
خاص- الحزب ينتقل من الدفاع الى الهجوم
موقفان مختصران وواضحان تضمنتهما كلمة أمين عام “حزب الله” الشيخ نعيم قاسم في عيد المقاومة والتحرير: الموقف الأول مفاده أن “حزب الله” اتخذ قراره النهائي بعدم تسليم سلاحه الى الدولة اللبنانية، والموقف الثاني، والأشد خطورة، هو أن الحزب على استعداد لتوجيه سلاحه مجددًا الى الداخل وقلب الطاولة على رؤوس الجميع إذا استمر التضييق عليه وعلى بيئته من باب عرقلة إعادة الإعمار من قبل الدول المانحة.
في خطابه الأخير أعادنا الشيخ نعيم قاسم الى أواخر القرن الماضي، وتحديدًا الى العاصمة السورية دمشق، عندما كان الرئيس الراحل حافظ الأسد يستقبل مسؤولين لبنانيين أو حتى موفدين دوليين، ويكون محرجًا بسبب أزمة معينة أو موقف ما، فكان يغوص مع ضيفه في حديث تاريخي أو ربما فلسفي على مدى ساعات طويلة، ليمرّر في وسط هذه الأطروحة موقفه بكلمات بسيطة، بما يمنع ضيفه من مقاطعته أو مناقشته بهذا الموقف.
الأمر نفسه فعله أمين عام “حزب الله”، حيث تحدث على مدى أكثر من نصف ساعة ليمرّر للدولة ومسؤوليها بدقيقتين رسالتين مختصرتين يرفض مناقشتهما: الجزء الأول من الخطاب تناول سردًا مطولًا، وإن بشكل مجتزأ وغير موضوعي في نقاط عدة، لتاريخ المقاومة وصولًا الى التحرير، مذكرًا بالمعادلة الثلاثية التاريخية “نصرالله- بري- لحود”، وما أنتجته هذه المعادلة التي لا يزال لبنان يجني ثمارها الى اليوم.
الجزء الثالث والأخير من الكلمة تناول الانتخابات البلدية والاختيارية، فكان في أحسن الأحوال إنشائيًا يهدف الى تلميع صورة الحزب وشد عصب بيئته المنكوبة.
أما الجزء الثاني، والأقصر عمليًا، فتضمّن بيت القصيد لأنه حمل بوضوح رسائل الحزب المباشرة الى الدولة اللبنانية بجميع مكوناتها الحزبية والطائفية، إضافة الى الدول العربية والأجنبية الصديقة الراغبة في مساعدة لبنان. وفي هذا السياق، ونظرًا لدقة الموقف المستجد لـ”حزب الله” وخطورته، كان لا بد من العودة الى ما قاله قاسم حرفيًا:
“المقاومة مستمرة، هي خيار الشعب وخيار المؤمنين بها.. السلاح أداة تُستخدم وقت الحاجة وبالطريقة المناسبة وبتقدير المصلحة. لذا، المقاومة هي فعل إرادة وشعب وخيار”..
“إذا كانت تعتقد أمريكا أنها بالضغط على المسؤولين اللبنانيين وعلى لبنان تستطيع أن تحقق الشروط الإسرائيلية، أقول لها: لن تحققوا ما لم يتحقق في الحرب، وهذه الشروط لن تتحقق مهما بلغت التضحيات وكلفتنا المواجهات”.
“نحن الآن مستمرون في تلقي العدوان الإسرائيلي. التزمنا بالكامل. ليكن واضحاً عند الجميع، لا تطلبوا منا شيئاً بعد الآن، فلتنسحب إسرائيل، وتوقف عدوانها، وتُفرج عن الأسرى، وتنتهي من كل الالتزامات الموجودة في الاتفاق، وبعد ذلك لكل حادث حديث”..
فقد قطع الشيخ نعيم قاسم الشك باليقين، واستبق زيارة المبعوثة الأميركية مورغان أورتيغوس الى لبنان حاملة المواقف الأميركية المتوقعة، مؤكدًا ان الحزب لن يسلم سلاحه طوعًا، وهو ما سيخلق بالتأكيد أزمة حقيقية للعهد وحكومته مع المجتمعين العربي والدولي.
أما الشق الثاني من رسالة الحزب الى الدولة اللبنانية، والتي قد تكون أخطر من الأولى بمفاعيلها، فهي في قول قاسم:
“لا يوجد في لبنان استقرار في منطقة، ولا يوجد استقرار في منطقة ثانية. لا، لبنان كله يستقر أو كله لا يستقر. الاستقرار ليس مجزّأً، الاستقرار كامل… هنا أريد أن أؤكد، إعادة الإعمار دعامة الاستقرار الأولى، وأمن المواطن في كل الوطن بهذا الإعمار وبهذا الاستقرار”..
هذا الموقف حمل تهديدًا مباشرًا من الحزب الى الدولة اللبنانية، وليس الى الدول المانحة، مفاده أن إعادة الإعمار شرط للاستقرار الداخلي. وبكلام أوضح أراد قاسم أن يقول أن بيئة الحزب لم تعد قادرة على تحمّل مفاعيل ونتائج “حرب الإسناد” من خراب ودمار، وأنه بالتالي على الدولة أن تتحمّل مسؤولية القرار الذي اتخذه الحزب منفردًا، تحت طائلة تخريب الوضع الداخلي ومنع الاستقرار، من خلال توجيه سلاحه الذي يرفض تسليمه، الى الداخل مجددًا، على غرار ما فعله في السابع من أيار 2008 عندما احتل بيروت وأحكم بعد ذلك قبضته على الدولة.
إلا أن ما لا يدركه الشيخ نعيم، أو ربما لا يريد أن يدركه، أن عقارب الساعة لا ترجع الى الوراء، وأن العام 2025 ليس العام 2008 بعد الزلزال الذي حدث في المنطقة في أعقاب “طوفان الأقصى”، والذي لا تزال تردداته تهز دول المنطقة كلها وفي مقدمتها إيران.
في المحصلة، رسالتا “حزب الله” المختصرتان تحملان موقفًا واحدًا مفاده أن الحزب اتخذ قراره النهائي بالانتقال (داخليًا) من الدفاع الى الهجوم مهما كانت النتائج. الرسالة وصلت.. فهل مَن يردّ؟