خاص – ما أسباب فشل التغييريّين في الانتخابات البلدية؟

خاص – ما أسباب فشل التغييريّين في الانتخابات البلدية؟

الكاتب: ايلين زغيب عيسى | المصدر: Beirut24
22 ايار 2025

على غرار حركة 14 آذار، لم يتمكّن التغييريّون حتّى الآن من إثبات أنفسهم لاعباً أساسيّاً على الساحة السياسيّة. فمبادئ 14 آذار، التي تقوم على بناء دولة سيّدة متحرّرة من أيّ احتلال أو وصاية، لم تمت ولن تموت. ولكنّ الأشخاص وبعض الأحزاب التي قادت هذه الحركة لم تكن على قدر المسؤولية. فغرقت في المصالح الضيّقة والطائفية، أو خافت من خسارة موقعها، وفضّلت المهادنة. والأمر عينه ينطبق على “المجتمع المدني” أو “التغييريّين” الذين انبثقوا عن ثورة 17 تشرين. فهؤلاء أيضاً لم يتمكّنوا من تنظيم أنفسهم، ولم يتوحّدوا في الانتخابات النيابية الماضية، وغزتهم المصالح والنظريّات البعيدة أحياناً عن الواقع.

وبالفعل، أتت نتائج الانتخابات البلدية الأخيرة، لتثبت بالأرقام الخسائر التي لحقت بالتغييريّين. فنسب الأصوات التي صبّت لصالحهم سجّلت تراجعاً كبيراً عمّا كانت عليه في الانتخابات البلدية الأخيرة في العام 2016.

وتُظهر الأرقام الخاصّة بنتائج انتخابات بلدية بيروت على سبيل المثال، حجم هذا التراجع. فقد صوّت للائحة “بيروت مدينتي” 8% فقط من الناخبين، فيما بلغت هذه النسبة قبل تسع سنوات حوالى 30%. وفي المقابل، حصلت لائحة الأحزاب “بيروت بتجمعنا” على 40% من الأصوات، فيما نالت لائحة “بيروت بتحبّك” المدعومة من الجماعة الإسلامية والنائب نبيل بدر وبعض العائلات، حوالى 24% من مجموع الأصوات. ولم يقتصر تراجع المجموعات التغييريّة على بيروت، بل امتدّ إلى مناطق أخرى، منها مثلاً مدينة زحلة، حيث كان الفوز الكبير للّائحة المدعومة من القوّات اللبنانية.

فما الأسباب وراء تراجع التأييد الشعبي للتغييريّين، بعدما كان هؤلاء في الطليعة إبّان ثورة 17 تشرين، حيث شكّلوا الأمل بالخلاص من الدولة الفاسدة والطائفية بالنسبة إلى قسم كبير من الشعب اللبناني، وخصوصاً في أوساط الشباب؟ وهل سينعكس هذا الواقع على الانتخابات النيابية التي ستجري بعد عام من الآن؟

ربّما ما حصل هو تعبير عن خيبة الأمل من القدرة على تحقيق التغيير المنشود. فالعنصر الشاب الذي قاد المعركة من أجل استيلاد بلد على قدر أحلامه، أصيب بنكسة كبيرة، حين ووجهت ثورته باستعمال القوّة، وفقد الأمل نهائيّاً بعد كارثة انفجار المرفأ. وكانت الهجرة هي ردّ الفعل على حالة اليأس والخيبة. وهذه الفئة من الشباب التي هاجرت ليست بالقليلة. وهي تُعتبر من النخبة التي كان يعوّل عليها لإحداث التغيير والانقلاب على الواقع الفاسد والعفِن.

ولكن إحدى نظريّات علم الاجتماع تقول إنّ التغيير لا يكون نتيجة تلقائية للثورة، بل هو تراكم من التطوّر الاجتماعي والسياسي الذي تتسبّب به الأحداث، والذي ربّما يؤدّي إلى تبديل نظام الحكم مع الوقت.

وفي حالة لبنان، لم تنضج مقتضيات الثورة بما فيه الكفاية. فتركيبة المجتمع المعقّدة والنظام السياسي الذي لم يُشعِر المكوّنات اللبنانية بالطمأنينة، لا يسمحان بقلب الطاولة كلّياً ضدّ الطبقة الحاكمة والبيوتات وبقايا الإقطاعية.

والأهمّ هو الخوف المستوطن لدى الطوائف، ما يجعل من الأحزاب “الطائفية”  الملجأ شبه الوحيد، على رغم الرغبة في تغييرها. ولم يحظَ لبنان بفرصة من الهدوء والاستقرار وبوجود دولة قويّة، كي تتخلّى المكوّنات تدريجاً، وفي الواقع، وليس بالكلام فقط، عن الحماية تحت جناح الأحزاب التقليديّة.

كما أنّ هذه الأحزاب تمتلك القوّة التنظيمية والسياسية والمالية، بما لا يقارن مع ما تمتلكه منظّمات المجتمع المدني، والتي كان عدد منها يتغذّى بتمويل خارجي. وقد توقّف نشاطها أو تراجع مع توقّف هذا التمويل.

وعلى أرض الواقع، لا يمكن للمجتمع المدني أو دعاة التغيير أن يتحوّلوا إلى قوّة ذات تأثير وازن في الحياة السياسية، ما لم يتشكّلوا في أحزاب أو تيّارات، تكون لها مبادئها الواضحة وتوجّهاتها السياسية ونظرتها إلى موقع لبنان ونظامه. وهذا ما لم يحصل. وأسباب ذلك كثيرة، منها أوّلاً حداثة هذه الحركات التي لم تبنِ بعد هيكلية ثابتة لها، ولم تنسج علاقات داخلية وخارجية كافية. كما أنّ هؤلاء تعرّضوا في الواقع لحرب شنّتها عليهم الأحزاب عينها. فقوى ما كان يُعرف بـ “الممانعة” تصدّت للتظاهرات بشتّى الوسائل، ومنها وسائل الترهيب. أمّا الأحزاب الأخرى، فإنّ بعضها لم يستسغ صعود نجم بعض التغييريّين الذين كانوا يحملون على الأحزاب في المطلق، ويرفضون التعاون معها.

وفوق هذا كلّه، فإنّ بعض النوّاب أو القوى المنبثقة من ثورة 17 تشرين، لم تكن منسجمة في ما بينها. فهناك المتمسّكون بالنظريّات ولا يحيدون عنها. وهم يعتبرون أنّ التعامل مع القوى السياسية التقليدية مرفوض بالمطلق. وهناك آخرون اختلفوا في ما بينهم على المناصب والمصالح. حتّى أنّ النائب التغييري وضّاح الصادق كتب على منصّة X أنّ “الانتخابات البلديّة أسقطت كلّ الأوهام، وكشفت غرور البعض وعقليّتهم المتحجّرة وهوسَهم بالمناصب…… وهؤلاء سقطوا في حفرة تعاليهم، ورسموا الحدّ الفاصل بين النفاق والوضوح، وبين الجبن وشجاعة المواجهة.”

في الخلاصة، لا تعطي الانتخابات البلدية مؤشّراً إيجابياً بالنسبة إلى وضع التغييريّين في الانتخابات النيابية المقبلة، حيث يُتوقّع تراجع تمثيلهم لحساب الأحزاب. لذا، عليهم إجراء مراجعة شاملة لأدائهم، لأنّ مبادئ الثورة من رفض الفساد وبناء دولة القانون والكفاءة، هي وحدها الكفيلة بإخراج لبنان من أزماته التي لمّا تنتهِ بعد.