عندما يلوّح الشرع لزعماء لبنان… من «هناك»

عندما يلوّح الشرع لزعماء لبنان… من «هناك»

الكاتب: مرلين وهبة | المصدر: الجمهورية
16 ايار 2025

وقف العالم مذهولاً أمام مشهد القمة الثلاثية الرئاسية في الرياض: الرئيس الأميركي دونالد ترامب، ولي العهد السعودي محمد بن سلمان والرئيس السوري أحمد الشرع، الأخير الذي كان يقف مندهشاً غير مصدّق بالتأكيد ما يرى وماذا سيكتب التاريخ، لكن مَن يتذكر تاريخ لبنان، ومَن سيكتب تاريخ 2017 حين كان لبنان سبّاقاً وكان هناك؟

كنّا هناك عبر التجربة اللبنانية وبالتحديد عبر الكنيسة المارونية، عندما ذهب البطريرك مار بشارة بطرس الراعي إلى الرياض، محاولاً مصالحة الغرب مع الإسلام السياسي والسنّي تحديداً وقتها، ذهب لبنان إلى الرياض ليقول للمسلمين «هذه الكنيسة هي همزة الوصل مع الغرب». وقال لبنان للكنيسة «هؤلاء المسلمون لديهم مشكلة كبيرة مع الغرب، لنساهم في المصالحة فيقبض لبنان ثمنها؟».

لكن عام 2017، قال البعض للكنيسة، نحن ذاهبون إلى إيران، وقال البعض الآخر للكنيسة، إذا أردتِ الذهاب إلى السعودية ستذهبين معي وليس مع راعٍ غيري! فأين يقف هؤلاء اليوم فيما الشرع في الرياض والإليزيه والبيت الأبيض يلوّح لهم… من هناك؟

من الشخصيات التي شهدت على تلك المرحلة الدكتور فارس سعيد، وهو الذي كان أيضاً شاهداً على الحدث، فيستذكر اليوم عام 2017 ويقول لـ«الجمهورية»: «ألم يكن من الأفضل بعد 11 أيلول عام 2011 أن تحصل هذه المصالحة بمباركة وبمشاركة ومساهمة من قِبل الكنيسة المارونية بوصفها كنيسة عربية؟ ألم يكن من الأفضل أن تتمّ هذه المصالحة وقتها من أن يحصل الإسلام اليوم وبعد 24 سنة كدين، والمسلمون كشعب، على إسقاط حق من الغرب دفعوا ثمنه، وهم اليوم وبعد 24 سنة يُبرمون أول مصالحة معاصرة مع الغرب؟! في وقت لم يكونوا بعد 11 أيلول بالنسبة إلى الغرب سوى مصدر الإرهاب في العالم». وأضاف سعيد: «العالم يعلم كيف أنّ السنّة بالتحديد كانوا مصدر الإرهاب، في وقت اختارت أميركا وفق المحلّلين لعب ورقة الأقليات ضدّهم، فشجّعت نفوذ إيران في المنطقة، وظنّوا إذا تنازعت أجنحة المسلمين في ما بينها يتعب المسلمون ويضعفون…».

إلّا أنّه اليوم وبسحر ساحر، وبعد 24 سنة، أصبح الإسلام عامل استقرار والعالم العربي مساحة للتبادل التجاري والاقتصادي! ولبنان للأسف غائب عن هذا المشهد، وذلك ليس بسبب غياب رئيسَي الجمهورية والحكومة عن المشهد، بل لأنّ التجربة اللبنانية هي تجربة مصالحة العالم العربي مع الخارج، وهي تجربة الشراكة مع الخارج، لأنّ التنوّع اللبناني وموقع لبنان الجغرافي جعلا من هذا البلد الفريد همزة وصل بين ثقافتَين وعالمَين. لكن في هذه اللحظة المصيرية والتاريخية التي يجب أن يستفيد منها لبنان، يغيب وتُرفَع العقوبات عن الشرع عوض أن يكون لبنان حاضراً وشاهداً ومستفيداً! إلّا أنّ القرار على رغم من كل شي، وفق المراقبين، سينعكس إيجاباً على لبنان، إذ إنّه وخلال مرحلة عقوبات «قانون قيصر» وعزل سوريا، تحوّل إلى اقتصاد رديف لسوريا، ودفع لبنان ثمن ارتفاع الدولار والعقوبات على سوريا…

وكنّا من خلال التسهيلات عبر مطار بيروت نستقدم الأغنام والدواء وينشط التهريب إلى سوريا ليستفيد بعض التجار، أمّا اليوم فالرواية معكوسة، لأنّ سوريا دخلت في ورشة إعمار كبيرة، ولن يعود لبنان الخزان الذي يموّل سوريا عبر التهريب، بل إنّه سيستفيد من ورشة الإعمار الكبيرة التي ستنطلق في سوريا، فأصبح مسموحاً لسوريا إدخال ملايين الدولارات من مساهمات ومساعدات من قطر والإمارات والسعودية لإعادة أعمار بلادهم، فالجو تبدّل وانعكست الأوضاع.

ماذا عن النازحين؟

بعد القرار التاريخي لترامب لم يَعُد هناك من مبرّر لبقاء النازحين في لبنان في رأي المواطنين اللبنانيِّين، فيما لا يُخفي الغالبية منهم عتبهم على الرئيس السوري أحمد الشرع، الذي شكر كل الغرب والعرب ولم يشكر الشعب اللبناني السبّاق! والذي سبقه وكان في المقدّمة عندما زرع المسمار الأول في نعش نظام بشار الأسد في 14 آذار 2005.

وإذ يعتب البعض على الشرع، يذكّره أنّ شعب لبنان تضامن مع الثورة في سوريا بكل مكوّناته ما عدا «حزب الله» الذي ذهب إلى الحرب في سوريا، فيما الشعب اللبناني الذي وقف إلى جانب النازحين السوريِّين كان يستحق الشكر من الشرع.

أمّا الدولة اللبنانية وأمام سوريا الجديدة، فعليها إعادة النظر بأمور كثيرة منها:

– المجلس اللبناني ـ السوري، الذي بات يمثل سفارتَين للبنان في سوريا، ولسوريا في لبنان.

– في كل المعاهدات بين لبنان وسوريا.

– إنشاء لجنة مشتركة وتفعيل ملف النازحين.

– علاقة واضحة مع سوريا الجديدة ترتكز على المعادلة التالية: الاستقلال والسيادة مقابل أفضل العلاقات بين لبنان وسوريا.

 

العنوان هو الإسلام وليس لبنان

أمّا عن عدم دعوة الرئيسَين عون وسلام إلى الرياض، فيشرح مطلعون أنّ اللبنانيِّين شهدوا على أنّ زيارة عون الخارجية الأولى كانت للمملكة العربية السعودية، كما شهدوا على دعم الأمير محمد بن سلمان له، وشهدوا كيف أنّ رئيس الحكومة صلّى برفقة ولي العهد! وليس صحيحاً أنّ هناك قراراً سياسياً باستبعاد لبنان، لكنّ العنوان في المنطقة اليوم هو صعود الزمن السنّي وليس العنوان من لبنان ومع لبنان! لأنّ لا مشكلة لأميركا مع لبنان لتجرّه إلى المصالحة، وليست مشكلتها مع الرئيس عون المسيحي، بل مشكلتهم مع الإسلام السياسي الذي تصالحوا معه، ومع إيران التي أسقطوها من المعادلة.