الانتخابات البلدية حددت الأحجام ورسمت المؤشرات لأم المعارك النيابية في 2026

الانتخابات البلدية حددت الأحجام ورسمت المؤشرات لأم المعارك النيابية في 2026

الكاتب: سعد الياس | المصدر: القدس العربي
25 ايار 2025

حسم العهد الجديد ومعه حكومة الرئيس نواف سلام القرار بإجراء الانتخابات البلدية والاختيارية في لبنان بعد تأجيل نيابي لهذا الاستحقاق لثلاث سنوات على التوالي بسبب ظروف سياسية واقتصادية تخفي خلفها مخاوف لدى بعض القوى السياسية من أن تأتي نتائج هذه الانتخابات لتظهر تراجع شعبيتهم ولاسيما بعد انتفاضة 17 تشرين الأول/أكتوبر التي حملت 13 نائباً تغييرياً إلى الندوة النيابية. وعلى الرغم من الطابع العائلي والمناطقي للانتخابات البلدية إلا أنها تعطي مؤشرات عن الأحجام السياسية والشعبية للأحزاب والقوى، فكيف جرت هذه الانتخابات في 1064 بلدية وأي خريطة تحالفات رسمتها وما هو تأثيرها على الانتخابات النيابية عام 2026؟

جبل لبنان

الجولة الأولى من الانتخابات البلدية والاختيارية في جبل لبنان جرت بهدوء ومن دون إشكالات تُذكَر. وتوزّعت نسب الاقتراع بحسب الأقضية بين 56 في المئة في جبيل، 59 في المئة في كسروان، 37 في المئة في المتن، 38 في المئة في بعبدا، 41 في المئة في عاليه، و44 في المئة في الشوف.
وتركزت المعارك الانتخابية خصوصاً في المناطق المسيحية ولاسيما في مدينة جونية التي خرج منها «التيار الوطني الحر» بعد خسارته أمام تحالف القوات اللبنانية والكتائب والنائب نعمة افرام والنائب فريد هيكل الخازن والنائب السابق منصور غانم البون، كما خرج التيار ومعه النائب ميشال المر من بلدية الجديدة السد البوشرية لصالح تحالف القوات والكتائب والنائب ابراهيم كنعان، في وقت احتفظت القوات ببلدية جبيل من خلال اللائحة المدعومة من النائب زياد حواط.
وفيما أظهرت «القوات اللبنانية» قوة تنظيمية إلى جانب قوتها الشعبية، فإن «التيار الوطني الحر» عوّض خسارته في عدد من البلدات الأخرى في جبل لبنان ولاسيما في دير القمر والكحالة اللتين تحملان رمزية معينة إضافة إلى الحدث وحراجل والمنصورية.
في قضاءي عاليه والشوف، حيث الأغلبية الدرزية، اختلطت التحالفات وتشعّبت بين السياسي والعائلي. وغابت المنافسة الحادة في المدن الكبرى مثل الشويفات وعاليه بسبب التفاهم بين رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي السابق وليد جنبلاط ورئيس الحزب الديمقراطي اللبناني الأمير طلال ارسلان حيث جاء رئيس بلدية الشويفات من حصة ارسلان فيما بقي رئيس بلدية عاليه وجدي مراد مقرّباً من الاشتراكي. أما انتخابات بلدة الباروك فشهدت مفاجأة إذ لم تأت لمصلحة المرشح الذي سمّاه جنبلاط رغم عدم ابتعاد الفريق الفائز عن خط المختارة، ما أظهر عدم التزام العائلات في بعض القرى والبلدات بالتوجيهات الحزبية.
في القرى الشيعية في قضاء جبيل وفي الضاحية الجنوبية لبيروت التي تتبع لقضاء بعبدا، سيطرت لوائح «التنمية والوفاء» التي تضم أعضاء من «حركة أمل» و«حزب الله» وممثلين لعائلات وامتدت إلى بلدة القماطية في عاليه. وأظهرت هذه الانتخابات استمرار إمساك الثنائي الشيعي بالأرض وبالبيئة وهو ما انسحب أيضاً على انتخابات مدينة بعلبك والبلدات البقاعية والجنوبية، إذ حرص الثنائي على التوصل إلى تزكية قدر المستطاع في مختلف المناطق وتجنب معارك وإثارة حساسيات بين مناصري «أمل» و«الحزب» ولاسيما في القرى والبلدات الجنوبية التي بلغ عدد البلديات التي فازت بالتزكية فيها 95 بلدية. وجاء نداء رئيس مجلس النواب نبيه بري عشية هذه الانتخابات التي شكلت الجولة الأخيرة ليحث الناخبين في الحافة الأمامية على توجيه رسالة للمحتل الإسرائيلي ولآلته العدوانية «أن هذه القرى العزيزة لن تكون إلا لبنانية لأهلها ومساحة للحياة وليست أرضاً محروقة ولن تكون شريطاً عازلاً مهما غلت التضحيات».

الشمال وعكار

الجولة الثانية من الانتخابات البلدية التي جرت في محافظتي الشمال وعكار شابتها فوضى وإشكالات أمنية خلافاً للأجواء التي رافقت انتخابات جبل لبنان، وبلغ عدد الشكاوى والمراجعات 675 بالإجمال فيما سجّل حوالي 143 حادثاً أمنيًا وحوالي 120 إشكالاً وتضارباً. وتأخرت عملية فرز النتائج في مدينة طرابلس أكثر من يومين رغم نسبة المشاركة غير المرتفعة في الاقتراع، وجاء انتخاب المجلس البلدي في طرابلس خالياً من أي تمثيل مسيحي فيما نجح عضو علوي. وأدى سوء التنظيم وعدم تسلم تصاريح للمندوبين إلى اقالة مجلس الوزراء محافظ الشمال رمزي نهرا بطلب من وزير الداخلية أحمد الحجار. وقد تعاطى الجيش اللبناني بحزم مع المخلين بالأمن وأوقف 35 شخصاً من مطلقي النار ابتهاجاً والذين تسببوا بسقوط عدد من الإصابات.
وفي الخريطة التي أظهرتها الانتخابات شمالاً، أن «القوات اللبنانية» فازت في العديد من المدن والبلدات في أقضية البترون وبشري والكورة وزغرتا ذي الأغلبية المسيحية إما منفردة وإما بالتحالف مع حزب الكتائب و«حركة الاستقلال» والمحامي مجد حرب، في وقت أثبت «تيار المردة» حضوره القوي في مدينة زغرتا وجوارها وخسر في بلدة شكا الساحلية، وبدا من مجريات المعركة البلدية أن التحالف بين «تيار المردة» و«التيار الوطني الحر» غير مستبعد في الانتخابات النيابية العام المقبل لمواجهة تمدد القوات وحلفائها وصولاً إلى بلدات في عكار. أما نسبة الاقتراع في الشمال وعكار فبلغت 43.29 في المئة عموماً وبالتحديد 49.33 في المئة في عكار و 37.25 في المئة في الشمال موزعة كما يلي: طرابلس 25.04 في المئة، زغرتا 38.77 في المئة، بشري 32.03 في المئة، المية الضنية 49.96 في المئة، الكورة 38.92، البترون 48.26 في المئة.

بيروت والبقاع 

الجولة الثالثة من الانتخابات البلدية حملت عنوان تأمين المناصفة في العاصمة بيروت، فيما شهدت زحلة التي تُلقّب بعاصمة الكثلكة أم المعارك بين «القوات اللبنانية» في مواجهة ائتلاف سياسي واسع ضم الكتائب والأحرار والنائب ميشال ضاهر والكتلة الشعبية والنائب السابق سيزار معلوف وضمناً الثنائي الشيعي. وقد بلغت نسبة الاقتراع في بيروت 20.92 في المئة وفي زحلة 45.06 في المئة، وفي البقاع الغربي 41.25 في المئة، وفي راشيا 38.53 في المئة، وفي الهرمل 34.41 في المئة، وفي بعلبك 46.40 في المئة.
ونجح الائتلاف الواسع للقوى والأحزاب السياسية المتناقضة التي اجتمعت تحت خيمة المناصفة في لائحة «بيروت بتجمعنا» في الاختبار إلى حد كبير وأمّن انتخاب 11 مسيحياً في المجلس البلدي إلى جانب 13 مسلماً بينهم العميد محمود الجمل الذي استطاع الخرق من لائحة «بيروت بتحبك» المنافسة المدعومة من النائب نبيل بدر و«الجماعة الإسلامية». وبالتالي شكّل هذا الائتلاف نوعاً من الضمانة للتنوع والوحدة في العاصمة في غياب الرافعة الأساسية التي كانت تتمثل بـ «تيار المستقبل» الذي صوّت جمهوره للائحة «بيروت بتحبك». وفيما برز دور رئيس حزب «الحوار» النائب فؤاد مخزومي ودور جمعية المشاريع الخيرية الإسلامية (الأحباش) في تأمين الأصوات السنية اللازمة للائحة والتي تجاوزت 20 ألفاً، أمّن الثنائي الشيعي «حركة أمل» و«حزب الله» حوالي 19 ألف صوت للائحة ومثله فعلت الأحزاب المسيحية المتمثلة بـ«القوات اللبنانية» والكتائب و«التيار الوطني الحر» والطاشناق. أما الهزيمة فأصابت لائحة «بيروت مدينتي» المدعومة من نواب التغيير.
أما المفاجأة الانتخابية بقاعاً، فكشفتها مدينة زحلة التي حققت فيها «القوات اللبنانية» وحيدة «تسونامي» في وجه كل القوى والأحزاب التي وقفت في وجهها. وأظهرت النتائج حصول رئيس لائحة «القوات» سليم غزالة على 14341 صوتاً في مقابل رئيس لائحة «زحلة رؤيا وقرار» أسعد زغيب الذي نال 7886 صوتاً.

الجنوب والنبطية

ختام الجولات الانتخابية كان في محافظتي الجنوب والنبطية على وقع تشويش إسرائيلي سبق العملية الانتخابية من خلال غارات لتوتير الأجواء وبث القلق في نفوس الجنوبيين. ونجحت مساعي «حركة أمل» و «حزب الله» في إجراء توافقات عائلية وسياسية لتأمين فوز لوائح «التنمية والوفاء» بالتزكية وتفادي معارك انتخابية، وبلغ عدد البلديات التي فازت بالتزكية 95 بلدية بينها 43 في محافظة النبطية و52 في لبنان الجنوبي من دون أن تحجب هذه التوافقات اختراقات لنهج التزكية خصوصاً في الأماكن التي يوجد فيها تغييريون.
وشهدت مدينة صيدا أبرز المعارك بين لائحة مدعومة من النائب عبد الرحمن البزري وعائلات وبعض مكونات المجتمع المدني، ولائحة ثانية مدعومة من الرئيس السابق للبلدية محمد السعودي ورجل الأعمال مرعي أبو مرعي إضافة إلى تأييد مناصري «تيار المستقبل»، ولائحة ثالثة مدعومة من النائب أسامة سعد ورابعة تدعمها «الجماعة الإسلامية».
أما المعركة الثانية جنوباً فتركزت في جزين بين «التيار الوطني الحر» والنائب السابق ابراهيم عازار من جهة وبين «القوات اللبنانية» من جهة أخرى في ظل سعي من رئيس «التيار» النائب جبران باسيل لإعادة الاعتبار لتياره في منطقة جزين بعد خسارته في الانتخابات النيابية عام 2022 ومحاولة «القوات» تثبيت تقدمها على منافسيها كما حصل في زحلة.
من جهته، أدلى رئيس الجمهورية العماد جوزف عون بصوته للمرة الأولى في بلدته العيشية، وقال «رغم الاعتداءات الإسرائيلية ابن الجنوب مصمم على إجراء الانتخابات، وهذه إرادة الصمود والحياة».
وفي قراءة للخبير الانتخابي ومدير عام شركة «ستاتيستكس ليبانون» ربيع الهبر «أن الانتخابات البلدية التي بدأت جولتها الأولى في 4 أيار/مايو كان لها عدة دلالات واتجاهات، منها كانت معارك سياسية وأخرى معارك بلدية وصرف عائلية ومنها معارك تنموية ومنها معارك إثبات وجود». وقال الهبر لـ «القدس العربي» «إن الأحزاب التي انضوت في هذه الانتخابات كانت متعددة وكان لكل منها أهدافه، فـ (القوات اللبنانية) حاولت أن تثبت تقدمها وأنها كاسحة في مختلف المناطق، و(التيار الوطني الحر) حاول أن يثبت أنه ما زال موجوداً وأنه بيضة القبان في المعركة، وحاول حزب الكتائب أن يثبت أنه موجود في كل المناطق. فيما بعض القوى الأخرى مثل (تيار المستقبل) حاول إظهار قدرته على ترجيح الكفة وأنه ما زال فاعلاً وحاضراً».
ورأى الهبر «أن المسيحيين بالاجمال خاضوا معارك وتصارعوا بين بعضهم البعض قبل أن يتصارعوا مع الآخرين، والثنائي الشيعي أيضاً أراد الإثبات أنه ما زال قوياً ويحافظ على شعبيته. وكل منطقة تميّزت بانتخاباتها، ففي جبل لبنان كانت المعارك سياسية وفي أماكن أخرى معارك عائلية. في الحدث بعبدا حاول (التيار الوطني الحر) القول ما زلت قوياً ولم أخسر شيئاً. في الجديدة المتن قالت أحزاب مسيحية كلمتها في التغيير وبعثت برسالة إلى (التيار) كش ملك ولا نقبل بتسوية ونحن الذين نقرر. وقد حاولت عائلة المر في ساحل المتن والعمارة أن تثبت أنها ماىزالت قوية ومسيطرة على المسرح الانتخابي. في جونية حاول (التيار الوطني الحر) القول إنه بالرغم من كل شيء ما زلت محافظاً على قوتي وشعبيتي ولو اتحد الكل في مواجهتي، فأنا مازلت أحتفظ بـ 40 في المئة من كسروان. في جبيل حاولت (القوات) القول مع النائب زياد حواط نحن المدينة ونحن جبيل ونحن أصحاب القرار. في قرطبا أرادت العائلات مع الأحزاب القول إنها ما زالت موجودة».
وأضاف الهبر «في الشمال وتحديداً في الدائرة الثالثة المسيحية كانت للمعركة نكهة مختلفة وكانت معركة كسر، وأظهرت النتائج أن الكل ما زالوا حاضرين سواء (القوات) أو (التيار) أو (المردة) و(حركة الاستقلال) والكتائب، وجميعهم حافظوا على مناطقهم ضمن الإطار العام. في بشري كُرّست المدينة للقوات اللبنانية، في الكورة أثبتت (القوات) أنه يمكنها التحدث مع الجميع عكس ما يُقال وأن التواجد مع الحزب (القومي) والتلاقي الانتخابي على نفس اللائحة وارد، هذا أمر جائز ولا يمكن العيش بالأحقاد طيلة العمر. في طرابلس أثبتت المعركة أنها مدينة إسلامية ولا وجود لأحزاب أو لقوى أو لطوائف ومذاهب أخرى. في عكار أثبت (التيار الوطني الحر) أنه موجود بقوة وما زال يسيطر على مسرح المعركة».

الحاجة للصوت السني

في بيروت أثبت الكل أنهم بحاجة للصوت السني لتغيير المعادلة وأن معظمهم لا يوازون الصوت السني. أكبر الرابحين في معركة بيروت كان النائب فؤاد مخزومي الذي استطاع جمع التناقضات في معركة لا مثيل لها للحفاظ على وحدة بيروت وتنوعها من «القوات اللبنانية» إلى «حزب الله» مروراً بالأحباش والكتائب و«التيار الوطني الحر» والطاشناق وحزب الحوار، وتمكنوا جميعاً من خلال التضامن من تغليب الوحدة وحفظ المناصفة. ولكن ظهر في بيروت أن العامل السني قوي وموجود وأن هذه المعركة تؤشر إلى سطوع نجم شخص إسمه فؤاد مخزومي في العاصمة وعلى مستوى الوطن.
في زحلة أثبتت المبارزة أحقية «القوات» وقدرتها على الإمساك بالورقة المسيحية في المدن الكبرى، وظهرت القوات قوة قادرة وكانت واضحة من أول الانتخابات أن القوات تنطلق من 12 ألف صوت في هذه المدينة التي شكلها وهواها قوات، خلافاً لما كان عليه الحال في السابق حيث كانت زحلة لآل سكاف واستطاع «التيار الوطني الحر» أن يتحكم بها في فترة من الزمن ولكن اليوم شهدنا متغيّراً إسمه وجود «القوات اللبنانية» القوي مع أن الجميع تكتلوا ضدها، ولكن لا يمكن جمع المتناقضات دائماً في الانتخابات لأنهم يصوّتون ضد بعض وهذا ما جعل القوات تربح.
ونفس الشيء حصل في دير القمر عندما تحالف النائب جورج عدوان مع الوزير السابق ناجي البستاني وخسرا لأنهما متناقضان فيما الفريق الآخر الذي لا يتناقض في السياسة تمكّن من ربح المعركة، إنما في معركة المخاتير ربح عدوان والبستاني كل المخاتير لأنهم يصوّتون كل منطقة بمنطقتها ولا وجود للتناقضات وللتحالفات.
ويختم الهبر «هذا المشهد الانتخابي يظهر أنه لم يُلغَ أي حزب سياسي ولم ينته أي حزب في السياسة، وأنهم موجودون كلهم على الأرض وقادرون على خوض معركة نيابية في استحقاق 2026، ولكن مع تسجيل سطوع نجم (القوات اللبنانية) كقدرة قوية وقدرة على التفاوض والتنظيم والمناورة والدخول في معركة حاسمة وايضاً سطوع نجم فؤاد مخزومي».