
خاص – سوريا تقطف فرص الاستثمار كبديل عن لبنان؟
الفرص لا تنتظر إلى الأبد. هي تتفتّح كالزهرة أو الثمرة. ومن لا يقطفها في الموسم، يضيع عليه الحصاد. وبين سوريا الجديدة ولبنان الجديد، يبدو أنّ الفرص هي لصالح دمشق، وليس بيروت.
لا فرق بين البلدين بالنسبة إلى الموقع الجغرافي. فكلاهما جسر عبور بين الشرق والغرب، وكلاهما يملك مرافئ على المتوسط. والأرض خصبة في المكانين، كونهما عانيا الدمار والانهيار الاقتصادي. وعندما كان نظام الأسد يحكم قبضته على سوريا، لم يكن ثمّة مجال لأي استثمارات، خصوصاً في ظلّ العقوبات المفروضة، وتحت مظلّة النظام الاقتصادي المتّبع أساساً، والذي يختلف كثيراً عن النظام الحرّ في لبنان.
ولكن لبنان، رزح لسنوات طويلة تحت وطأة نظام الأسد، ثمّ سطوة “حزب الله” الذي ينفّذ المصالح الإيرانية. وهذا الوضع فرض عليه أيضاً امتناعاً عربياً وخليجياً عن الاستثمار، لا بل كانت مقاطعة شاملة. كما أن استشراء الفساد، الذي انتهى إلى أزمة اقتصادية غير مسبوقة، منع أي مساعدة له للنهوض، قبل البدء بعملية إصلاح لم تزل متعثّرة.
اليوم، فُتحت نافذة للبنان، بعدما وصل إلى الحكم طاقم إصلاحي سيادي، والذي لم يكن ليصل لولا انهيار “الحزب” وتراجع سطوته والدعم الأميركي. ولكن حتّى الساعة، وعلى رغم الخطوات العديدة التي قامت بها الحكومة على صعيد إقرار قوانين إصلاحية وإجراء تعيينات، إلّا أنّ الطريق إلى انطلاق التعافي، بدءاً من خطّة يرضى عنها صندوق النقد الدولي، ما زال بعيداً. ويبدو أنّ هناك صعوبات أمام إقرار الخطط المتعلّقة بهيكلة المصارف وسدّ الفجوة المالية. وهذا يؤخّر بدء عملية الخروج من الأزمة. وكلّما طال الوقت، خفّت حماسة الدول الغربية والعربية للمساهمة في عملية النهوض وضخّ الاستثمارات.
ومع أنّ العهد يعمل جاهداً لإعادة العلاقات الجيّدة مع دول الخليج، عبر الزيارات التي قام بها رئيس الجمهورية جوزف عون لهذه الدول، فإنّ ترجمة ذلك إلى انخراط جدّي في عمليّة النهوض وإعادة الإعمار في لبنان، تحتاج إلى أكثر بكثير من النيّة الحسنة. وهناك شرط أساسي لا غنى عنه، حتّى لو أُقرّت خطّة التعافي، وهو الانتهاء من موضوع سلاح “الحزب”. ولن تكون أيّ دولة خليجية مستعدّة لوضع ثقلها في الساحة اللبنانية، ما لم يتحقّق هذا الشرط.
لذا، فإنّ الإصلاح وحده، إن تحقّق، لن يكون كافياً من دون سحب السلاح غير الشرعي. والدولة اليوم تقف أمام تحدّي نزع السلاح الفلسطيني، ثمّ سلاح “حزب الله”. ولا نرى أيّ خطّة للوصول إلى ذلك، سوى الانتظار والتروّي ومحاذرة هزّ الاستقرار. والنتيجة ستكون مماثلة، والحالة هذه، لما كان عليه الوضع قبل تسلّم العهد الجديد، على رغم كل الجهود التي تبذل. فأنصاف الحلول لا تنفع هنا. فإمّا حلّ كامل متكامل، وإلّا فكلّ ما تحقّق سيذهب أدراج الرياح.
في هذا الوقت، سارعت القيادة السورية الجديدة برئاسة أحمد الشرع، إلى تلقّف العروض المتاحة، على رغم كلّ الانهيارات التي حلّت بالبلاد، والوضع غير المستقرّ أمنياً. وتمكّن الشرع من أن يقطف الرضى السعودي، معطوفاً على الرضى الأميركي. وتُرجم ذلك برفع العقوبات عن سوريا، ما يمهّد الطريق أمام عودة دمشق إلى الأحضان العربية، مع كلّ الخلفيّات المتشدّدة التي يحملها رئيسها الحالي، الذي وُلد من رحم “داعش”، ثمّ صار زعيم “جبهة النصرة”، قبل أن يصبح رئيساً لسوريا.
وتمكّن الرئيس السوري الحالي من أن يشكّل نقطة وصل بين السعودية وتركيا، بحيث فتح أبواب دمشق أمام الرياض، واستمرّ في الوقت عينه في علاقته الجيّدة جداً مع أنقرة. وبدخوله على خطّ التوافق الإقليمي السعودي التركي برعاية أميركية، حجز لبلاده مكاناً على خارطة المشاريع التي تحضّر للمنطقة. ولكن، هذه الطريق ليست بسهلة على الحكم الناشئ، وعليه أن يبدي قدراً كبيراً من المصداقية، وأن يخلع عنه الوجه المتشدّد بالفعل لا في الشكل فقط. وإن سار لاحقاً في خطى التطبيع مع إسرائيل، فستصبح سوريا لاعباً مهمّاً في المنطقة، وستنافس لبنان على دوره المفترض، إن ظلّت الحكومة اللبنانية تراوح في مكانها.