
خاص- الانتخابات البلديّة عيّنة عن تغيّر المزاج المسيحي
من الطبيعي أن تكون الانتخابات البلدية بروفة، ولو مختلفة قليلاً، عن الانتخابات التشريعية أو النيابية. وفي لبنان، ومع أنّ الاعتبارات العائلية تختلط بالاعتبارات الحزبية، خصوصاً في الانتخابات المحلّية، فإنّ الخطّ البياني لأحجام الأحزاب والقوى السياسية يظهر بوضوح من خلال قراءات لنتائج بعض المناطق، وخصوصاً المدن الكبرى، حيث التأثير السياسي فيها يكون أقوى من التأثير العائلي في شكل عامّ. وتشكّل الانتخابات البلدية والاختيارية التي جرت في ثلاث محطّات، وتجري السبت في الجنوب، صورة لما يمكن أن تكون عليه النتائج في الاستحقاق النيابي. فالاستحقاقان لا يبتعدان في الزمن سوى لعام واحد، ما يجعل المتغيّرات ضئيلة نسبيّاً. كما أنّ الظروف المحليّة والإقليميّة التي انقلبت رأساً على عقب ستترك بصماتها على النتائج.
فعلى الساحة المسيحية، يبدو تغيّر المزاج الشعبي واضحاً. وهذا التغيّر لم يبدأ الآن، بل ظهرت ملامحه القويّة في الانتخابات النيابية الماضية، حيث تراجع حضور التيّار الوطني الحرّ لمصلحة الأحزاب الأخرى، وعلى رأسها القوّات اللبنانية. كما خرقت قوى التغيير مقاعد المجلس النيابي للمرّة الأولى. ويبدو أنّ اتّجاه التبدّل في المزاج الشعبي مستمرّ في هذا المنحى، خصوصاً أنّ المشهد الإقليمي انقلب 180 درجة في الأشهر الماضية، مع إضعاف إيران و”حزب الله”، وسقوط نظام الأسد في سوريا.
واليوم تجري الانتخابات في ظلّ متغيّرات على الساحة المسيحية. فالرئيس ميشال عون لم يعد في السلطة، ما انعكس تراجعاً كبيراً في شعبية التيّار في عهدة النائب جبران باسيل. كما أنّ خروج أو إخراج رموز أساسيين في التيّار، قد ترك بصماته أيضاً. وعلى سبيل المثال، فازت في بلدية الجديدة- البوشرية في المتن، اللائحة المدعومة من القوّات والكتائب والنائب إبراهيم كنعان. كما خسر التيّار بلدية جونية.
أمّا في بيروت، فالفوز هو لصالح لائحة “بيروت بتجمعنا”، التي حافظت على المناصفة في المجلس البلدي، فيما فازت اللوائح المدعومة من الأحزاب لانتخابات المختارين في الأشرفية.
وكانت زحلة مثالاً صارخاً لتقدّم حزب القوّات، على رغم تكتّل الأحزاب والقوى الأخرى ضدّه، فيما تَرك التيّار حريّة الاقتراع لناخبيه، خصوصاً بسبب التضعضع الكبير الذي ظهر في أوساط القوى الزحلية الأخرى، فيما أظهرت القوّات قدرة تنظيمية جيّدة.
أمّا بالنسبة إلى قوى التغيير أو قوى المجتمع المدني، التي شكّلت خلال ثورة 17 تشرين حلم شريحة الشباب، فقد خفت نجمها اليوم. وفي الوقت الذي كان يتوقّع فيه أن تحصد قوى التغيير عدداً أكبر من المقاعد النيابية في الانتخابات السابقة، أدّى الانقسام في ما بينها وعدم توحّدها في لوائح إلى دخولها البرلمان ضمن رقم محدّد. أمّا في الانتخابات البلدية الحالية، فظهر تراجع أكبر لقوى المجتمع المدني لصالح الأحزاب. وهذا ربّما ينعكس أيضاً على الانتخابات النيابية في أيّار من العام 2026، حيث يُتخوّف أن يخسر التغييريّون عدداً من مقاعدهم. وقد يعمد البعض إلى التحالف مع الأحزاب لتأمين وصوله. ولو كان للتغييريين أن يشكّلوا حزباً، لربّما تمكّنوا من تثبيت حضورهم وديمومته.
وفي الشارع السنّي، صارت المعادلة معروفة أيضاً. فغياب تيّار ا”لمستقبل” عن العمل السياسي وعزوفه عن الترشّح، أعادا خلط الأوراق لدى الناخب. فتوزّعت الأصوات على قوى سياسية وعائلية مختلفة. إذ لم يتمكّن أيّ طرف من أخذ المكانة التي كان يحتلّها “المستقبل” من حيث تكوين تيّار واسع على امتداد الجغرافيا السنيّة في لبنان. ولكنّ عودة الرعاية السعودية، إذا تحقّقت، فإنّها ستترك الأثر الكبير على نتائج الانتخابات النيابية، من حيث صعود قوى محسوبة على هذا المحور، ربّما تشكّل تحالفاً جيّداً مع الأحزاب المسيحية السياديّة.
ويبقى الشارع الشيعي، الذي حافظ على حضوره. والعامل الذي يلعب لصالح الثنائي الشيعي هو أنّ مناطقهم ذات غالبية شيعية، ما يجعل منافستهم أمراً صعباً. وإذا كان موقع الحزب وقدراته قد تراجعت، فإنّ أيّ تيّار أو قوى شيعية بديلة لم تتمكّن من البروز على الساحة السياسية حتّى الآن. وهذا يعني بقاء الأصوات في أيدي الثنائي، باستثناء بعض المناطق التي قد يخسران تأثيرهما فيها. وهذا الأمر متعلّق أيضاً بشكل قانون الانتخاب الذي سيُعتمد في الانتخابات المقبلة وتقسيم الدوائر الانتخابية