بحمدون وصوفر وحمانا أطلقتْ «النفيرَ» … ملاقاةً لكويتيي «جيل الحنين» والجيل الجديد

بحمدون وصوفر وحمانا أطلقتْ «النفيرَ» … ملاقاةً لكويتيي «جيل الحنين» والجيل الجديد

الكاتب: زيزي إسطفان | المصدر: الراي الكويتية
11 ايار 2025
– أهالي البلدات فتحوا لـ «الراي» دفاتر الذكريات عن «أيام العزّ مع الإخوة الكويتيين»

… منذ لحظة انتخاب العماد جوزف عون رئيساً وتشكيل حكومةٍ برئاسة نواف سلام، انفرجتْ الأسارير. ها هو لبنان يعود إلى لبنان، ويعود لبنان إلى العرب، ويعود العربُ إلى لبنانهم.

ولم يكن أُعلن عن موعدِ زيارةِ الرئيس اللبناني للكويت، حتى بدا وكأن «الجبلَ الشاحبَ» تَنَفَّسَ الصعداء ومعه بيروت التي تفرك عينيْها على صباح جديد وهي تنتظر صورة الرئيس عون مع سمو الأمير الشيخ مشعل الأحمد.

وسريعاً، اشتعل الأملُ بعودةٍ ميمونةٍ للرعايا الخليجيين إلى الربوع اللبنانية، خصوصاً المصطافين الكويتيين الذين تحتضن ذاكرةُ «المثلث الذهبي» في الجبل، بحمدون وصوفر وحمانا، الكثير من الحكايا عن أيام العزّ والفرح والأخوة التي انتقلتْ من جيل إلى جيل.

«الراي» جالت على بحمدون وصوفر وحمانا لتستعيد مع أهاليها الحنين إلى الأيام الذهبية وتستشرف ملامح وتحضيرات المرحلة الآتية.

بحمدون

في ذروة صيفها كانت بحمدون أشبه بمدينة صغيرة نابضة لا تهدأ، تغصّ شوارعها بالعائلات القادمة من الكويت، تتنقّل بين المقاهي والمطاعم، وتتبادل التحيات مع أصحاب المتاجر الذين كانوا يعرفون الزبائن بأسمائهم فتختلط اللهجة اللبنانية باللهجة الكويتية بتناغُمٍ تام. وعلى طول «بحمدون المحطة»، كانت الأرصفة تمتلئ بالسيارات الأنيقة التي تحمل لوحات كويتية، لتتحوّل في مساءات كل يوم لوحةً من الأضواء العامرة بالسهرات في المقاهي والمطاعم، وحتى الفنادق مثل «السلوى» و«الهيلتون» و«الكرمل» التي غالباً ما امتلأت بالكامل بالنزلاء.

أَحَبَّ الكويتيون بحمدون وتَمَلَّكوا البيوت والعقارات فيها وصارت بعض العائلات الكويتية معروفةً في البلدة، تماماً كعائلاتها.

خلال جولتنا، بدت بحمدون ساكنةً جداً لا حياة فيها، وغالبية فنادقها خاوية ولم تفتح أبوابها، فيما أقفلتْ مطاعم ومتاجر كثيرة. إلا أن أهل المنطقة يستبشرون خيراً بموسم صيف 2025 لا سيما أن بعض الإشارات المُطَمْئنة بدأت تدعو للتفاؤل، مثل عودة سيدتين كويتيتين لبضعة أيام لتحضير المنازل للصيف.

كما بدا واضحاً أثناء جولتنا انطلاق بعض أعمال الصيانة في عدد من فنادق ومقاهي الشارع الرئيسي، رغم كون الأمر يحتاج إلى نفضة كبيرة لإعادة إحياء الشارع.

في بحمدون الضيعة، يروي المختار فؤاد جبور أن الكويتيين يملكون نحو 200000 متر مربع من الأراضي والعقارات وأكثر من 20 فيلا وبيتاً.

وتبدو رئيسة البلدية الشابة آمال خيرالله متحمسة جداً للعمل الذي ينتظرها، وهي تدرك جيداً «أن الأشقاء الكويتيين رافعة لبلدة بحمدون بقسميها الضيعة والمحطة». وتقول لـ«الراي»: «نتأمل بصيفٍ واعد، ونأمل بعد كل المتغيّرات في لبنان أن تكون لدينا الإمكانات لجذب المصطافين العرب، لاسيما الكويتيين الذين تعوّدنا على استضافتهم وصاروا جزءاً من ذاكرتنا الجَماعية. واليوم علينا السعي لجذب الجيل الجديد منهم والفئة الشبابية، وعلينا العمل مع بلدية المحطة بروحٍ واحدة لإعادة بحمدون إلى ألقها وتشغيل الفنادق والمطاعم والكافيهات».

وتضيف: «نحن بلدية شبابية، ولا شك في أنها ستحمل نفساً جديداً وتطلعات جديدة. ونسعى لتلبية احتياجات أبناء منطقتنا كما ضيوفنا الشباب، ولإيجاد حركة تجذب هؤلاء وتوفير أجواء وأماكن لاستقطاب الزوار، إضافة إلى كل ما تملكه بحمدون من مقومات معروفة».

صوفر

بلدة صوفر شكّلتْ الوجهةَ الثانية للكويتيين، لا سيما بعد نهاية الحرب اللبنانية. وبدءاً من العام 1990 بدأت العائلات الكويتية تتَملّك أراضي في هذه المنطقة الجبلية الهادئة ما ساهم في نهضتها.

كورنيش إميل إدة أو كورنيش صوفر ارتدى الطابعَ الكويتي في جهته الشرقية المطلة على وادي لامارتين، حيث تم بناء أكثر من خمسة قصور وعدد من الفلل على هذا الخط.

اليوم القصور فارغة إلا من نواطيرها، وهي في كامل جهوزيتها، ويشرف الوكلاء على إبقائها مع حدائقها في أبهى حُلّةٍ استعداداً ربما لاستقبال الوافدين إليها.

ويقول رئيس بلدية صوفر كمال شيا لـ«الراي» إن الكويتيين أحبوا صوفر كثيراً، وكانوا يقصدونها في أيام الصيف كما في أيام الثلج والشتاء، وساهموا في بناء مدرسة صوفر الرسمية وحفر بئر ارتوازية.

ويروي رئيس البلدية، كما بعض كبار السن في البلدة، كيف كان فندق شاتو برنينا المطلّ على وادي لامارتين مقصداً للسياح الكويتيين، وكيف كانت صوفر على خلافِ بحمدون بلدةً سكنيةً هادئة مخصصة للاصطياف تاريخياً، وتضم الفيلات والقصور بعيداً عن الحياة الصاخبة، وتقصدها العائلات الميسورة لمناظرها الطبيعية الرائعة، بحيث كانت هذه العائلات تزور بحمدون وعاليه للسهر والترفيه وتعود إلى صوفر للاستجمام والتمتع بالأجواء الهادئة.

صوفر اليوم كغيرها من بلدات الجبل تنتظر الأشقاء الكويتيين الذين لم يخذلوها يوماً، ويقول رئيس البلدية: «لم نقصدهم يوماً بخدمةٍ إلا ولبّوا مطالبنا. واليوم نحن بحاجة إلى عودتهم لننهض معاً ببلدتنا التي تحتاج إلى الكثير من البنى التحتية». ورغم أن صوفر تبدو حتى الآن خالية من أي وجود للكويتيين، ما خلا بعض الزيارات الخاطفة لأفراد لا يُطيلون البقاءَ، فإن البلدةَ لم تشهد أي عمليات بيع لأملاك الكويتيين فيها.

حمانا

في حمانا، التقت «الراي» رئيس بلديتها السابق جورج شاهين الذي عايش الفترة الذهبية للبلدة في الماضي حين كان الكويتيون يشكلون جزءاً لا يتجزأ من نسيجها الاجتماعي. ويروي شاهين أن «العائلات الكويتية قصدت صوفر منذ أوائل خمسينات القرن الماضي، وكان هناك ما يقارب 800 منزل يُؤجر للكويتيين، حيث اعتاد أهالي حمانا أن ينتقلوا إلى غرفة صغيرة على السطح ليؤجّروا بيوتهم للكويتيين الذين كانوا يتآلفون مع أبنائها ويجدون فيها الأمان، فيتركون عائلاتهم آمنة في البيوت ويتنقل أرباب العائلات بين الكويت ولبنان لمتابعة أشغالهم».

ويضيف: «كان الصغار والشبان من أبناء الكويتيين ينخرطون في النشاطات الرياضية والثقافية التي يقيمها النادي الرياضي الاجتماعي في البلدة ويشاركون في المباريات أمام القرى الأخرى، وبعضهم كان يهوى قطف الفواكهة من البساتين. وقد بنى الكويتيون جامعاً لهم في حمانا في العام 1962 بعد استملاك أرضه، وقاموا بالعديد من المشاريع التنموية. وحتى بعد نهاية الحرب اللبنانية وبدءاً من العام 2010 ساهموا في تحسين البنية التحتية لساحة الميدان ورصْف أرضها كلّها بحجر البازالت. كما ساهم الصندوق الكويتي في بناء مستوصف حمانا».

علاقة تاريخية منذ الخمسينات

«… لم نكن نرى الزفت في الشارع لشدة الزحمة والمتنزهين والسيارات»، هكذا يصف أحد أبناء «بحمدون المحطة» ما كانت عليه الأمور أيام عزّ «لؤلؤة المصايف» بحمدون. كان الكويتيون يملأون الشارع العام ومقاهيه ومتاجره وأرصفته وشرفات العمارات فيه، فيكتظّ بحضورهم من الظهر حتى بزوغ الفجر… كان ذلك في خمسينات وستينات وحتى منتصف سبعينات القرن الماضي، حين شكّلت بحمدون وصوفر وحمانا ما يشبه منتجعاً طبيعياً يقصده الكويتيون الذين وجدوا في جبال لبنان حلاوةَ المناخ اللطيف وقرباً ثقافياً واجتماعياً جعلهم يشعرون وكأنهم في وطنهم الثاني.

في هذه البلدات، وفي عزّ فورة لبنان وازدهاره، نُسجت مع الكويتيين بشكل خاص علاقات مميزة لا يزال الحنينُ إليها موجوداً في كل بيت، قبل أن تتوالى النكسات.

فمع اندلاع الحرب اللبنانية، توقّفت عقاربُ السياحة، وأُقفلت النوافذ التي كانت تطلّ على مشهدٍ عمره عقود من العلاقات السياحية والاجتماعية بين اللبنانيين والكويتيين. وبعد سنوات طويلة من الانقطاع، بدأتْ هذه العلاقةُ تُستعاد تدريجاً بعد العام 2000، حين عاد بعض الكويتيين لاستكشاف المصايف التي حملت أسماؤها ذكريات الطفولة وحنين الأهل، فاستردّت بحمدون انتعاشاً خجولاً، سرعان ما توسّع ليشمل صوفر وحمانا وما سواهما من قرى الاصطياف اللبناني.

ولم تكد هذه البلدات أن تشهدَ فورةً جديدة حتى انتكستْ مع الحرب الإسرائيلية على لبنان في العام 2006، وبعدها مع بدء الحرب في سورية في 2011 التي قطعت الطريق البري بين الخليج ولبنان، قبل أن تشهد علاقة «بلاد الأرز» بدول مجلس التعاون في العقد الأخير خصوصاً جولاتٍ من أزمات مكتومة حيناً ومعلنَة أحياناً نتيجة «شرود» لبنان عن حضنه العربي.

وجاءت الزيارة الموعودة للرئيس جوزف عون للكويت لتعطي دَفْعاً أكبر للاستعدادات التي كانت انطلقتْ لموسم صيفٍ واعِدٍ يعجّ بالسياح والمصطافين.

ما بين جيلَيْن

بعد فترة الحرب اللبنانية، يقول مختار حمانا جان أبو فرحات «فقدْنا الجيلَ الكويتي القديم الذي كان يربطه بلبنان تَعَلُّقٌ روحيّ، ونشأ جيل جديد ليس لديه هذا الارتباط العميق بلبنان لأنه لم يعرفه، ومَن عاد إلى البلدة هم الجيل القديم الذي مازال يحن إلى حمانا وحياتها الماضية».

ويضيف: «لكن حمانا اليوم بمقوماتها السياحية والترفيهية والثقافية يمكن أن تجذب الشباب الكويتي، لأنها تؤمّن له كل ما يحتاج إليه، وإن لم يعد هؤلاء يمضون الصيف بلا عطلةٍ من بضعة أيام. وحمانا استعادت دورَها من خلال النهضة السياحية التي قامت بها، فتحولت ساحة الميدان فيها إلى موقعٍ يضاهي أهم أمكنة الترفيه والسهر في لبنان. كما بات مهرجان الكرز السنوي في يونيو محطة سياحية مهمة، والبلدة تستعد لصيف واعد، وتتحضر للقاء اغترابي كبير في يوليو يجمع أبناء البلدة المقيمين والمغتربين. وفي هذا الإطار يدعو الناشطون في حمانا أشقاءهم الكويتيين للمشاركة في هذا اللقاء كونهم يعتبرونهم من أهل البلدة وينتظرون عودتهم للمشاركة الفعلية في حياتها».

وإذ يروي رئيس البلدية السابق «أن العائلات الكويتية توزعت بين حمانا وفالوغا وقرنايل وبحمدون وبطلون والمنصورية، ومَن كان يقصد لبنان من الكويتيين كان العائلات الميسورة وغالبيتهم من الشيوخ والتجار الذين تَمَلّكوا الأراضي وبنوا البيوت»، يقول المختار المنتخَب حديثاً إن «الكويتيين الموجودين حالياً في حمانا يفهمون بالسياسة اللبنانية مثل أهل البلد، وقد حضر بعضهم خصوصاً لمتابعة الانتخابات البلدية لوجود أصدقاء لهم مرشّحين».

شوارع بأكملها… للكويتيين

بحسب إحصاءات بلدية بحمدون المحطة، تجاوزت أملاك الكويتيين نسبة 30 إلى 40 في المئة من مجمل العقارات في المنطقة وجوارها. ونشأت شوارع بأكملها تَمَلَّكَ الكويتيون عماراتها وسَكَنوها، مثل شارع أنيس أبو رجيلي الذي ضمّ أكثر من 50 شقة سكنية، وفيه أُنشئ مستوصف طبي لا تزال لوحته قائمةً إلى اليوم. وفي شارع المحطة، شُيِّد مسجد الخرافي ليكون مسجداً غالباً ما يلتقي فيه المصلّون الكويتيون. وعلى عكْس السياح الآخرين الذين ينزلون في الفنادق والشقق المفروشة، فإن القسم الأكبر من الكويتيين الذين يقصدون لبنان كانوا يقيمون في بيوتهم الخاصة في بحمدون.

50 عقاراً في حمّانا

الكويتيون تَمَلّكوا أكثر من 50 عقاراً في حمانا بين أرض وبيت ولا تزال كلها موجودة حتى اليوم، ولم يتم بيْع إلا القليل منها. ورغم أن بحمدون كانت أولى الوجهات التي قصدوها حين أتوا الى لبنان بسياراتهم، إلا أنهم، كما يقول رئيس بلدية حمانا السابق جورج شاهين، استمتعوا بحمّانا كونها هادئة وآمنة وبعيدة عن ضوضاء طريق الشام وتُناسب العائلات المحافظة «وقد وفّر وجود الكويتيين في حمانا الكثير من الوظائف لأهل البلدة حيث كانوا يعملون كوكلاء على الأملاك ويستغلون الأراضي في الزراعة».