
خاص- لماذا لا تشجّع دمشق عودة النازحين السوريين؟
قرّرت مفوضيّة اللاجئين وقف التغطية الصحية للنازحين السوريين في لبنان، ابتداء من شهر تشرين الثاني المقبل. وأبلغت ذلك قبل أيّام إلى وزير الصحّة ركان ناصر الدين. وليس سبب هذا القرار أنّ النازحين سيعودون إلى بلادهم قبل هذا التاريخ، بل السبب هو شحّ التمويل للمساعدات، وعلى رأسها التقديمات الصحية. وهذا الموضوع سيشكّل عبئا إضافيا على لبنان، وسيدفعه إلى مزيد من الضغط من أجل تأمين عودة النازحين إلى بلادهم في أسرع وقت ممكن.
منذ سقوط نظام الأسد في سوريا، وتسلّم أحمد الشرع حكم البلاد، صارت عودة النازحين متاحة نظريا. ومن المفترض أن يسهم القرار الأميركي برفع العقوبات عن دمشق، في جعل هذه العودة تصبح واقعية. ولكن، حتّى الآن، لا توحي التوجّهات لدى الحكومة السورية بوجود اهتمام بإتمام عودة مواطنيها من لبنان في وقت قريب.
فلماذا لا تقارب دمشق هذا الملفّ بجدّية، وهل من عقبات أو شروط مخفية تريد الحكومة السورية فرضها على السلطات اللبنانية في مقابل إنهاء ملفّ النزوح؟
استنادا إلى أرقام المفوضية العليا للاجئين، فإنّ عدد السوريين الذين عادوا إلى بلادهم من الدول المجاورة يقارب 500.000 لاجئ، فيما عاد حوالى مليون و200 ألف نازح داخلي إلى ديارهم. وتقول المفوّضية إنّها تعمل على مساعدة اللاجئين السوريين والنازحين داخليا العائدين إلى مناطقهم الأصلية. وتشمل المساعدات إعادة تأهيل المنازل المتضرّرة وتقديم الدعم القانوني لاستبدال وثائق الهوية والممتلكات المفقودة، وإطلاق مبادرات لمساعدة الأشخاص على كسب عيشهم. ولكن قدرة المفوضية، حسب ما تقول مصادرها، محدودة، نظرا إلى الخفض الحادّ في تمويل المساعدات الإنسانية، ما يعني أن دورها أصبح هامشيا في دعم العودة.
ولكن نقص التمويل على مستوى مفوضية اللاجئين يمكن أن تعوّضه المشاريع القطرية والتركية والسعودية لإعادة الإعمار التي ستنطلق قريبا، بعدما عزّز الشرع علاقته بالرياض تحديدا، بدعم أميركي.
ولكن، على رغم ذلك، لا تبدو الحكومة السورية متحمّسة لبتّ ملف النازحين في لبنان. حتّى أنّ الرئيس السوري لم يُشر إلى لبنان، عندما شكر أخيرا الدول المضيفة للنازحين، علما بأن لبنان يستضيف العدد الأكبر نسبة إلى عدد سكّانه.
وتمّ بالفعل الاتفاق على تشكيل لجنة وزارية مشتركة خلال الزيارة التي قام بها رئيس الحكومة نوّاف سلام لدمشق. ولكن هذه اللجنة لم تنطلق في عملها بعد. ومن المقرّر أن يعدّ لبنان خطّة في أسرع وقت، كي تُعرض على الجانب السوري. ويقول نائب رئيس مجلس الوزراء طارق متري إن المشكلة تكمن في النقص الكبير للبيانات حول النازحين السوريين. وليست هذه البيانات موجودة لدى الجانب السوري أوحتّى لدى المفوضية، التي سيكون لها دور أساسي في تنفيذ الخطّة، لا سيّما في التواصل مع النازحين لتحديد من يرغب في العودة فعليا.
وبعد هذه المرحلة، من شروط العودة أن تكون آمنة وكريمة، وبالتنسيق مع القوات السورية. ويُعتبر تحضير المناطق السورية لاستقبال العائدين من أولويّات العودة الكريمة، بمعنى انتظار إعادة بناء البيوت المهدّمة أو ترميم تلك المتضررة. وهذا سيأخذ وقتا طويلا، اذا ما انطلق قريبا، وكان مشروع إعادة الإعمار شاملا.
كما أن هناك جانبا أمنيا تريد السلطات السورية التأكّد منه قبل تحقيق العودة. فهي تخشى من دخول عناصر أو مجموعات، قد تعمل على تشويش الوضع الأمني.
من هنا، ليست الحكومة السورية مستعجلة لإعادة النازحين لدواع اقتصادية وسياسية وأمنية. وربّما تسعى للاحتفاظ بهذه الورقة للمساومة عليها في مقابل مطالب تريدها من لبنان، قد لا يكون أهمّها مطلب استعادة المساجين والموقوفين السوريين من السجون اللبنانية.