انتهت حرب الجيوش في المنطقة

انتهت حرب الجيوش في المنطقة

الكاتب: راغب جابر | المصدر: النهار
9 ايار 2025

أساليب المقاومة التي أسقطتها الحرب الأخيرة لم تعد ناجعة، ولم تعد متوافرة عدتها أصلاً. سقطت نظرية الصواريخ الغبية، والذكية، وتوازن الرعب، والحروب الكلامية والإعلامية والنفسية.

تستبيح إسرائيل المنطقة، تضرب في سوريا ولبنان واليمن من دون أي رادع، وتمحو غزة من الوجود بحجرها وبشرها، وتمهد لفعل الأمر نفسه في الضفة الغربية، وتهدد العراق وتعد العدة لضرب إيران. لا أحد يردعها، أو بالأحرى قادر على ردعها، لا عسكرياً، ولا سياسياً، بعد إنهيار  محور الممانعة وتدمير ما تبقى من الجيش السوري ومعداته في غارات لم تتوقف منذ سنوات وازدادت وتيرتها منذ سقوط نظام بشار الأسد.

هذا الواقع الميداني سيؤدي حتماً إلى فرض أمر واقع سياسي واقتصادي واجتماعي جديد، والأهم إلى تفكير جديد، وربما إلى ايديولوجيات جديدة أو إلى بعث ايديولوجيات كانت قد اندثرت. ستعرف المنطقة مخاضاً معقداً قبل أن تستقر أوضاعها، والأرجح أنها لن تستقر. ما تفعله إسرائيل التي يحكمها متطرفون مهووسون بالقتل والتدمير والتطهير العرقي ليس قابلاً للهضم أو النسيان أو التسامح معه، ولا يشي بأن ما بعده هو الصلح والسلام. ربما لم يصبح السلام في المنطقة حاجة دولية ملحة بعد، لو كان العالم، وعلى رأسه القوة الأولى الداعمة لإسرائيل الولايات المتحدة، يريد السلام للمنطقة لكان فرضه على إسرائيل بدل الاستمرار في تبنيها، أقله كان فرض عليها وقف المذبحة اليومية المرتكبة بحق أهل غزة الذين يبادون قتلاً وجوعاً ومرضاً وعطشاً يومياً فيما العالم يشاهدهم على هذه الحال من دون أي إجراء حازم، اللهم الأ بعض الكلام الذي لا يسمن ولا يغني من جوع.

قد يكون انتهى زمن حروب الجيوش، الحرب الأخيرة في المنطقة أفضت إلى خروج الجيوش العربية من الصراع والقتال مع الجيش الإسرائيلي، ليس لأنه الجيش الذي لا يقهر، بل لأن القرار الدولي لا يريده أن يقهر. كان بعض العرب قد أدركوا ذلك سابقاً فتصرفوا على أساسه، وها هم الممانعون يتلقون ضربة لن يستفيقوا منها قبل وقت طويل. الوقائع الجديدة تفوق ما كان متخيلاً.

لا حرب جيوش إذاً، لكن ذلك لا يعني أن الصراع انتهى، إنه اكثر تعقيداً من أن تنهيه هزيمة-نعم هزيمة – وبلا تخفيف من وقع التعبير- وهو صراع سيأخذ أشكالاً أخرى تتطلب من الذين ما زالوا يؤمنون بمفاومة المشروع الإسرائيلي أولاً اعترافاً بالهزيمة للبناء عليه بدل التحايل على توصيفها والتخفيف من كارثيتها. الاعتراف بالهزيمة العسكرية ليس بالضرورة هزيمة نفسية، هو يدخل في إطار المصارحة والمصالحة مع الناس الذين خابت توقعاتهم أو هانت عزائمهم.

سينحصر الصراع مستقبلاً في الأراضي الفلسطينية وفي لبنان إذا بقي الإحتلال الإسرائيلي لأراض لبنانية قائماً. أساليب المقاومة التي أسقطتها الحرب الأخيرة لم تعد ناجعة، ولم تعد متوافرة عدتها أصلاً. سقطت نظرية الصواريخ الغبية، والذكية، وتوازن الرعب، والحروب الكلامية والإعلامية والنفسية. باتت المعادلة واضحة: لا توازن، وإلى أجل غير معروف. وعليه ستكون أي مقاومة سرية ومجهّلة الهوية، لا تسميات تدل إليها ولا مظاهر ولا مواقع تدريب ومعسكرات ظاهرة ولا ترويج إعلامي، ولا سلاح في الشوارع ولا تبعية لأحد. هذا ما فعلته كل المقاومات في كل بلدان العالم التي كانت خاضعة للاحتلال. هذا ينطبق على “حزب الله” وعلى غيره في لبنان وعلى “حماس” وعلى غيرها في فلسطين.

تجربة منظمة التحرير انتهت إلى نفيها من لبنان إلى تونس قبل أن تعود إلى الضفة الغربية وغزة  في إطار إتفاق أوسلو الذي تنصلت منه إسرائيل كلياً ومزقته شر تمزيق، وتجربة الحرب الأخيرة التي مازالت تمزق المنطقة، تؤكدان أن إعادة التجربة نفسها للحصول على نتائج مغايرة مستحيل علمياً ومنطقياً.

مستقبل المنطقة ليس جلياً بعد رغم المؤشرات الكثيرة، ما زالت للحروب تتمات.