات مدينة جرمانا وعلاقتها بالسلطة الجديدة، اختصرها الشيخ أبو عهد في حديثه لـ”المدن”، بمفهوم التشارك، فجرمانا لم تنتظر أحداً ليحررها من النظام السابق، بل هي حررت نفسها منه حتى قبل أن تتحرر دمشق، وهذه ما يجعل المدينة لا تقبل عبارة (من يحرر يقرر)، بل المشاركة في التحرير، وكذلك الانتصار وما بعده.
يجزم الشيخ هيثم بأن حديث رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو عن حماية جرمانا والموحدين الدروز، لم يلقَ أي صدى ولم يكترث له أحد في المدينة أو لدى الموحدين، بل يعتبرونه تدخلاً بشؤونهم لإحداث الفتنة والتفرقة.
وفيما يلي نص المقابلة التي أجريت قبل الأحداث التي المعارك في جرمانا بين الأمن العام ومسلحين دروز:
-كيف يمكن أن نفهم حال الموحدين الدروز اليوم في جرمانا على ضوء المستجدات التي طرأت على مستوى إدارات الدولة؟ وكيف تقيمون علاقتكم بالسلطات الجديدة؟
عندما نريد التحدث عن الوضع في جرمانا، فأنا لاأحبذ الحديث إلا كمواطن سوري يرى الأمور بشكل شامل دون أن نجزأ رؤيتنا للوطن. نحن لا نوافق على الطروحات التي تتحدث عن الموحدين كأقلية، بل عرب أقحاح متجذرين بهذه الأرض.
أغلبية أهالي جرمانا يتطلعون لبناء دولة مدنية ديمقراطية تضمن حقوق كل مكونات الشعب في كل المجالات، وفي هذا الإطار نحن نرفض دعوات التقسيم لأنها تعني التفرقة، والتفرقة تعني الضعف، والضعف يعني التلاشي والاضمحلال. ونتطلع لدولة موحدة مدنية لا تتعامل معنا كلون واحد بل مع كل أطياف المجتمع السوري.
نحنا كنا مساهمين في عملية التحرير من النظام السابق ولم نكن منبطحين أو مهادنين كثيراً على عهد السلطات البائدة. وإذا ما نظرنا قليلا إلى الوراء فإن الوضع في مدينة جرمانا يوم سقوط النظام الحاكم في دمشق، يمكن وصفه بالهادىء والمستقر نسبياً، فالمفارز والأجهزة الأمنية الذين كانوا داخل المدينة، خرجوا بسلاسة وهدوء، ومما جنبنا الكثير من الفوضى، هي التعليمات التي أعطيناها لشباب جرمانا من أجل المحافظة على الممتلكات العامة والخاصة. لقد تفاجات السلطات الجديدة بعدم حصول أي تخريب وفوضى بالمدينة ونحن من جهتنا كنا متيقظين لذلك.
لقد قلنا للسلطة الجديدة، إن وجهتنا دمشق وأننا مع الاصلاح والتطوير، فنحن لسنا دعاة قتل ولا تخريب وليس من ثقافتنا نهائياً هذه الأفعال. ولكن أعلمنا الإدارة الجديدة بأن لنا ثوابتنا الأساسية، وهي الحفاظ على الأرض والعرض والكرامة، وهي خطوط حمراء بالنسبة لنا. نحن لا نعتدي على أحد، ولكن نرد الاعتداء عنا إذا ماحصل.
أخبرنا السلطة الحاكمة في دمشق، فكرة جوهرية وأساسية عن جرمانا وأهلها، وهي أننا ولدنا هنا ونموت هنا ولايمكن أن ننزح أو نهجر وهذه الفكرة بمثابة عقيدة ثابتة عندنا.
كان واضحا لدينا منذ البداية، وهو ما أخبرنا به السلطة الحاكمة أن جملة “من يحرر يقرر” لانحبذها في التعامل مع المدينة وأهلها، لأن جرمانا كانت شبه محررة قبل سقوط النظام فعلياً، وحتى قبل وصولكم كإدارة جديدة إلى دمشق ودخولكم كمحررين. الآن تم تفعيل مركز الناحية بالمدينة، بالاتفاق ما بين الهيئة الروحية ولجنة العمل الأهلي، فيما يسود التفاهم والتنسيق بين أهالي جرمانا وممثلي الإدارة الجديدة (قوات الأمن العام) ضمن صيغة توافقية لحفظ الأمن في المدينة.
– أي صدى حمله كلام نتنياهو عن جرمانا وحديثه المتكرر عن إمكانية تدخله لحماية الدروز؟
نحن لم نأخذ ولا نأخذ كلام نتنياهو حول جرمانا وطائفة الموحدين بعين الإعتبار، فلم يطلب منه أحد الحماية أو أن يحمينا. نحن نستطيع أن نحمي أنفسنا، ولطالما كنا نحمي أنفسنا حتى قبل أن يولد نتنياهو ذاته. لانحبذ كثيراً تصدير البيانات ولسنا من هواة ذلك. سلاحنا أحياناً كثيرة يكون الصمت.
فقط أصدرنا بياناً واحداً بعيد سقوط النظام السابق، أوضحنا فيه موقفنا بأننا دعاة سلام ولسنا دعاة حرب، كما أننا لا نعتدي على أحد، وندعو لدولة مدنية ديمقراطية.
-كيف تنظرون إلى العلاقة مع محافظة السويداء؟
تربطنا مع محافظة السويداء علاقة دينية وروحية، ولكن خياراتنا في الإدارة والحكم ومستقبل البلاد ليست بالضرورة مثل خياراتهم. فجرمانا لها خصوصيتها بحكم قربها من دمشق، وليس لدينا بديل عن التواصل مع دمشق مركز الحكم والعاصمة.
نحن ضد أي مشروع للانفصال عن سوريا، فهذا غير ملائم ولا يصب في مصلحة الموحدين، فإسرائيل دولة معادية ولا يمكن الاعتماد عليها أو الإستناد إليها، وهي لا تشكل أي ضامن أمين للطائفة، فهي ليست ديمقراطية كثيراً، وإنما صهيونية تعتمد التوسع والتمدد كعقيدة، ولربما بعد تحقيق غايتها في سوريا، أن تترك من ساعدها وأن تتخلى عمن ساهم معها في تحقيق مشروعها، وبالتالي فهي لا يؤمن جانبها ولا تصدق وعودها.
لقد حصل لدينا قلق جدي من أن بعض ما يجري في السويداء نُحاسب عليه نحن هنا في جرمانا، وهذا امتد لفترة ليست بالقصيرة، ثم تغير الوضع ووضعت النقاط على الحروف، وتم تبيان المسألة.
لقد كانت زيارة وفد من مشايخ الموحدين إلى اسرائيل زيارة دينية وليست سياسية، ففي السنوات السابقة ومن أيام النظام السابق، كان يزورنا هنا في دمشق من داخل إسرائيل، وفود شبيهة بهذا الوفد، وكنا نستقبلهم ونجتمع بهم ونحتفي بقدومهم.
عموماً، هذه الزيارة كانت لمجموعة من 100 شخص لا يمثلون طائفة الموحدين ولا يمثلون البلد، حتى أن بلدة حضر التي خرج منها الوفد كانت الفكرة مرفوضة بالنسبة لأهلها وللجهات الروحية فيها.
-هل ثمة خشية لديكم على مستقبل طائفة الموحدين؟ وماهي هواجسكم تجاه ذلك؟
لاخشية لدينا على طائفة الموحدين، فقد مررنا بأزمات أكبر خرجنا منها بأقل الخسائر. نحن مطمئنون كموحدين لأننا لا نعتدي على أحد. والآن الأنظار داخلياً وخارجياً وإقليمياً ودولياً مسلطة على الإدارة الجديدة وعلى سلوكياتها.
ما حصل في الساحل السوري من أحداث هي جرائم بحق المدنيين الأبرياء، ومهما كان سبب هذا الفعل أو مبرراته، فهي عمل إجرامي ولا يمكن أن تكون الحلول لأيه أزمات بشكل وأسلوب انتقامي، وإنما يجب أن نحتكم إلى العقل وأن نعتمد الحكمة وسلوك الحل السلمي.
من جهتنا،أقمنا سوراً أمنياً لحماية جرمانا من التجاوزات التي يمكن أن تحصل وكان ضبط الأمن ذاتياً، فقد أقمنا حواجز داخل المدينة وعلى مداخلها، وشباب جرمانا هم الذين يدافعون عنها ويقومون بذلك بإخلاص وتطوع منهم دون مقابل. لقد استطعنا حماية جرمانا وأهلها من أية فوضى أو مخالفات كان يمكن أن تحصل وكل ذلك جاء بجهود وإمكانيات المجتمع المدني والأهلي في المدينة.
عندما سقط النظام أصبح لدينا فراغاً أمنياً كبيراً وحدثت بعض الإشكالات، وكان من واجبنا أن نبادر ببعض الإجراءات كي نحد من تلك الإشكالات وأن نطوقها كي نعيد الاستقرار للمدينة وساكنيها. لقد صدرنا فتوى من جهتنا، بأن أية إساءة لمسيء، نحن نرفع الغطاء عنه حتى لو كان من طائفة الموحدين، بل وحتى لو كان من أسرتنا.
مهما يكن شكل الحكم القائم في دمشق ومهما سيكون، فإن خيارنا في جرمانا سيظل دمشق. وعلى الرغم من أن الادارة الجديدة عرضت علينا أن تنضم جرمانا (إدارياً) إلى العاصمة دمشق، فإننا رفضنا ذلك، لأننا نرى أن الوضع الحالي يشكل مصلحة مشتركة لمدينة جرمانا وأهلها والعاصمة دمشق.
ملاحظة جانبية، يزعجنا كثيراً اسم (دروز)، لأنه لقب ولا يحمل أي دلالة على طائفة الموحدين، ولكن له معنىً لغوي معبر، فمعنى درزي هو التماسك والتلاحم، مثل عظام الجمجمة.