“تعويذة” بارزاني الإقليمية تحوّل كردستان إلى “مركز قوّة”

“تعويذة” بارزاني الإقليمية تحوّل كردستان إلى “مركز قوّة”

الكاتب: عماد الشدياق | المصدر: نداء الوطن
15 ايار 2025

في خضمّ التحولات الجيوسياسية التي تشهدها منطقة الشرق الأوسط، برز رئيس إقليم كردستان العراق نيجيرفان بارزاني، كواحد من أبرز الوسطاء القادرين على التأثير في ملفات إقليمية شائكة. لم يعد دور بارزاني مقتصراً على إدارة شؤون الإقليم شبه المستقلّ، بل امتد دوره ليشمل ملفات أبعد من حدود الإقليم وصولاً إلى اعتماده وسيطاً بين بغداد وأنقرة، والتقريب بين الكرد السوريين والحكومة العراقية، وحتى محاولة إعادة ربط العلاقات مع الإدارة السورية الجديدة في دمشق.

تُطرح هنا أسئلة جوهرية: كيف تمكّن بارزاني من ترسيخ هذا الدور؟ وما حدود نفوذه في معادلة تعجُّ بتدخلات إقليمية – دولية؟ بل ما هي استراتيجيته في التعامل مع أطراف متنافرة مثل إيران وتركيا من جهة، وكذلك إيران والولايات المتحدة من جهة أخرى؟

قبل الإجابة عن تلك الأسئلة، لا بدّ من العودة إلى السياق التاريخي الذي اكتسبته عائلة بارزاني وإرثها في مجال العلاقات العابرة للحدود. ينتمي نيجيرفان بارزاني إلى العائلة السياسية الأبرز في كردستان العراق. لعبت دوراً محورياً في تشكيل الهوية السياسية الكردية منذ عقود. والده، إدريس كان نائباً لزعيم الحزب الديمقراطي الكردستاني (KDP)، بينما يُعتبر عمّه مسعود بارزاني، الرئيس السابق للإقليم، أحد أبرز الشخصيات الكردية في القرن الحادي والعشرين.

هذا الإرث العائلي، منح نيجيرفان شبكة علاقات واسعة، ليس فقط مع الكرد في العراق وسوريا، بل أيضاً مع القوى الإقليمية والدولية. فالحزب الديمقراطي الكردستاني كان تاريخياً على علاقة متذبذبة مع إيران، وثيقة مع تركيا، وحذرة مع بغداد، بينما حافظ على تحالف استراتيجي مع الولايات المتحدة منذ التسعينات.

تمكّن بارزاني من تحويل الإقليم الذي يرأسه من “منطقة متنازع عليها إلى مركز للوساطة والتواصل بين أطراف متحاربة”، بحسب توصيف البروفيسور جوناثان واينر من جامعة جورجتاون في حديثه لـ “واشنطن بوست”، إذ يقول إنّ “ما نراه في إقليم كردستان ليس مجرّد حكم ذاتي، بل نموذج فريد للدبلوماسية الإقليمية التي تدار بمهارة نادرة”.

في الملف التركي – العراقي، يظهر بارزاني براعة خاصة. فبين مطرقة العمليات العسكرية التركية في شمال العراق، وسندان الاعتراضات العراقية على انتهاك السيادة، يسير الزعيم الكردي بحذر بالغ. علاقته الاقتصادية الوثيقة مع أنقرة، المتمثلة في تصدير النفط عبر تركيا، قد منحته على الدوام ورقة ضغط مهمّة، ولو كانت تزيد من حساسية موقفه أمام بغداد، إلّا أنه استطاع أن يدير دفة هذا الملف بحذر شديد من خلال الإمساك بعصا التوازن بين الدولتين من الوسط، ولهذا ترى فيه أنقرة شريكاً اقتصادياً لا غنى عنه. يقول الصحافي التركي مراد يلدز في مقال بصحيفة “حرييت”: “علاقة أنقرة بأربيل تشبه رقصة دقيقة، حيث يحرص بارزاني على ألّا يقترب أكثر من اللازم، ولا يبتعد أكثر مِمّا يجب”.

أمّا على الساحة السورية، فإنّ لعبة بارزاني كانت حتى الآن الأكثر تعقيداً. محاولاته التقريب بين الكرد السوريين والحكومة العراقية ما زالت حتى اللحظة تواجه التحدّيات، ولا سيّما مع الانقسام التاريخي بين الأحزاب الكردية المختلفة. أمّا سعيه لإعادة فتح قنوات التواصل مع الإدارة السورية الجديدة بقيادة أحمد الشرع في دمشق، خصوصاً بعد سنوات من القطيعة في زمن نظام آل الأسد، فيبقى محفوفاً بالمخاطر، لكنّ آفاق هذا التواصل اليوم باتت أقرب مع انفتاح الغرب على الإدارة السورية. لعلّ التشبيه الأجمل لتلك العلاقات قدّمته الدكتورة ليلى حمدان من مركز “كارنيغي” للشرق الأوسط، إذ تصف التحدّي بمحاولة بارزاني “المشي على جسر من زجاج بين دمشق والحركة الكردية السورية، حيث كلّ خطوة خاطئة قد تكون كارثية”.

وعليه، يبقى التحدّي الأكبر أمام بارزاني اليوم، هو كيفية الحفاظ على دور “الوسيط الإقليمي”، خصوصاً في ظلّ خلط الأوراق حديثاً في المنطقة، وبعد رفع العقوبات الأميركية عن سوريا بوساطة سعودية – تركية لدى الرئيس الأميركي دونالد ترامب، في مقابل تراجع فرص نجاح التفاوض الأميركي مع إيران. تتقدّم الفرص من جهة وتتصاعد التوترات في المنطقة من جهة أخرى، بينما تتزايد المطالب الكردية الداخلية بضرورة زيادة منسوب الإصلاح.

يصف المراقبون هذه التوليفة العجيبة بـ “التعويذة” التي يحضّرها الساحر… فهل الساحر هنا هو بارزاني؟ بل هل سيبقى قادراً على تسخير قدراته في المناورة بين هذه الأطراف المتنافرة ليرفع من شأن إقليم كردستان؟ بلا شكّ، فإنّ بارزاني هو أحد أبرز الأمثلة على كيف يمكن للقادة الإقليميين أن يحوّلوا حدودهم المتنازع عليها من “نقاط ضعف” إلى “مصادر قوّة”.