وعود ترامب وشروط الاتفاق الإبراهيمي: ما هي “فرصة لبنان”؟

وعود ترامب وشروط الاتفاق الإبراهيمي: ما هي “فرصة لبنان”؟

الكاتب: غادة حلاوي | المصدر: المدن
15 ايار 2025
افتتح الرئيس الأميركي دونالد ترامب عهدًا جديدًا في الخليج العربي وجواره المشرقي المتوسطي. من الرياض، أطلق صانع الصفقات السياسية-الاقتصادية خريطة طريق أساسها مصالح الدولة الأقوى إلى أجلٍ ليس بقريب.

تعمّد ترامب أن يظهر محمد بن سلمان بالصورة التي أرادها ولي العهد لنفسه، وعبّر عنها قبل ست سنوات بتوقعات، خلاصتها أن الشرق الأوسط سوف يكون أوروبا الجديدة. أراد ترامب إظهار السعودية شريكًا كاملًا في صياغة النظام السياسي والاقتصادي الجديد في المشرق والخليج، موجّهًا رسائله في اتجاه سوريا ولبنان وإيران والدولة المضيفة.

الزيارة.. تاريخية أيضاً
ليست صفقة الأسلحة التي وقعها مع ولي العهد محمد بن سلمان هي وحدها تاريخية الطابع، بل إن الزيارة نفسها كانت تاريخية. أراد لها بن سلمان أن تكون كذلك، كما أرادها ترامب أن تكون فاتحة لما خطط له في ولايته الرئاسية لجهة وضع اتفاقيات السلام والاتفاقيات الاقتصادية موضع التنفيذ. يريد ترامب أن ينهي الصراع العربي-الإسرائيلي في المنطقة لتسهيل تنفيذ الاتفاقيات الاقتصادية التي يحلم بها ويعمل عليها، وهذا ما يفسّر استقباله الرئيس السوري أحمد الشرع في حضور بن سلمان، وعلى وقع صوت أردوغان المشارك عبر أثير الإنترنت. لافتة الإشادة الترامبية بالشرع وقوته، واعتباره قائدًا للثورة، حسب تعبيره.

كل ما قاله ترامب له أبعاده، سواء حيال سوريا ولبنان أو بالنسبة للمملكة العربية السعودية. عين ترامب على نجاح تحقيق الاتفاق الإبراهيمي والفوز به، بموازاة الفوز بالاستثمارات الاقتصادية في المنطقة، وهنا المقصود بالطبع إعادة الإعمار في سوريا، معطوفة على استثمارات متبادلة قريبة وبعيدة المدى بين أميركا والمملكة.

طي صفحة حزب الله وسلاحه
قارب الأميركي المنتشي بانتصاراته ملف لبنان من زاوية طي صفحة حزب الله وسلاحه كشرطٍ لإعادة إعمار لبنان وضمّه إلى خريطة الدول المنتعشة اقتصاديًا. قدم ترامب وعودًا، وغازل سوريا ولبنان والمملكة، لكنه اشترط لكل ذلك دخول الدول الثلاثة نادي الاتفاق الإبراهيمي، تاركًا لهم خيار التوقيت. في حديثه الصريح، خصّ ترامب لبنان بكلام مغرٍ عن فرصة تاريخية للنهوض إذا تشجّع وعقد سلامًا مع جيرانه. والمقصود بالجيران هنا ليس سوريا، بل إسرائيل على وجه التحديد. قال بما معناه إن على لبنان التعاطي مع ولاية الشرع كحاكم شرعي، والتعاون معه، كما عليه أن ينظر إلى السلام مع إسرائيل.

كان من المنتظر أن يلتقي ترامب في زيارته للملكة الرئيس اللبناني جوزاف عون إلى جانب الشرع، لكن ترامب عاد فحصر اللقاء بالرئيس السوري، مشجعًا الرئيس عون أن يخطو في اتجاه إنهاء سطوة حزب الله… فهذه فرصة والفرصة تأتي مرة في العمر. لبنان يستطيع برأيه أن يكون مزدهرًا وفي سلام مع جيرانه، واستكمل بالقول: “يمكن للرئيس اللبناني جوزاف عون ورئيس حكومته بناء دولة بعيدًا عن حزب الله، وعلى اللبنانيين تحرير بلدهم من الحزب”.

ما قاله ترامب سبق أن عكسته موفدته مورغان أورثاغوس خلال زيارتها الأخيرة، إذ اعتبرت أن أمام لبنان فرصة يجب أن يستغلها، مستفيدة من رغبة ترامب في إعادة تنشيط دوره قبل أن تعبّر بأن صبر ترامب قد لا يطول. لذلك، مهّد ترامب بكلامه لزيارة أورثاغوس، التي يفترض أن تصل إلى لبنان نهاية الشهر الجاري لإتمام مهمة نشر الجيش، والتأكد من المراحل التي قطعها لبنان في التخلص من سلاح حزب الله، واستباقًا لطلب لبنان التمديد لقوات الطوارئ العاملة في لبنان.

السلاح كشرط للعودة
لبنان، الذي حضر بقوة في مباحثات ترامب- بن سلمان، كان لسلاح حزب الله الحصة الأساسية فيه، وهو ما عبّر عنه بن سلمان بتأكيده على “ضرورة حصر السلاح بيد الدولة اللبنانية”، مجددًا دعم المملكة للجهود الرامية إلى إحلال الاستقرار في لبنان. وهو ما يعكس إجماعًا أميركيًا-سعوديًا على أن عودة لبنان إلى الحياة مرتبطة بنزع سلاح حزب الله.

بالمواقف التي أعلنها، قدم ترامب عرضًا مشروطًا لكل من سوريا والسعودية ولبنان وإيران، قال للسعودية: “القرار عندك بدخول الاتفاق الإبراهيمي”، وربط، ولو بشكل غير مباشر، رفع العقوبات عن سوريا بشروط، أهمها الدخول في الاتفاق. ووعد لبنان بالمساعدة مقابل “السلام مع الجيران”.

لكن يبقى الأهم في دلالات زيارته أنه تعمّد استبعاد إسرائيل وتهميش رئيس حكومتها بنيامين نتنياهو، وكأنه يعمل على الدفع باتجاه توليد طاقم سياسي جديد في إسرائيل قادر على بناء الشراكة الموعودة مع العرب.

المطلوب من لبنان
لبنان يمكنه البناء على القرار التاريخي لترامب برفع العقوبات عن سوريا، ليطالب بإعادة النازحين، كما أن لديه فرصة للمشاركة في إعادة إعمار سوريا إذا أجرى الإصلاحات المالية المطلوبة، وأعاد تكوين نظام مصرفي شفاف، وأعدّ نفسه لدور تجاري عبر مرفأي طرابلس وبيروت بعد إعادة إعمارهما وتحديثهما.

كما أن لبنان مدعو إلى أن ينتهي من ترسيم حدوده البحرية والبرية مع سوريا، والانسحاب من الصراع الأميركي الإيراني بوضوح، وإجراء كل ما يلزم لإطلاق عجلة استخراج الغاز. صحيح أن عودة النازحين قرار دولي، ولكن الموقف اللبناني العقلاني يمكن أن يساعد في تسريعها. فهل يستفيد لبنان هذه المرة أم يواصل إضاعة الفرص ومراكمة خيبات الأمل والانتظار على قارعة الطريق إلى أن يجري تلزيمه لمن يستطيع ضبط إيقاع تناقضاته؟